وها قد وصل التطبيق الخارق للهواتف الذكية الذي يوفر إمكانية تغيير طريقة تواصلنا وكيفية مشاركتنا للمعرفة وحتى كيفية تكويننا لصداقات جديدة.
إنني أتحدث عن منصة "كلوب هاوس" (Clubhouse) وهي شبكة تواصل اجتماعي تقوم على التواصل عبر الصوت والصورة. وتتيح منصتها للمستخدمين الدخول والخروج من غرف الدردشة التي تزول سريعاً، وتتيح أيضاً إمكانية المشاركة في مجموعة من التجمعات، من تلك المحادثات الصغيرة من نوع "مبرد المياه" إلى المناقشات الأكبر التي تضم لجان الخبراء، والتي يحضرها غالباً آلاف المستمعين.
ومنذ انطلاقتها في شهر مارس الماضي، أصبحت "كلوب هاوس" تدريجياً ظاهرة ثقافية، حيث تجتذب السياسيين والمشاهير والخبراء من كافة مناحي الحياة. وبفضل نجاحها والدعم اللافت التي تمتلكه، قد تكون هذه المنصة الآن مستعدة لقلب فضاء وسائل التواصل الاجتماعي برمته.
وتكشف أحدث أرقام "كلوب هاوس" مدى سرعة نموها. فخلال مناسبة أسبوعية جرت يوم الأحد، قال الشريك المؤسس "بول دافيسون" إن قاعدة المستخدمين النشطين الأسبوعية للتطبيق تضاعفت إلى 2 مليون خلال الأسبوعين الماضيين. كما أعلن أن الشركة الناشئة قد أطلقت جولة استثمار أخرى بقيادة شركة رأس المال الاستثماري "أندريسين هورويتز"، مضيفاً أن لديها الآن أكثر من 180 مستثمراً. وفي حين أنه لم يقدم أي تفاصيل، ذكر موقع "ذا إنفورميشن" في يوم الجمعة أن "كلوب هاوس" حصلت على تقييم بنحو مليار دولار. وإذا كان هذا صحيحاً، فهذا يعني أن قيمة الشركة قد ارتفعت عشرة أضعاف منذ سلسلة الجولة الأولى من تمويل في شهر مايو الماضي، قاده "أندريسين هورويتز" أيضاً.
إن هناك شيء مميز يحدث داخل مجتمع "كلوب هاوس". بإمكانك ان تطلق عليها اسم قوة الصوت - وهذا ما يميز "كلوب هاوس" عن المنصات الأخرى. حيث إنه يمكن إجراء محادثة مباشرة قصيرة ذهاباً وإياباً، بفروقها الدقيقة ونبرتها، ما يسهل بناء علاقات أوثق بسرعة أكبر من عشرات المنشورات المكتوبة والرسائل النصية المرسلة عبر الشبكات الاجتماعية الأكثر رسوخاً مثل "فيسبوك" و"تويتر".
ومنذ أن انضممت في الصيف الماضي إلى "كلوب هاوس"، التقيت وأصبحت لي صداقات مع أساتذة وصانعي أفلام وفنانين ومهندسين وغيرهم في أماكن مختلفة من جميع أنحاء العالم. لقد كان الاستماع إلى قصص حياة الأشخاص واستيعاب معارفهم وخبراتهم أمراً مسكراً، بدءاً من رؤية كيفية قيام المدير التنفيذي بإعطاء الضوء الأخضر لبدء مشاريع إلى الحصول على تحليل سياسي متخصص حول آخر الأخبار العاجلة. لقد أصبح هذا التطبيق بسهولة إحدى تسلياتي المفضلة.
ولتوضيح نوع المحادثات التي تدور حول وضع برامج عمل، وهو ما أصبح عنصراً أساسياً في "كلوب هاوس" في هذه الأيام، إليك مثالاً واحداً: في وقت سابق من هذا الشهر، اجتمع رؤساء بلديات سان فرانسيسكو وميامي وأوستن داخل "غرفة" للترويج لمدنهم باعتبارها أماكن جيدة لشركات التكنولوجيا لإقامة الأعمال التجارية.
وشارك الآلاف من المديرين التنفيذيين والمستثمرين والموظفين في نقاش تفاعلي كان ينبض بالحياة.
بالنسبة إلى تطبيق مثل "كلوب هاوس"- أو أي منصة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتطلع إلى توسيع نفوذها وقاعدة مستخدميها - فإن هذا هو النجاح صعب المنال لحلقة ردود الأفعال الإيجابية، حيث إن تأثير الشبكة يكمن في أن جمهور واسع من الأشخاص المؤثرين يمكنه ان يجتذب متحدثين من أرفع جودة والعكس بالعكس.
إن أحدث مقاييس "كلوب هاوس" مثيرة للإعجاب، لكنها قد تقلل من إمكاناتها. ولقد تحقق كل هذا النمو حتى الآن إلى حد كبير عن طريق التواصل الصوتي، ومن قبل نصف سوق الهواتف الذكية فقط. ولا يزال هذا التطبيق يتطلب دعوة من عضو حالي للانضمام وهو حصري لأجهزة "آبل" لذلك عندما يقرر المؤسسون فتح "كلوب هاوس" للجمهور وإصدار نسخة منه على نظام "أندرويد"، عندها سينتقل النمو إلى مستويات أعلى.
إمكانية تحقيق أرباح
توفر طبيعة منصة "كلوب هاوس" إمكانات يمكن من خلالها كسب المال. على سبيل المثال، يمكن أن تحصل منصة "كلوب هاوس" على عمولة من رسوم الدخول إلى الغرفة لإجراء مناقشات جماعية كبيرة. أو على غرار قنوات "تويتش" المملوكة لشركة "أمازون"، يمكن أن تقدم اشتراكات شهرية لغرف تشمل نوادي لديها اهتمامات خاصة.
يمكن للمرء أيضاً أن يتخيل المستخدمين يشترون رموز (الإيموجي) المميزة كي يستخدمونها خلال تعليقاتهم المرئية عندما يعلقون على المتحدثين أو عندما يتحدثون مع أعضاء أخرين من الجمهور. وبالطبع، إن القدرة على كسب المال ستجلب أيضاً أصحاب أفضل الغرف وستحتفظ بهم في منظومة "كلوب هاوس".
وفي يوم الأحد، قال مؤسسو "كلوب هاوس" إنهم سيبدؤون في اختبار طرق في الأشهر المقبلة يمكن من خلالها للمبتكرين على هذه المنصة الحصول على الأموال من خلال "الهبات أو التذاكر أو الاشتراكات".
لكن لدى منصة "كلوب هاوس" تحدياتها. مثلها مثل شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث أنها تعرضت لانتقادات بسبب محتوى مستهجن تم بثه على موقعها في شهر سبتمبر الماضي، عندها تعرض "كلوب هاوس" لموجة من الدعاية السلبية، عندما كرّس بعض المتحدثين الصور النمطية المعادية للسامية.
جودة المحتوى والخصوصية
ويتعين على هذه الشركة الناشئة الاستثمار بقوة أكبر في ميزات الثقة والأمان، وتوظيف مشرفين على المحتوى للتخفيف من المضايقات. وهناك أيضاً منافسة تلوح في الأفق مع "تويتر" الذي يختبر ميزة غرفة الدردشة الصوتية الخاصة به داخل تطبيقها المسمى "سبيسز".
ولكن، قد يكون الوقت متأخراً جداً بالنسبة للاعبين الآخرين. فعلى الرغم من أن خدمة "تويتر" الجديدة تقدم بعض الميزات الفريدة من نوعها - بما في ذلك كتابة نصية مباشرة للحديث الجاري تظهر على الشاشة، والقدرة على مشاركة التغريدات في الغرفة لأغراض مناقشتها - فهي حتى الآن معزولة إلى حد كبير حول متابعي حساب معين.
وعلى الرغم من ذلك، فأن المنصات الأخرى تفتقر إلى الصدفة المميزة التي يمتلكها "كلوب هاوس"، والتي تتيح للأشخاص من خلفيات متنوعة الالتقاء وتكوين روابطهم الخاصة من خلال رحلتهم الخاصة في هذه المنصة. إن "كلوب هاوس" هي أيضاً في مرحلة تضيف فيها ابتكارات جديدة كل أسبوع تقريباً - بما في ذلك أنواع الغرف المختلفة، والإشعارات التي تحدث بحسب نشاط المستخدم، وتقاويم للفعاليات المنتظرة.
صعوبة اللحاق بالركب
وبالطبع، استفاد التطبيق من الوباء حيث يبحث الناس عن طرق للتواصل الاجتماعي لا يتخللها تفاعل شخصي على أرض الواقع أو أنشطة خارجية. لكن استخدام "كلوب هاوس" قد يكون أكثر بقاءً مما يعتقده الكثيرون بعد عودة الحياة اليومية إلى طبيعتها. إنها طريقة مريحة وسلسة للقاء أشخاص جدد من خلال حميمية المحادثة والاستماع إلى فعاليات تشبه المؤتمر والتي قد يصعب حضورها بشكل شخصي.
ولعل الأهم من ذلك هو درجة الاستخدام والمساهمة المذهلة. على المستوى الشخصي، منذ تثبيت "كلوب هاوس"، لاحظت أن الوقت الذي أمضيته في التطبيق أعلى بكثير من أي شبكة اجتماعية أخرى على هاتفي الذكي - أكثر من " تيك توك" أو "تويتر" أو "إنستغرام"، وهذا يشكل إشارة على مدى جاذبية الشبكات الاجتماعية القائمة على الصوت.
واستناداً إلى أنشطة الأشخاص الموجدين على قائمة أصدقائي داخل هذا المجتمع، فأنا لست وحدي. لدي القليل من الشك أنه بمجرد فتح "كلوب هاوس" للجمهور العام، يمكن أن تنمو قاعدة المستخدمين الخاصة بها إلى عشرات الملايين. وهنا يمكن القول "على عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي الشعور بالقلق".