كان من المفترض أن تتكبّد شركة "سي ليمتد" (.Sea Ltd) ألماً قصير المدى. فقد أدركت الشركة الصانعة للعبة القتال الناجحة للغاية "فري فاير" (Free Fire) أن زيادة عدد المستخدمين نتيجة تفشي الوباء قد ولّت، لكن الرئيس التنفيذي فورست لي كان لا يزال متفائلاً في وقت سابق من هذا العام بأن المشاكل ستكون قصيرة الأجل. واعتبر شركته قوية داخلياً، واتخذ خطوات لتعظيم الإمكانات طويلة الأجل، بما في ذلك زيادة الإنفاق على النمو.
بدلاً من ذلك، تتعامل "سي" الآن مع تباطؤ اقتصادي وتضخم متزايد، فضلاً عن اشتداد المنافسة وتعرض أسهم التكنولوجيا للبيع على نطاق أوسع. في هذا الإطار، خفضت شركة الألعاب والتجارة الإلكترونية العملاقة الوظائف، وأغلقت عملياتها في بعض أسواق أوروبا وأميركا اللاتينية وقلّصت النفقات.
تراجع عنيف
بعد تصدره لأثرياء سنغافورة بثروة تبلغ قيمتها 22 مليار دولار لفترة وجيزة العام الماضي، فقد تآكلت هذه الثروة، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ للمليارديرات". تبلغ ثروته الآن أكثر قليلاً من 3 مليارات دولار، حيث تراجعت أسهم "سي" بنسبة 87% من ذروتها التي وصلت إليها في وقت سابق، وتم تداولها عند 49.30 دولار للسهم عند الساعة 9:34 صباحاً في نيويورك. هوت ثروتا المؤسسين المشاركين غانغ يي وديفيد تشين مجتمعتين بـ13.5 مليار دولار، لتبلغ ثروة "يي"، التي كانت 12 مليار دولار، الآن نحو ملياري دولار، ولم يعد تشين مليارديراً.
تخلى الثلاثة، جنباً إلى جنب مع كبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين، عن رواتبهم حتى تصل الشركة إلى "الاكتفاء الذاتي"، دون تحديد متى قد يتحقق ذلك.
يعد ذلك مساراً معاكساً بشكل صارخ لما كان في السابق أنشط سهم في العالم. ويقدّر المحللون الآن زيادة الخسائر الفصلية لشركة "سي" عندما تعلن النتائج اليوم.
قال كي يان، رئيس الأبحاث في "دي زي تي ريسيرش" (DZT Research) ومقرها سنغافورة: "التحديات جمّة. يجب أن تثبت الشركة أن التجارة الإلكترونية يمكن أن تكون مربحة. بعد ذلك تحتاج إلى إظهار قدرتها على إطلاق المزيد من الألعاب الناجحة لدفع النمو في هذا القطاع. الأمر ليس نهاية المطاف في الوقت الحالي".
كان "لي" من بين المليارديرات الذين ارتفعت ثرواتهم بمعدلات مذهلة خلال فترة "كوفيد"، قبل أن تنهار مع خروج العالم من الوباء. كذلك تراجعت ثروة الثنائي إيريك يوان، الأب، مؤسس شركة "زووم فيديو كوميونيكيشنز"، وابنه الذي شاركه في شركة تجارة السيارات المستعملة "كارفانا" (Carvana)، كما هبطت ثروة ستيفان بانسل الرئيس التنفيذي لشركة "مودرنا".
انتقل "لي"، وهو من مواليد تيانجين بالصين، إلى سنغافورة بعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة ستانفورد، وأسس شركة "سي" التي كانت تسمى آنذاك "غارينا" (Garena)، كمزودة ألعاب إلكترونية في عام 2009.
التجارة الإلكترونية
النجاح الذي حققته لعبة "فري فاير" عالمياً أعطى حماسة للشركة لدخول مجال التجارة الإلكترونية. وتقوم منصتها "شوبي" (Shopee) حالياً بتحفيز النمو، حيث تمثل أكثر من نصف عائدات الربع الثاني للشركة والبالغة 2.9 مليار دولار. وفي أواخر عام 2020، فازت "سي" بترخيص للخدمات المصرفية الرقمية في سنغافورة والذي سرّع وتيرة الدخول نحو التكنولوجيا المالية.
ولكن سرعان ما حلّت بها سلسلة من الانتكاسات، حيث أدى توسع "سي" إلى تكبّد خسائر متزايدة. وفي يناير الماضي، قلّصت شركة "تينسنت هولدينغز" (Tencent Holdings)، وهي أكبر داعم لـ "سي"، حصتها بها، وأعلنت الهند في الشهر التالي أنها ستحظر لعبة "فري فاير". وانسحبت منصة "شوبي" من السوق، وكذلك من فرنسا والأرجنتين، ودول أخرى. رفض ممثل "سي" التعليق على التقرير.
على الرغم من أن "لي" كان لا يزال متفائلاً في مارس الماضي، فقد غيّر لهجته منذ ذلك الحين. وأقرّ في سبتمبر الماضي أن الصعوبات الحالية ليست "عاصفة عابرة تمر سريعاً"، مرجّحاً أن تستمر على المدى المتوسط.
وفي ظل ضعف الطلب على الألعاب الإلكترونية وتراجع "شوبي"، يقدر المحللون أن خسارة "سي" المعدّلة قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء ستتوسع إلى 453.6 مليون دولار خلال الربع الثالث، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات إلى 3 مليارات دولار، بعد أن كانت 2.7 مليار دولار في العام السابق.
كانت، مؤسسة "أرك إنوفيشن مانجمنت" التابعة لكاثي وود، من بين الذين تخارجوا، حيث تخلصت ثلاثة صناديق تابعة لها من أسهم "سي"، ولا يزال صندوق واحد فقط يحتفظ بالسهم.
قال ناثان نايدو، المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، إنه في الوقت الذي تظهر تخفيضات التكلفة أن الشركة قد ركّزت من جديد على الربحية، فإن المستثمرين سيتابعون "سي" عن كثب أكثر من نظرائها الإقليميين لأنها شركة أكثر نضجاً. يشار إلى أن أسهم "سي" طُرحت للتداول منذ عام 2017، في حين أن أسهم شركة "غراب هولدينغز" (Grab Holdings) لخدمات النقل والتوصيل، وشركة "غو تو غروب" (GoTo Group) وهي أكبر شركة تكنولوجيا في إندونيسيا، قد أُدرجت في العام الماضي فقط.
قال نايدو: "قد يبدأ المستثمرون في اعتبار أن أسهم (سي) لم تعد تمثل النمو. فهناك الكثير من الضغط على الشركة لتحقيق الأرباح".