قلّصت "بايت دانس" حجم ذراعها الاستثماري القوي تحسباً من قيام بكين قريباً بتشديد القيود على نشاط إبرام الصفقات المُكثّف الذي عزّز نمو أكبر شركات الإنترنت الصينية.
تقوم مالكة "تيك توك"، وفقاً لأشخاص مُطّلعة على الأمر، بحل فريق الاستثمار ورأس المال الاستثماري الداخلي الذي يراهن على الشركات الناشئة الواعدة. ويتم إجراء عملية إصلاح جذرية للذراع الاستثماري الاستراتيجي المنفصل- الذي يُركّز على دعم الشركات التي قد تساعد أعماله- على أن ينسحب أيضاً من الصفقات، على حد قول الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة الأمور داخلياً.
يأتي هذا التراجع في الوقت الذي يُهدّد فيه المنظمون بكبح جماح سلسلة الصفقات التي تعقدها كل من "بايت دانس" و"تينسنت هولدينغز" و"علي بابا غروب" سنوياً، والتي تراها بكين أنها تساعد في تعزيز هيمنتهم على مجالات تشمل وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب والتجارة الإلكترونية.
موافقة مُسبقة
نقلت "رويترز" يوم الأربعاء عن مصادر غير معروفة، أن إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية تعمل على صياغة توجيهات إرشادية تتطلّب من أي شركة لديها أكثر من 100 مليون مستخدم -أو أكثر من 10 مليار يوان (1.6 مليار دولار) من العائدات- السعي للحصول على موافقة هيئة الرقابة قبل القيام باستثمارات أو جمع الأموال.
إلى جانب الشركات الثلاثة العاملة في قطاع الإنترنت، تضم الشركات الأخرى التي تستوفي هذه المعايير عملاقة توصيل الطعام "ميتوان"، ورائدة خدمة النقل التشاركي "ديدي غلوبال"، وشركة "ويبو" (Weibo) الشبيهة بـ "تويتر"، وعملاقة البحث "بايدو"، و"جيه دي دوت كوم" المنافسة الأقرب لـ"علي بابا". كما أنه لن يتم إعفاء اللاعبين الأصغر من أمثال "بيلي بيلي" و"كايشو تكنولوجي" للبث المباشر.
أسهم "ديدي" تحذر مستثمري الصين الذين ظنوا أن الأسوأ قد ولى
بذلك تُصبح "بايت دانس" من بين أوائل الشركات التي ستتخّذ إجراءات وقائية. وبينما أشارت التقارير إلى عدم دخول إرشادات إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية حيز التنفيذ بعد، إلا أن هدفها الواضح هو ممارسة التأثير على أمن البيانات من خلال التدقيق في نشاط التمويل. أصدرت الجهة المشرفة على صناعة الإنترنت فيضاً من اللوائح الأخرى التي تحكم الإدراج في الخارج والهياكل المُعقّدة التي تتلقّى الشركات الناشئة رأس المال الأجنبي من خلالها.
حملة الصين تجبر "آنت غروب" على إغلاق منصة المساعدة المتبادلة "زيانغهوباو"
قالت "بايت دانس" في بيان مُرسل عبر البريد الإلكتروني إنها اتخذت القرار في وقت مبكر من هذا الشهر للتركيز على تعزيز أعمالها وتقليل عدد الاستثمارات، مضيفة أنها ستعيد نشر جزء من فريق استثماراتها الاستراتيجية في أعمالها الأخرى دون الخوض في التفاصيل. كانت وسائل الإعلام الصينية، بما فيها "جايميان" (Jiemian)، أول من كتب عن أخبار إصلاحات "بايت دانس".
طابع رسمي
قال المحلل لدى بلومبرغ إنتليجنس ماثيو كانترمان: "كان هناك توّقعات بالفعل بخصوص القيود على الاستثمارات، ولهذا ليس من الغريب أن نرى البدء في إضفاء الطابع الرسمي على القواعد في هذا المجال. تعمل شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل (تينسنت) و(علي بابا) فعلياً على تغيير استراتيجياتها الاستثمارية نظراً للتغييرات المرتقبة على أي حال".
من غير الواضح ما إذا كانت "علي بابا" و"تينسنت" ستحذو حذو "بايت دانس". منذ أواخر العام 2020، فرضت هيئات مكافحة الاحتكار غرامات على عشرات الصفقات التي تم إبرامها خلال حقبة الانطلاق في العقد الماضي، مما أثر على الاستثمارات في معظم قطاع الإنترنت.
فورة استثمارية
حقّقت شركات الإنترنت الصينية تقدّماً إلى درجة كبيرة، مدفوعة جزئياً بالفورة الاستثمارية غير المسبوقة في العقد الماضي. تطوّرت كل من "علي بابا" و"تينسنت" إلى عمالقة الصناعة وتتنافس الشركتان على شراء الحصص والمقاعد في الشركات الناشئة الصاعدة. كما حققت كل من "ميتوان" و"جيه دي" و"ديدي" نتائج كبيرة، جزئياً بسبب علاقاتها مع "تينسينت" والمنظومة البيئية لـ"وي تشات" التي تضم أكثر من مليار مستخدم.
في السنوات الأخيرة، عزّزت "بايت دانس" – التي تفادت استثمارات "علي بابا" و"تينسنت" - وتيرة الاستحواذات من خلال التوّسع في مجالات جديدة مثل الأدوات والخدمات التعليمية.
خسائر "علي بابا" السوقية الأعلى عالمياً في عام
إلى ذلك، قال الأشخاص المطّلعون إن زهاو بينغيوان، الذي يتبع تشو شوزي، الرئيس التنفيذي لـ"تيك توك" مباشرة، ترأس ذراع الاستثمار الاستراتيجي لـ"بايت دانس". وانضم روبو ليانغ، الرئيس التنفيذي لـ"بايت دانس"، وأليكس زوهو، مبتكر "نيك توك"، إلى عضوية اللجنة التي تمنح الضوء الأخضر للأنشطة الاستثمارية. اشترت "بايت دانس" في العام الماضي شركة تصنيع سماعات الواقع الافتراضي "بيكو" (Pico)، واستوديو الألعاب "موون تون"، ودعمت شركات ناشئة من أمثال "كيو كرافت" للقيادة الذاتية.
بشكل عام، كان حجم الاستثمار مذهلاً حيث تسيطر "تينسنت" وحدها على محفظة بقيمة 185 مليار دولار تقريباً، لكن فورة هذه الصفقة تتعارض كذلك بشكل متزايد مع نية شي جين بينغ في إقناع الأثرياء والشركات بتقاسم الثروة وزيادة الدخل في المناطق الريفية.
وتعمل حملة بكين على قطاع التكنولوجيا فعلياً على تغيير التدفقات الاستثمارية بشكل جذري.
الصين تتعهد بتضييق الخناق على صناديق الملكية الخاصة
ففي الأشهر الماضية، أعلنت "تينسنت" تخلّيها عن 16 مليار دولار من أسهمها في "جيه دي" واعتزامها بيع حصتها بشركة "سي" (Sea) في سنغافورة. تم النظر إلى هذه التحرّكات المفاجئة على أنها رد فعل لجهود بكين للحد من السلوك المضاد للمنافسة وفتح النظم البيئية المغلقة.
قفزت صفقات رأس المال الاستثماري في الصين بنسبة 50% لتصل إلى مستوى قياسي قدره 131 مليار دولار في العام 2021، لكن يأتي الكثير من هذا النمو من التدفقات إلى قطاعات الأجهزة والتقنيات العلمية، بدءاً من أشباه الموّصلات إلى الحوسبة، التي تتبناها بكين علناً.