باشرت الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الصين وضع خطط طوارئ، تحسباً لنشوب نزاع عسكري مع الولايات المتحدة، بعدما أجرت بكين سلسلة غير مسبوقة من المناورات العسكرية في محيط تايوان هذا الشهر، في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة رغم معارضة الصين.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أشارت، اليوم الأربعاء، إلى أن التخطيط المكثف من قبل قادة الأعمال في الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، ودول أخرى يُشير إلى أن المستثمرين في الصين لم يعودوا يعتبرون غزو تايوان مجرد احتمال ضئيل لحدوث خطر "البجعة السوداء".
"البجعة السوداء" مصطلح يُستخدم في الأوساط المالية للإشارة إلى حدث غير متوقع من شأنه إحداث هزة في الأسواق.
رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين يورغ ووتكي، قال للصحيفة إن ثمة سيناريوهات عديدة يجري التفكير فيها، "وصولاً لما يتوجب علينا فعله؟ هل ينبغي أن نغلق أعمالنا في الصين؟ وكيف نحافظ على أعمالنا والتغلب على عمليات الحصار المحتملة؟".
ووتكي أضاف أن تايوان يُنظر إليها، بشكل مفاجئ، في العديد من مقار الشركات الكبرى على أنها "أوكرانيا المقبلة"، في إشارة إلى غزو صيني محتمل للجزيرة على غرار الغزو الروسي لأوكرانيا.
تواجه الشركات الدولية في الصين ضغوطاً من واشنطن وحلفائها لتنويع أنشطتها بعيداً عن أسواق الصين. لكن قادة الأعمال عزوا عدم حدوث "خروج جماعي" من قبل هذه الشركات إلى "ندرة البدائل" لأكبر سوق استهلاكية وأهم قاعدة صناعية في العالم، وفقاً لـ"فايننشال تايمز".
مع ذلك، تدرس بعض الشركات الأميركية نقل أجزاء من عملياتها خارج الصين. ويَعتبر إريك تشانغ، من غرفة التجارة الأميركية في شنغهاي، أن أزمة تايوان بالنسبة للعديد الشركات المُصنّعة الأميركية التي تمتلك سلاسل إمداد عالمية، تُضاف إلى الآثار الجوهرية الناجمة عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، مثل التعريفات الجمركية. موضحاً أن هذه الآثار أجبرت الشركات الأميركية على التفكير بجدية في إعادة بناء مصانعها في دول أخرى.
لكن تشانغ نوّه بأن العديد من الشركات الأميركية الكبرى، مثل "ديزني" و"تسلا"، أبرمت عقوداً طويلة الأجل للعمل ضمن إطار استراتيجية "في الصين، من أجل الصين"، ولا تزال تعتمد بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى السوق الصينية التي تضم 1.4 مليار مستهلك.
المدير المالي لمجموعة "سوميتومو" اليابانية ريغي موروكا أعلن في مؤتمر صحافي للإعلان عن النتائج المالية أن شركته "ستدرس الخطوات التالية" بينما تراقب تداعيات زيارة بيلوسي إلى تايوان.
بينما تساءل نورياكي ياماغا، المدير التنفيذي لشركة الشحن اليابانية "كاواساكي كيسن كايشا": "هل يُمكن -من الناحية الواقعية - أن يشهد الاقتصاد العالمي انفصال الولايات المتحدة عن الصين؟".
في سياقٍ متصل، سلّطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الضوء على التوترات المحيطة بمضيق تايوان، والتداعيات المحتملة التي يمكن أن تخلّفها على التجارة العالمية في حال حاولت الصين محاصرة الجزيرة.
بخلاف النتائج التي قد تدفع صناعات حيوية، مثل السيارات والهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر، إلى "نفق مظلم" بسبب نقص الرقائق الإلكترونية التي تُعدُّ تايوان مصدرها الأول، إذ توفر حوالي 70% من إمداداتها العالمية، فإن أي إغلاق للمضيق سيخلف تداعيات ضخمة على قطاع الطاقة والشحن حول العالم تصل إلى حد "تكبيل سلاسل التوريد العالمية"، بحسب الصحيفة.
تايوان هي موطن أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم"، وهي شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" (TSMC)، التي تنتج أشباه الموصلات لشركاتٍ مثل "أبل" و"كوالكوم"، وامتلكت العام الماضي أكثر من نصف حصة سوق تصنيع الرقائق البالغة قيمتها 100 مليار دولار، استناداً شركة "غارتنر" (Gartner) للأبحاث.
تعطُّل سلسلة توريد الرقائق في تايوان قد يكلّف شركات الإلكترونيات العالمية خسائر بنحو 490 مليار دولار، بحسب تقرير صادر عن مجموعة "بوسطن" للاستشارات، ورابطة صناعة أشباه الموصلات. لافتاً إلى أنه في حال تعطُّل إنتاج الرقائق التايوانية بشكل دائم، فإن "بناء طاقة إنتاجية في مكان آخر لتعويضها سيستغرق 3 سنوات، على الأقل، وسيتكلف 350 مليار دولار".
الأمر لا يقتصر على الرقائق، إذ ترى شركة الشحن الدنماركية العملاقة "ميرسك" أن إغلاق مضيق تايوان، أحد أكثر الطرق البحرية ازدحاماً في العالم، سينجم عنه تداعيات كبيرة على طاقة الشحن في العالم.
في حين قدّر محللون أن تنفق شركات الشحن المزيد من الأموال على الوقود وطاقم العمل بسبب زيادة فترات العبور، وهي تكاليف ستنتقل على الأرجح إلى الشركات والمستهلكين.
بالوقت عينه، فإن الصين نفسها تعتمد على تايوان للحصول على ما يلزمها من الرقائق التي تدخل في صناعات الحوسبة المتطورة والتطبيقات الصناعية. كما تُعدُّ تايوان بمثابة بوابة شحن استراتيجية إلى المحيط الهادئ بالنسبة للصين. ما يمثل رادعاً أمام بكين للقيام بأي عمل عسكري أو حصار، لما سينتج عن ذلك من عرقلة لاستراتيجيات الصين الطموحة، إذ من شبه المؤكد أن بكين لا تستطيع تعطيل الاقتصاد التايواني دون الإضرار باقتصادها.