تتهيأ مجموعة كبيرة من الشركات الأمريكية الكبرى -من البنوك الأمريكية الكبرى إلى شركات المرافق– لاحتمال وقوع هجمات إلكترونية تستهدف شبكات الكمبيوتر الخاصة بها، حيث هددت روسيا يوم الخميس بـ"عواقب" على الدول التي تتدخل في غزوها لأوكرانيا.
ترددت أصداء مخاوف هذه الشركات لدى المسؤولين في مواقع القيادة التنفيذية وفي محيط واشنطن، عقب التحذيرات الأخيرة الصادرة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن الشركات الأمريكية يتعين عليها أن تدعم دفاعاتها في مواجهة الهجمات الإلكترونية المحتملة، التي من الممكن أن تؤدي إلى تعطيل البنية التحتية الحيوية للبلاد.
اقرأ أيضاً: "مايكروسوفت" ترصد برامج خبيثة مدمرة في الهجوم الذي استهدف أوكرانيا
يقول المسؤولون الأمريكيون إنه لا توجد تهديدات في الوقت الراهن تستهدف الولايات المتحدة، بيد أنهم رغم ذلك طالبوا المؤسسات بالتخطيط لأسوأ السيناريوهات، ومراقبة شبكات الكمبيوتر الخاصة بها بطريقة أكثر صرامة لرصد أية اختراقات محتملة.
اقرأ المزيد: عقوبات "بايدن" تهز أسواق الدين الروسية وسط ترقب حذر بين المتداولين
قال ديفيد كينيدي، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن "تراستسيك" (TrustedSec): "في الوقت الراهن، يجب أن يكون الجميع في حالة تأهب قصوى إذا تواصل هذا التصعيد. روسيا تسعى إلى إحداث تأثير على الرأي العام السياسي من خلال إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها الغربيين". وأضاف أنه يتعين على الشركات أن تمشط بدقة شديدة البنية التحتية لأجهزة الكمبيوتر الخاصة بها، للتأكد من عدم استغلال الاختراقات السابقة لتنفيذ هجمات مستقبلية أشد ضرراً.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يتهيأ لتجميد أصول بوتين و لافروف
تصاعد التهديدات
قال مسؤولان تنفيذيان مصرفيان تحدثا بشرط عدم الإفصاح عن هويتهما نظراً لمناقشة محادثات غير معلنة، إن البنوك الأمريكية الكبرى، كمثال، تخشى التعرض لهجمات إلكترونية عدوانية في حال وقعت واشنطن عقوبات مالية أشد على روسيا. التقى الرؤساء التنفيذيون للمؤسسات المالية الكبرى وخبراء الأمن السيبراني مؤخراً بمسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية مع تصاعد التهديدات الروسية بالحرب، بحسب مسؤولين تنفيذيين. (نوه تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق إلى الاجتماع).
وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس تحذيراً من أن أي محاولات خارجية للتدخل في تحركات روسيا، ستسفر عن "عواقب غير مسبوقة"، وفقاً لما نقله الكرملين عن تصريحات بوتين. نسب المسؤولون الأمريكيون الهجمات الإلكترونية الأخيرة على المواقع الحكومية والبنوك في أوكرانيا، إلى الحكومة الروسية.
يوم الخميس، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيراً من أن الولايات المتحدة "جاهزة للرد" على أي هجمات إلكترونية.
الاستعداد مطلوب
طالبت جين إيسترلي، مديرة وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، الشركات والمؤسسات الأمريكية بالاستعداد لمواجهة هجمات إلكترونية، رغم عدم وجود تهديدات محددة. كتبت على موقع "تويتر" يوم الثلاثاء أنه "ربما تفكر روسيا في القيام بتحركات انتقامية رداً على العقوبات، وبما يؤثر ربما على البنية التحتية الحيوية الخاصة بنا". وكررت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم هذه التحذيرات في خطاب لها يوم الأربعاء موجه إلى المديرين التنفيذيين في مجال الطاقة، وطالبتهم بأن يكونوا مستعدين "لأعلى مستوى ممكن من النشاط السيبراني وعمليات التضليل المحتملة المرتبطة بروسيا أو النشاط الإجرامي الإلكتروني من أطراف فاعلة تحاول استغلال الوضع الجيوسياسي الراهن".
جاء في نص تغريدة جين إيسترلي، أنه "رغم عدم وجود تهديدات محددة أو حقيقية تستهدف الولايات المتحدة في الوقت الراهن، ربما تفكر روسيا في القيام بتحركات انتقامية رداً على العقوبات التي ربما تؤثر على البنية التحتية الحيوية الخاصة بنا. نطالب كل المؤسسات بزيارة موقع cisa.gov/shields-up للتعرف على خطوات الحد من مخاطر الأمن السيبراني".
شجعت حملة "انشر درعك" أو (Shields Up) الخاصة بوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، على التأهب الإلكتروني في الأيام الأخيرة، بداية من التأكد من تحديث البرامج وصولاً إلى تخصيص فرق للتصدي للأزمات الناجمة عن وقوع حادث أمن إلكتروني متوقع. ذكرت صفحة على موقع الإنترنت مخصصة للحملة أن "الحكومة الروسية تعلم أن تعطيل أو تدمير البنية التحتية الحيوية - بما فيها قطاعا الطاقة والاتصالات - من الممكن أن يصعد من الضغط على حكومة البلاد والجيش والسكان ويزيد من التجاوب مع الأهداف الروسية".
قالت إيسترلي، أثناء حديثها أمام لجنة تابعة لمعهد "أسبن" خلال الأسبوع الماضي: "كلنا على علم بأن التحذيرات المبكرة من وقوع هجوم إلكتروني يؤثر على المؤسسات الأمريكية، سيجري تحديدها صراحة على الأرجح تماماً من خلال شركة من القطاع الخاص أولاً عوضاً عن الحكومة".
تقييم الموقف
قال مايكل دانيال، الذي خدم كمنسق أمن سيبراني في فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إنه يشعر بالقلق تماماً حيال حدوث عملية قرصنة روسية تخرج عن السيطرة. وأضاف: "لدي اعتقاد بأنه لا مفر غالباً من أنه سيكون هناك نوع من التأثير الممتد"، والذي من الممكن أن يبدأ بدول الجوار، بيد أنه سيمتد إلى الولايات المتحدة.
قال ستيفن سيلبرشتاين، الرئيس التنفيذي لمركز تبادل وتحليل معلومات الخدمات المالية، المعروف باسم "إف إس - آي إس إيه سي" ( FS-ISAC)، وهي منظمة تشارك الأنشطة الاستخبارية الإلكترونية بين المؤسسات المالية في كافة أنحاء العالم، في بيان: "يستمر فريقنا العالمي للأنشطة الاستخبارية في عملية تقييم الموقف من خلال المراقبة المعززة وتبادل معلومات التهديدات العابرة للحدود عبر قطاع الخدمات المالية. يبقى أعضاؤنا وقطاع الخدمات المالية الأوسع نطاقاً في حالة يقظة".
من جهته، أكد سكوت آرونسون، المدير الأمني في مؤسسة "إديسون إلكتريك إنستيتيوت" (Edison Electric Institute)، وهي مجموعة ذات نشاط تجاري، قائلاً: "تراقب مرافق الكهرباء الوضع عن قرب وتنسق جهودها عبر القطاع ومع شركائنا الحكوميين". في غضون ذلك، حثت جمعية صناعات الطاقة الشمسية أعضاءها في رسالة لها يوم الخميس قائلة: "ناقِش تدابير التصدي الإلكتروني الخاصة بمؤسستك مع موظفيك، للوصول إلى إدراك واضح لمهام ومسؤوليات كل شخص".
استبعاد الهجمات
طالب خبراء آخرون بتوخي الحذر، قائلين إن شن روسيا لهجمات إلكترونية ذات طابع انتقامي ضد المؤسسات الأمريكية لا يعد أمراً مسلماً به. قال آدم مايرز، نائب الرئيس الأول للاستخبارات في شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك هولدينغز" (Crowdstrike Holdings)، إنه لا يتوقع في الوقت الحالي أن تشن روسيا هجوماً على أهداف أمريكية للثأر من العقوبات أو التحركات الأخرى التي قامت بها إدارة الرئيس بايدن.
قال مايرز إن "ذريعة" الجهود الروسية، هو القيام بمهمة حفظ سلام، و"بالنسبة إليهم، فإن مهاجمة الكيانات في الغرب ستمثل إشكالية لتلك السردية".