يُعَدّ "تيك توك" (TikTok) الآن أكثر مواقع الويب شعبية في العالم على عدّة مستويات، وبالتالي فإن تأثيره في كيفية رؤية الشباب وتفكيرهم في أنفسهم يجذب مزيداً من الاهتمام. بوصفي خبيراً اقتصادياً، أودّ التركيز على موضوع أضيَق إلى حدّ كبير، ألا وهو ما تقوله مقاطع فيديو "تيك توك" حول كيفية رؤية الشباب للاقتصاد والتفكير فيه.
الأخبار –بالنسبة إلى مهنتي، وليس بالضرورة إلى "تيك توك"- ليست جيدة.
لأغراض هذه التجربة، كتبتُ كلمة "علم الاقتصاد" في شريط بحث "تيك توك" وشاهدتُ ببساطة ما كانت النتيجة. بالطبع كانت خلاصتي محكومة بخوارزمية الموقع، وهي ليست شفافة، ولكن من المعقول أن نفترض أنها توجّه المستخدمين في المتوسط إلى مقاطع الفيديو التي يجري التفاعل معها والإعجاب بها ومشاركتها على نطاق واسع.
أول مقطع فيديو
كان أول مقطع فيديو رأيته حول الرواتب المرتفعة للتخصصات الاقتصادية في سوق العمل، مقارنةً بالتخصصات الأكثر ليونة. وللمتحدث لكنة بريطانية غريبة، ولكن من المحتمل أنه كان يحاول عمداً أن يبدو غبياً. وقد نال الفيديو أكثر من 32,000 إعجاب.
أما الفيديو التالي فكان حديثاً محموماً حول السعر الفاحش للبيرة في الفعاليات الرياضية. لا يوجد ذكاء أو تحليل واضح في الفيديو، وقد نال ما يقرب من 32,000 إعجاب.
شاهدتُ أيضاً مقطع فيديو بعنوان "لماذا تركتُ الاقتصاد؟"، يشرح فيه طالب دَرَسَ الاقتصاد في جامعة براون كيف درَّس أستاذه عدم المساواة، لكنه يعيش في قصر مع خدم. ويجادل بأنّ علم الاقتصاد كموضوع يصرف انتباهنا عما "يُفترض أن نفعله". وتجاوز عدد الإعجابات 258,000.
شاهدتُ مقطع فيديو لامرأة تتنهّد بصوت عالٍ بارتياح، فيما يشرح التعليق أنها تركت فصل الاقتصاد. الإعجابات: أكثر من 22,000. ثم رأيتُ أحدَهم يسخر من فكرة كونك متخصصاً في الاقتصاد، مطلِقاً على هذا المجال وصف الدين الآخر، واقترح أن الطلب على الأصدقاء الاقتصاديين منخفض جداً. حصل على أكثر من 34,000 إعجاب.
تكلفة باهظة
لم يكن كل شيء سيئاً، بل كانت هناك شابة أوضحت مغالطة التكلفة الغارقة: إذا اشتريت تذكرة فيلم، ابدأ بمشاهدة الفيلم، وفي حال لم يعجبك، فعليك المغادرة فحسب. فالأموال التي أنفقتها على التذكرة هي تكلفة باهظة ولن تستردّها. كان اقتصاد الشابة يخلو من أي شائبة، لكنه حصد 3310 إعجابات فقط.
علاوةً على ذلك، كان هناك مقطع فيديو يمتدح "اقتصادات ما بعد النمو"، مجادلاً بأن الثروة لا تتدفق إلى أصحاب الدخل المنخفض، وأن النمو لا يتوافق مع الاستدامة البيئية. كان المتحدث شديد الوضوح، على الرغم من أنه أقل تفاؤلاً بشأن فوائد النمو مقارنةً بمعظم الاقتصاديين المحترفين. عدد الإعجابات: أكثر من 74,000.
كذلك أوضح مقطع فيديو بعنوان "الاقتصاد مع أبي" أن التضخم مرتفع جزئياً بسبب تعطل سلاسل التوريد. ويسعدني أن أقول إن عدد الإعجابات يتجاوز 331,000.
أكثر مقاطع الفيديو الفنية التي رأيتها كانت من برنامج وبودكاست "بلانيت ماني" (Planet Money) الشهير على راديو "إن بي آر" (NPR)، الذي يشرح النظرية النقدية الحديثة والفكرة القائلة إن طباعة مزيد من الأموال يمكن أن تحل المشكلات الاجتماعية. ومن المثير للجدل ما إذا كان الفيديو مؤيداً للفكرة أو لا، وعلى أي حال كان ذلك أوضح شرح أسمعه عن هذا الموضوع، إذ أجبرهم قِصَر مقاطع "تيك توك" على الدخول في صلب الموضوع.
بشكل عام، يميل فنانو الأداء والمحتوى على "تيك توك" إلى أن يكونوا من فئة الشباب. ومن اللافت للنظر أيضاً عدد مقاطع الفيديو المنشغلة بنوع الأشخاص الذين قد يدرسون أو يروجون للاقتصاد. كما أن الفكرة السائدة هي أن علم الاقتصاد غبي تماماً أو غير أخلاقي.
المعرفة الشعبية
على الرغم من قول كل هذا فأنا في الغالب من المعجبين بـ"تيك توك"، ولستُ هنا لأقول إنه يُفسِد المعرفة الشعبية بعلم الاقتصاد. بدلاً من ذلك، أعتقد أن "تيك توك" بمثابة دعوة إيقاظ مفيدة للاقتصاديين.
أولاً: يُعَدّ "تيك توك" أحد الأساليب المهيمنة لتقديم ومناقشة القضايا والأفكار، بما في ذلك الاقتصاد، ومع ذلك نادراً ما يُستخدَم أو يُناقَش حتى من قِبل الاقتصاديين المحترفين (يُعَدّ الأستاذ بجامعة هيوستن كريس كلارك استثناءً ملحوظاً). كما يتجاهل الاقتصاديون إشارات السوق، مما يضرُّ بِنا.
ثانياً: إنّ انشغال "تيك توك" بوضع علم الاقتصاد وأخلاقياته يتجاوز "تيك توك"، إذ يقدّم "تيك توك" للاقتصاديين وجهة نظر عن أنفسنا كما يراها كثيرون من العالم، ولا يُحكَم علينا من خلال تحليلاتنا، بل من خلال كيفية ملاءمتنا للقواعد الأخلاقية المختلفة. وبالتالي، شئنا أم أبينا، هذا شيء علينا نحن الاقتصاديين أن نتصالح معه، بل قد يجب أن نشكر "تيك توك" على توضيح ذلك.
ومن خلال التصفّح في "تيك توك"، تولّد لديّ في الواقع شعور بأنني أرى نوعاً من معاينة مسبقة للعالم. كيف يبدو؟ غير صحيح سياسياً من ناحية، وموجز بشكل مثير للإعجاب من ناحية أخرى. كما أنه مليء بالرقص. وبشكل عام، فهي رؤية للمستقبل يمكنني أن أدعمها، ولا أتحدث هنا بوصفي خبيراً اقتصادياً فحسب.