هل ستواصل استخدام "غوغل" في المستقبل؟

عنوان البحث على الإنترنت - المصدر: بلومبرغ
عنوان البحث على الإنترنت - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كم مرة تستخدم "غوغل" في اليوم؟ وكم مرة في السنة؟ تشير التقديرات إلى أن عدد عمليات البحث التي تجريها "غوغل" تصل إلى أكثر من تريليونيْ عملية بحث سنوياً في كافة أنحاء العالم، بحصة تزيد على 90% من إجمالي العمليات على محركات البحث كافة.

نحن نتمتع ببحث مجاني باستخدام "غوغل"، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد تكلفة. إنه يعني فقط أننا نحن المنتَج.

تحدثت بارمي أولسون، كاتبة العمود في "رأي بلومبرغ"، مع سريدهار راماسوامي، رئيس إعلانات "غوغل" السابق على "تويتر سبيسيز" (Twitter Spaces) حول نموذج إعلانات الشركة، وطبيعة تصفح الويب، ولماذا لا تزال "غوغل" تتحكم في البحث على الإنترنت.

اقرأ أيضاً: التريليون المقبل لـ"غوغل" سيأتي من البحث والذكاء الاصطناعي

عمل راماسوامي في "غوغل" لمدة 15 عاماً، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أدار أقسام الإعلانات المهمة كافة في الشركة. غادر راماسوامي الشركة في 2018، وشارك منذ ذلك الحين في تأسيس محرك بحث منافس "نيفا" (Neeva)، والذي يحقق إيرادات من خلال رسوم الاشتراك الشهري.

اقرأ المزيد: دعوى قضائية تتهم "غوغل" بتتبع مواقع المستخدمين رغماً عنهم

في ما يلي، نسخة معدلة قليلاً من المحادثة التي دارت بينهما:

بارمي أولسون: انضممت إلى "غوغل" كمهندس إعلانات على محرك البحث، وترقيت في المناصب حتى أصبحت على رأس إدارة قسم الإعلانات، لتقود فريقاً يضم أكثر من 10 آلاف شخص. وفي العام الذي تركت فيه "غوغل" بلغت إيراداتها من الإعلانات فقط 100 مليار دولار، ولم يتحرك ذلك الرقم لأعلى من وقتها. من الواضح أنك كنت تشرف على واحدة من أقوى الشركات في العالم. لماذا قررت أنك لا تريد العمل في مجال الإعلانات لدى "غوغل" بعد الآن؟

سريدهار راماسوامي: كنت محظوظاً لوجودي في "غوغل"، لكن بعد 15 عاماً أردت التغيير. لقد عملت على الإعلانات طوال الوقت، وساعدت في إنشاء نظام كبير وقوي جداً بشكل واضح. لكن كانت لدي الرغبة في العودة إلى جذوري كمهندس برمجيات مفكر ومبدع.

كانت هناك أيضاً جوانب من الإعلانات في "غوغل" تصيبني بالإحباط. كل منا يريد أن يشعر بالرضا عن وظيفته. فمع إضافة منصات معقدة في عملها مثل "يوتيوب"، حيث يتم عرض كل أنواع المحتوى، ومن بينها كمية لا حصر لها من المحتوى المرفوض، كان يتم النظر إلى الإعلانات على أنها تدعم ذلك المحتوى بشكل مباشر أو غير مباشر. وكان العام 2017 على وجه الخصوص، عاماً يزخر بالجدل. وفي نهاية ذلك العام، قررت أنني بحاجة حقاً إلى استراحة.

أنشأت "نيفا" لأنني أحب موضوع البحث، وأردت إنشاء منتج أبسط وأكثر ودية. أنا فخور بأننا أنشأنا أول محرك بحث في العالم، خاص، وخالي من الإعلانات.

المنافسة

بارمي: لماذا لم تكن هناك منافسة ملموسة لمحرك البحث "غوغل" لأكثر من عقد من الزمان؟

سريدهار: بداية، إنها قضية صعبة للغاية. فالأمر يبدو أكبر من ذلك، ويتضمن الوصول إلى حلول للعديد من المشكلات الفنية. فمن الصعب حقاً أن تجول بين المواقع الإلكترونية كافة في العالم، وتبحث فيها بشكل هادف في بيئة منافسة ومنفتحة. والحقيقة أن أفضل نتيجة للبحث هي النتيجة التي يقول الجميع إنها الأفضل، ما يعني أنها مسابقة على الشعبية بين المستخدمين، وهو ما يتطلب زيادة حجم البيانات التي يجب تطويرها بالتزامن مع زيادة عدد المستخدمين وطبيعة الاستخدام.

أعتقد بأن الجميع يعترف بأنه عندما يتعلق الأمر بالبحث فقط، فإن "غوغل" لا تزال هي المعيار الذهبي. ولكن يزداد التحدي بشأن كيفية تعامل "غوغل" مع البحث، في ظل تزايد بعض التحديات، مثل الإعلانات، والأماكن المتخصصة مثل "تويتر" و"ريديت" (Reddit).

بارمي: ما هي وجهة نظرك حول القول إن "غوغل" المعيار الذهبي؟ هل ترى أن ذلك الأمر قد يتغير بأي شكل؟ لقد لاحظت أن الإعلانات تشغل مساحة كبيرة في نتائج البحث. وهل ترى أي تدهور في جودة البحث في "غوغل"، سواء الآن أو في الآونة الأخيرة أو في المستقبل؟

سريدهار: إنه تغيير بطيء ولكنه بشكل حاسم يتجه نحو الأسوأ. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الإعلان، وأنا متعاطف مع هذا الفريق الذي كنت أديره. فهناك ضغوط هائلة لكسب المال. تذكر ما حدث لـ"فيسبوك" مؤخراً. ولكن تفوق شركات التكنولوجيا كافة، لا يعود فقط لما أنجزته، ولكن من خلال الآفاق المستقبلية أيضاً. فهناك ضغط على "غوغل" لشغل مساحة أكبر لصالح الإعلانات، أو اللجوء إلى عدد لا نهائي من المناورات التي تشدّ الانتباه.

إيرادات ضخمة

بارمي: إذا كانت تلك مشكلة وأنت تراها تتصاعد، فهل فكرت "غوغل" من قبل في بيع اشتراك لمستخدمين متميزين، للتخلص من جميع الإعلانات عندما كنت هناك؟

سريدهار: ليس بشكل جدي. سأقدم لكم إحصاءات تقريبية لكنها مذهلة. يكاد يكون من المؤكد أن "غوغل" تحقق أكثر من 50 مليار دولار إيرادات من الولايات المتحدة فقط، وهو ما يعادل أكثر من 150 دولاراً أمريكياً لكل شخص سنوياً فقط من البحث على "غوغل". وحتى مع تحويل ذلك المبلغ إلى رقم شهري، تعلم أن الكثير من الناس لن يدفعوا مقابل منتج مثل هذا، بذلك السعر.

الشيء الآخر الذي يتم التقليل من شأنه إلى حد كبير، خصوصاً من خارج "غوغل"، هو أن هناك عدداً كبيراً من الموظفين يعتمد مصدر رزقهم على نموذج الإعلان. وقد يمكنك الذهاب بعيداً في وقت مبكر، وتطلب دفع رسوم اشتراك، لكن عندما تكون ناجحاً للغاية، وتكون هناك اقتصاديات قوية، وشركات تعمل بها، يصبح الأمر صعباً للغاية. وكذلك بالنظر إلى داخل الشركة، سيكون من الصعب العمل بطريقة مختلفة، حيث سيتطلب الأمر تغييرات جذرية للتعامل مع ذلك.

بارمي: إذا نظرت بالفعل إلى تنويع أعمال "ألفابيت"، فإن 80% منها تندرج في الإعلانات. "فيسبوك" غير متنوع بشكل مروع، حيث إن 98% من إيرادات الشركة تأتي من الإعلانات. الأمر أشبه بنوع من سير شاحنة في اتجاه واحد، حيث يكون من الصعب للغاية سحبها في أي اتجاه آخر. هل هذا ما تراه؟

سريدهار: إنها شركات ناجحة جداً، وتحقق إيرادات، وتستطيع خلق قيمة من المعلنين من خلال نموذج إعلان قوي. إنها تدير مزادات بكفاءة رائعة مليارات المرات يومياً. وسيكون من الصعب أن تبدأ من جديد لعبة كرة مختلفة تماماً بنموذج مختلف يتعين عليك من خلاله كسب عميل واحد والاحتفاظ به في كل مرة.

الخصوصية

بارمي: بالحديث عن نشاط الإعلانات بشكل عام، إنه عمل معقد للغاية. وعندما نتحدث عن نشاط إعلانات "غوغل"، فإننا لا نتحدث عن مؤسسة واحدة متجانسة، ولكن عن العديد من الأقسام المختلفة. هل يمكنك التحدث قليلاً عن مدى تعقيدات هذا العمل؟

سريدهار: أبسط المنتجات الإعلانية هي شبكات الإعلانات "المملوكة والمدارة"، مثل تلك التي يديرها "فيسبوك" و"غوغل". في وقت مبكر دخلت "غوغل" في مجال تقديم الإعلانات على مواقع أخرى، وتوسعت الأعمال، وتم تحويلها إلى شركة "دبل كليك" (DoubleClick)، ​​وهو عمل معقد بشكل كبير، حيث تصنع "غوغل" منتجات للناشرين وللمعلنين، ويمكن للمعلن أن يطلب نشر المحتوى في "نيويورك تايمز"، والبحث على "غوغل"، وعلى "يوتيوب"، ويمكن أيضاً على "بلومبرغ" ومواقع أخرى. كذلك يديرون ما يسمى التبادل الإعلاني، وهي طريقة للجمع بين المعلنين والناشرين والشبكات الإعلانية الأخرى التي تجمع الطلب من المعلنين.

يزداد النظام تعقيداً. فكلما نذهب إلى موقع إلكتروني، هناك آلاف الشركات التي تجمع البيانات حول ما نقوم به، وتحاول معرفة الإعلانات التي نعرضها، ما يجعلها تجربة غير سارة للغاية. وقد حاولنا علاج ذلك التفشي في الانتقاص من الخصوصية.

تم التقليل من شأن انقسام الولاء عقب الاستحواذ على "دبل كليك"، حيث توفر "غوغل" منتجات للمستخدمين والمعلنين والناشرين وكذلك لشركات أخرى. كما تقدم خدمات التصفح ونظم التشغيل. وبغض النظر عما تفعله "غوغل" ومحاولتها أن تكون صديقة للجميع، إلا أنه دائماً ما يكون هناك شخص غير راضٍ عن القرار.

المستخدم مجهول الهوية

بارمي: أنت تتحدث عن اقتحام الخصوصية المتزايد. هل أزعجك هذا عندما كنت تعمل في "غوغل"؟

سريدهار: 100%. كان ذلك مثار جدل بشكل دائم. هناك نقطة أخرى دقيقة في نفس الموضوع، وهي عندما تتحدث إلى أحد فرق مزودي الأدوات الإعلانية، لنفترض المعلنين مثلاً، وكيفية حصولهم على المستخدمين عبر الإنترنت، لم يكن لديهم شغف تجاه المستخدم، لأن المستخدم مجهول الهوية.

تغفل فرق الأدوات عن نجم الشمال الذي يمثل الهدف الرئيسي بالنسبة إليها، وهو المستخدم الذي يمنحهم تجربة ممتعة. ويمكن بسهولة في حالة كان لديك الرغبة في تجربة كيفية تنشيط الإقبال داخل نظام معقد للغاية أن تقول: "دعنا نعرض إعلان سماعة الرأس أكثر من 20 مرة لبارمي، وقد يكون هناك احتمال ضئيل أن تنقر على أحد هذه الإعلانات وتذهب لشراء سماعات الرأس. لكن لا توجد تكلفة على أي منا، ودعونا نفعل ذلك فقط".

بارمي: هل التحدي الذي يواجه "غوغل"، هو أن يكون الهدف الرئيسي بالنسبة إليها من المعلنين، أم أن لديها عدداً كبيراً جداً ممن تستهدفهم من نجوم الشمال التي تهتم بهم؟

سريدهار: تمتلك الشركة عدداً كبيراً جداً من نجوم الشمال الذين تستهدفهم في المقام الأول، ولكن هذا لا ينتقص من الحقيقة المهمة جداً، وهي أن "غوغل" يتمحور نشاطها في النهاية حول البحث. فهذا هو المنتج الرائد الذي يحقق لها أكبر قدر من المال. وإذا كانت "غوغل" تسعى إلى زيادة الإيرادات، فعليها الاستمرار في عرض الإعلانات على صفحة نتائج البحث، ومعرفة كيفية الاستمرار في جني الأموال وزيادتها. لكن يبقى هناك تضارب مصالح، ما لم يتم وضع حدود واضحة لما هو مقبول، وما هو غير مقبول. وقتها يكون من الصعب وضع المستخدم في المقام الأول.

بارمي: نظراً لأن منتج "غوغل" الرئيسي هو البحث الذي نستخدم جميعنا "غوغل" من أجله فكم مقدار الأموال التي استثمرتها "غوغل" في تكنولوجيا البحث على مر السنين؟

سريدهار: إحدى البيانات غير المؤكدة لدي أنها تنفق ما يتراوح بين 500 مليون دولار ومليار دولار سنوياً حتى يتم التوسع في نطاق البحث لكل شخص على هذا الكوكب. وتحتاج على الأرجح إلى ما بين 1000 إلى 1500 شخص للقيام بعمل جيد في ذلك المجال. وإذا قارنت بين الرقمين وما تحققه "غوغل" من إيرادات ستجد أنه مبلغ ضئيل.

الابتكار والتغيير

بارمي: تبدو أهدافك بالنسبة إلى "نيفا"، وكأنك لا تهدف إلى أن تكون كبيرة مثل "غوغل". هل تتوقع أن تستمر "غوغل" في الحصول على 90% من الحصة السوقية العالمية للبحث لمدة 10 سنوات أخرى أو حتى 20 عاماً؟

سريدهار: قبل 20 عاماً، هل كنت تتوقع هذا اليوم؟ على الأرجح لا. من الصعب توقع ذلك لفترة طويلة، لكنني أعتقد بأنه من غير المحتمل أن يكون البحث موجوداً بشكله الحالي بالضبط على مدار العشرين عاماً القادمة.

بارمي: على الرغم من أنه لم يتغير كثيراً منذ 10 سنوات.

سريدهار: نعم، لكني أعتقد بأنه من غير المرجح أن تظل الحصص السوقية ثابتة، وهذه نقطة مهمة للغاية. فهناك ما يكفي من الابتكار لتغييرها.

الإعدادات والتكلفة

بارمي: بالعودة إلى نموذج الإعلان، ترى أنه قد أصبحت هناك صعوبة أكثر بسبب إعدادات الخصوصية لدى "آبل" على "فيسبوك" في الوصول إلى كافة بياناتنا الشخصية. وتستعد "غوغل" العام المقبل للتخلص التدريجي من ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث في محرك البحث "كروم" (Chrome). هل يبدو أن الإعلانات عبر الإنترنت تتحرك في اتجاه أكثر صحة لخصوصيتنا؟

سريدهار: من المبكر القول إن التغييرات التي يتم التفكير فيها سوف تؤثر على أعمال شركات التكنولوجيا الرائدة. لذلك سترى على سبيل المثال أن "فيسبوك" تركز على العمل داخل "فيسبوك"، وهو ما يجعلهم حريصين على أشياء مثل "فيسبوك ماركت بليس" (Facebook Marketplace)، ومحور التحول الأكبر المتمثل في "ميتافيرس". وبالمثل فإن "غوغل" بمنتجاتها المذهلة في البحث و"يوتيوب"، سوف تستمر في العمل بشكل جيد للغاية. وسيكون هناك المزيد من المقاومة لهذا الانتشار المتزايد للبيانات. لذلك أتوقع أن تواجه شركات التكنولوجيا الأصغر أوقاتاً عصيبة أكثر من غيرها من الشركات الكبرى.

الأثرياء وذوو الخبرة الفنية في تثبيت أدوات منع الإعلانات، يدفعون مقابل الإصدارات المتميزة من "يوتيوب" والتطبيقات الأخرى التي يستخدمونها، ولا يتعرضون للإعلانات بنفس القدر. لذلك على الرغم من أن الإنترنت المجاني الممول من الإعلانات أصبح جزءاً مترسخاً في ثقافتنا على مدى العشرين عاماً الماضية، إلا أنني أشعر أن الأشخاص أصحاب المداخيل المرتفعة قد ابتعدوا عن الإعلانات، ليدفع الآخرون تلك التكلفة.

آفاق النمو

بارمي: نما سوق الإعلانات الرقمية 20% خلال العام الأول من الإغلاق، ثم 17% في عام 2021. فهل تعتقد بأن معدل النمو السريع للإعلانات الرقمية سيستمر؟ أم أنك ترى أن هذا يتلاشى عند مرحلة ما؟

سريدهار: الإعلانات الرقمية آخذة في الازدياد، لأننا جميعاً نقوم بالمزيد من الأشياء عبر الإنترنت. من الواضح أن هذا الاتجاه قد تسارع، خصوصاً في ظل الجائحة. لكنني أعتقد بأن الكثير منه سيذهب إلى عدد قليل من اللاعبين الرئيسيين مثل "غوغل" و"فيسبوك"، وبعض شركات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى التي يمكنها جذب الكثير من اهتمامات المستخدمين.

لكن بالنسبة إلى منتج مثل البحث، لا يوجد سبب يدعو أي شخص لأن يبحث اليوم أكثر من قبل. لذلك أعتقد بأن النمو سيتباطأ. لكن ما سيستمر دون عوائق، هو نمو شركات مثل "تيك توك". فمن الواضح أن هناك الكثير من الابتكارات التي تحدث مع عرض مقاطع الفيديو القصيرة، حيث أراهم يحصلون على الكثير من دولارات الإعلانات. فطالما هناك ابتكار ونمو في الوقت الذي نقضيه على الإنترنت، سيستمر الحصول على أموال من الإعلانات، لأن الإعلانات عبر الإنترنت فعالة بشكل كبير.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك