نجا مصرفي كان قد تحوّل إلى مدير تسويق رياضي واعترف بدفع رشاوي بعشرات الملايين من الدولارات لمسؤولي كرة القدم الفاسدين في أميركا اللاتينية، من السجن بعد أن أصبح شاهداً بارزاً في محاكمتين بالفساد في الفيفا.
وبدلاً من ذلك أشادت قاضية المحكمة الجزئية الأميركية باميلا تشين بالمصرفي أليخاندرو بورزاكو يوم الجمعة، التي أشارت إلى تعاونه "الفائق" في استئصال الفساد في كرة القدم العالمية على مدى ثماني سنوات. وافق بورزاكو على التعاون مع المحققين الأميركيين رغم أن ذلك عرّض حياته للخطر وحال دون عودته إلى موطنه الأصلي الأرجنتين، حسبما قالت القاضية بعد أن قدم اعتذاراً حماسياً عن جرائمه.
قالت تشين وهي تتوقف مؤقتاً لتجفّف دموعها بمنديل: "الموقف يستجدي دموعي". ووجّهت حديثها إلى بورزاكو قائلة: "في هذا الموقف كقاضٍ، قلّما يمكنك التراجع والشعور بالفخر. بينما كنت تدلي بأقوالك، شعرتُ بوضعية أفضلية وأفتخر بأنني أشارك في هذه المحاكمة".
قالت القاضية إنه في عام 2015، عندما أعلنت الولايات المتحدة عن اتهامات بحق مسؤولين تنفيذيين في الفيفا، كان بإمكان بورزاكو الفرار إلى الأرجنتين والتهرب من المحاكمة مثل الآخرين الذين ما زالوا هاربين. وبدلاً من ذلك، أقرّ بأنه مذنب وبدأ التعاون مع السلطات، وهو قرار "غيّر حياته"، على حد قولها.
اتهم المدّعون الأميركيون بورزاكو، الذي وُلد ونشأ في الأرجنتين وعمل في فترة من فترات حياته مصرفياً استثمارياً لدى "سيتي غروب" في نيويورك، في مايو 2015، عندما داهمت السلطات فندقاً من فئة الخمس نجوم في سويسرا واعتقلت مسؤولين باتحاد كرة القدم. كشفت القضية عن عملية احتيال واسعة النطاق على أعلى المستويات في الفيفا، وهو الجهة المسؤولة عن تنظيم هذه الرياضة.
قالت المدعية العامة كريستين ميس إن ما يقرب من 20 مسؤولاً لكرة القدم وُجّهت إليهم اتهامات أو أُدينوا في التحقيقات بأميركا، مضيفة: "هؤلاء الأشخاص كانوا من أباطرة كرة القدم".
أشارت ميس إلى أن شهادة بورزاكو ساعدت على الكشف عن العمق الحقيقي للفساد في كرة القدم العالمية، وقد فعل ذلك على الرغم من المخاطر على سلامته الشخصية.
وقالت المدعية العامة: "كثيرون سيحاولون إسكاته من خلال التهديد بالعنف". قُدّمَت مذكرات الحكم مدموغة من الحكومة ومحامي بورزاكو.
من جانبه قال جيم والدن محامي بورزاكو، إن موكّله كان "المتعاون الخارق للعادة"، إذ ساعد المُدّعين على "الوصول إلى عُمق" الفساد في كرة القدم، التي تُعَدّ فيها "الرشوة عنواناً للعبة".
درس صعب
خلال جلسة الاستماع التي استمرت 90 دقيقة يوم الجمعة الماضي، امتلأت قاعة المحكمة بالعملاء الحاليين والسابقين من مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدّعين العامّين الذين عملوا في القضية، بالإضافة إلى عائلة بورزاكو من الأرجنتين.
قال بورزاكو، وهو يقاوم الدموع: "تَعلَّم هذا الدرس الصعب" و"سوف أمتثل للقانون لبقية حياتي". قال للقاضية: "سوف أقبل حكمك بصدر رحب وشرف. أنا آسف جدّاً، وأطلب منك خاضعاً التسامح والرحمة".
من جهتها قالت القاضية إنه على الرغم من نجاة بورزاكو من السجن، فإن عليه أن يخسر أكثر من 21.69 مليون دولار"، حتى "تسقط عنه جميع الأرباح التي تعتقد الحكومة أنك جنيتها بسبب ممارستك".
أشارت تشين إلى أن بورزاكو تَلقَّى تهديدات نتيجة تعاونه هذا. وذكرت القاضية في المحاكمة الأولى التي جرت في عام 2017، أن الاحتياطات الخاصة لحماية الشهود لم تمنع أحد المتهمين من التلويح بإشارة قطع الرقبة فيما كان بورزاكو يُدلي بأقواله على المنصة، مما وقف الدعوى مؤقتاً. كما تَعرَّض بورزاكو لهجوم محامي الدفاع خلال الـ15 يوماً التي قضاها على منصة المحاكمة في كلتا المحاكمتين ووُصف مراراً بأنه كاذب.
في المحاكمة الثانية التي أُجريت هذا العام، أمضى بورزاكو 11 يوماً على المنصة، واصفاً كيف تآمر مع اثنين من المسؤولين التنفيذيين السابقين في "تونتي فيرست سينشري فوكس" (21st Century Fox) لتقديم رشوة لمسؤولي الاتحاد من أجل الفوز بحقوق البث التليفزيوني المربحة لأكبر بطولة سنوية في القارة وللمساعدة في حقوق البثّ الأرضي لكأس العالم. وقال إن روبرت مردوخ كان ممتنّاً للغاية لدرجة أنه بعث برسالة شكر إلى أحد رؤساء الفيفا. ولم يوجّه أي اتهام إلى "فوكس".
أُدينَ اثنان من مسؤولي كرة القدم الثلاثة الذين حوكموا في عام 2017، وأُدينَ أحد التنفيذيين السابقين في شركة "فوكس" في مارس مع شركة تسويق رياضي بأوروغواي.
أُقيمَت محاكمات بحقّهم نتيجة حملة دولية لمكافحة الغش في الفيفا. أطاح التحقيق بعدد من أكبر الأسماء في الرياضة، بما في ذلك جوزيف "سيب" بلاتر، الذي أُطيحَ به رئيساً للفيفا بعد 17 عاماً في هذا المنصب.
عموماً، أسفر التحقيق الحكومي عن أكثر من عشرين إقراراً بالذنب من أشخاص متهَمين بالمشاركة في مؤامرة عالمية على مدار 24 عاماً لرشوة كبار مسؤولي كرة القدم بمبالغ مؤلفة من ستة أرقام مقابل حقوق البثّ والإعلام، كما أقرّت أربعة كيانات مؤسسية بالتهم الموجَّهة إليها.
القضية مسجّلة في الولايات المتحدة تحت اسم ( US v. Webb. 15-cr-252)، في المحكمة الجزئية الشرقية بنيويورك (بروكلين).