انخفضت إيرادات شركة "تينسنت هولدينغز" لأول مرة على الإطلاق بعد التراجع القياسي في مبيعات الإعلانات عبر الإنترنت، ما يبرز حجم الضرر الذي يلحقه تدهور اقتصاد الصين بأكبر شركات البلاد.
خفضت الشركة الأعلى قيمة في البلاد 5 آلاف وظيفة أو ما يعادل 5% تقريباً من قوتها العاملة، وهو أول انخفاض ربع سنوي في التوظيف منذ 2014 بعد انتشار تسريح العمال في قطاع التكنولوجيا العالمي، كما امتد الأمر مؤخراً إلى الشركة المسؤولة عن تشغيل تطبيق "وي تشات". انخفضت الإيرادات بنسبة أكبر من المتوقع بنحو 3% لتصل إلى 134 مليار يوان (ما يعادل 19.8 مليار دولار)، فيما فشل صافي الدخل أيضاً في مواكبة التوقعات، حيث تراجع هو الآخر بنسبة 56% بالربع المنتهي في يونيو الماضي.
تعاني "تينسنت" في ظل الانكماش المتزايد في الاقتصاد صاحب المركز الثاني عالمياً، والناجم عن الركود العقاري وعمليات الإغلاق المخصصة لمواجهة فيروس كورونا من شنغهاي إلى شنزن.
أدت حالة عدم اليقين إلى فوضى بالأعمال التجارية، الممتدة من قطاع الإعلانات وحتى الحوسبة السحابية والألعاب، كما أعلنت مجموعة "علي بابا هولدينغ" هذا الشهر عن تسجيل أول انخفاض فصلي في الإيرادات على الإطلاق، مع ذلك كانت النتائج أفضل من توقعته المخاوف.
موقف المستثمرين
لكن رغم الضغوط رحب المستثمرون بجهود "تينسنت" لخفض التكاليف، والإشارات التي توضح أن الشركة ربما تكون صمدت بشكل أفضل من المتوقع. وتراجعت عائدات الإعلانات عبر الإنترنت لشركة "تينسنت" 18% لكنها تجاوزت التقديرات. وكان صافي الدخل المعدل البالغ 28.1 مليار يوان أعلى بنحو 15% من التوقعات، بعد استبعاد المكاسب أو الخسائر لمرة واحدة من شركائها بما في ذلك "جيه دي دوت كوم"، التي تدير منصات التجارة الإلكترونية وتعتزم "تينسنت" التخلي عن أسهمها فيها. وارتفعت أسهم "تينسنت" بنسبة 4% في هونغ كونغ، لكنها ما تزال منخفضة بأكثر من 25% هذا العام.
قال ويلر تشين، المحلل في شركة "فورسيث بار إيشا" (Forsyth Barr Asia): "قلصت (تينسنت) نفقاتها مع توجه قطاع التكنولوجيا الصينية نحو الانكماش، ويعتمد أداء الشركة الآن إلى حد كبير على مدى نجاحها في السيطرة على التكاليف والاستفادة القصوى من عمليات التشغيل". اقرأ أيضاً: أسهم التكنولوجيا الصينية تعمق خسائرها بعد بيع "تينسنت" حصة في "سي"
كانت "تينسنت" تعتمد فيما مضى على شبكة استثمارات تمتد لمئات الشركات لإتاحة فرص وأسواق جديدة، لكنها أشارت منذ العام الماضي إلى أنها ستبدأ في تقليص حصصها في الاستثمار بشركات الإنترنت الكبرى بما في ذلك "جيه دي". وقد يساهم ذلك في استرضاء إدارة بكين، التي سعت للحد من التأثير الذي تمارسه "تينسنت" و"علي بابا" على قطاع الإنترنت في الصين من خلال دعم مئات الشركات الناشئة ومؤسسات التكنولوجيا.
نمو ضعيف
لكن جيمس ميتشل، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية نفى تقريراً لـ"رويترز" يفيد بأن "تينسنت" كانت على اتصال بمستشارين ماليين بشأن بيع كل أو جزء كبير من حصتها البالغة 24 مليار دولار في شركة "ميتوان" العملاقة لتوصيل الطعام. وقال رداً على سؤال أحد المحللين في مكالمة بالفيديو بعد الأرباح، إن هذا التقرير "غير دقيق". وارتفعت الأسهم في "ميتوان" بأكثر من 2٪ في هونغ كونغ يوم الخميس.
حتى قبل اضطراب الاقتصاد الكلي، استسلم قطاع الإنترنت العملاق في الصين لعصر جديد من النمو الضعيف بعد عقد من التوسع القوي. ركزت الشركات الشبيهة بـ"تينسنت" على الربحية على مدى السنوات الماضية أكثر من اكتساب حصة أكبر من السوق، بعدما قضت حملة قمع حكومية واسعة النطاق على أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية لهذه الشركات في 2021. اقرأ أيضاً: انتعاش اقتصاد الصين يتراجع مع عودة تفشي كوفيد
لا تزال إدارة بكين تشكل مصدر إزعاج لـ"تينسنت"، رغم استئناف الجهات التنظيمية الموافقة على الألعاب في أبريل بعد توقف دام شهوراً بهدف الحد من إدمان الألعاب الإلكترونية، ولم تحصل شركة التطوير الصينية الكبرى حتى الآن على أي موافقة جديدة للألعاب هذا العام. وحتى الآن تعتمد على الألعاب القديمة ذات العوائد الكبيرة لديها مثل "أونر أوف ذا كينغز" (Honor of Kings) لتحفيز أعمالها التجارية الأكثر ربحاً، بينما تعاني ألعابها الأحدث مثل " غينشين إمباكت" (Genshin Impact) و"ديابلو إمورتال"(Diablo Immortal). وقالت "تينسنت"، يوم الأربعاء، إن أعمالها في ألعاب الفيديو بالصين تواجه "تحديات انتقالية" بما في ذلك إنفاق المستخدمين المتناقص.
أولويات استراتيجية
نظراً للمعطيات الجديدة، قال المسؤولون التنفيذيون في "تينسنت" إن الألعاب الدولية والبرامج السحابية وفيديوهات "وي تشات" ستحتل أولوياتهم الاستراتيجية الرئيسية. وتعد المنشورات المحدثة في تطبيق "وي تشات" الفائق من "تينست"، التي تشبه أسلوب عمل "تيك توك"، أخر أمل للشركة في مواجهة منافستها "بايت دانس" (ByteDance)، التي تجذب المستخدمين وأموال التسويق بشكل متزايد.
اقرأ أيضاً: "انفيديا" و"تينسنت" تتسابقان لحجز مقعد في نادي التريليون دولار
قال في- سيرن لينغ، المحلل في مؤسسة "يونيون بانكير برايفيه" (Union Bancaire Privee): "تقدم (تينسنت) ما وصفته الإدارة بأنه نموذج جديد للقطاع قبل فصلين، والذي يتباطأ النمو فيه ولكن الهوامش تتحسن. فالتحول بعيداً عن التوسع المغامر والتسويق القوي يجب أن يصب في صالح القطاع ككل".
يُعدّ قطاع التكنولوجيا المالية وخدمات الأعمال -الذي يتضمن الحوسبة السحابية- الآن أسرع محرك نمو في "تينسنت"، لكن إيرادات الحوسبة السحابية عانت من انخفاض طفيف هذا العام بعدما خفضت الشركة العقود الخاسرة، وضخت استثمارات مغامرة تتجاوز البنية التحتية.
مستقبل افتراضي
على غرار شركة "ميتا بلاتفورمز" التابعة إلى مارك زوكربيرغ، تواصل "تينسنت" رهانها على تشكيل مستقبل محتمل للعالم الافتراضي لـ"ميتافيرس". وقامت الشركة الصينية بتجديد تطبيقها الاجتماعي القديم "كيو كيو" مع تجسيدات ثلاثية الأبعاد قابلة للتخصيص وجرافيكس محرك الألعاب "أنريل إنجين" (Unreal Engine)، كما توظف مطورين لصنع ألعاب جديدة منفتحة على العالم.
لكن مثل هذه الجهود، إلى جانب الوتيرة الثابتة للاستثمار في استوديوهات الألعاب الخارجية، قد تضغط على الهوامش قبل أن تؤتي ثمارها.
قال بوني ما، المؤسس المشارك بـ"تينسنت"، في بيان: "خلال الربع الثاني تخارجنا بشكل حثيث من الشركات غير الأساسية، وقلصنا إنفاقنا على التسويق، كما خفضنا نفقات التشغيل. وهذا يجب أن يؤهلنا لنمو الإيرادات مع توسع اقتصاد الصين".