تُعدّ البرازيل حالياً الهدف الأكثر إثارة في عالم الرهانات. والسؤال الآن هو: هل سينهي الرئيس المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الحظر المفروض منذ عقود على ألعاب الحظ؟ إذا فعل ذلك، ستتمكن البرازيل من التفوق على إيطاليا وتصبح ثاني أكبر دولة مراهنة في العالم بعد الولايات المتحدة من حيث عدد ماكينات المراهنات.
هذا ما قاله مارتين ستورم، الرئيس التنفيذي لشركة "بي إم إم تيستلابس" (BMM Testlabs)، التي تختبر مع منافستها "جي إل آي" (Gaming Laboratories International) أكثر من 80% من منتجات المراهنات حول العالم، وهو ما يساعد على إبقاء السوق ضيقة وشفافة.
إلا أن ستورم لم يطلق هذه التصريحات من ساو باولو، أو ريو دي جانيرو، اللتين يتوقع أن تخسرا نحو 3 مليارات ريال برازيلي (560 مليون دولار) بسبب عدم سن قانون المراهنات الرياضية لموسم بطولة كأس العالم التي تجري خلال العام الحالي، وإنما كان لقاؤنا مع ابن مدينة ملبورن الأسترالية والموجود حالياً في الهند عبر تطبيق "زووم"، ولا غرابة أن يتمتع أسترالي بمكانة مهمة في سوق المراهنات العالمية، خصوصاً أن بلاده التي لا يتجاوز عدد سكانها 0.5% من سكان العالم، تحتضن ما نسبته 20% من مجمل ماكينات المقامرة.
متاجر تقدم أموالاً للمتسوقين مقابل أهداف البرازيل بالمونديال
لكن ماذا يفعل ستورم في الهند التي تسمح 3 ولايات فيها فقط من أصل 29 بوجود الكازينوهات، في حين أن معظم سوق المراهنات الحقيقية، والتي تراهن تاريخياً على مباريات الكريكيت، تُقام في السر وبشكل غير مشروع؟
في الهند بحثاً عن فرص
تكمن مهمة ستورم هناك، في استصدار بعض الشهادات هندية المنشأ، حيث يصرّ عليها المنظمون قبل أن يسمحوا للمستهلكين بالمراهنة عبر الماكينات، أو الدخول في ألعاب الإنترنت. هذا هو ما يدفع سوق الاختبار نحو ضوابط داخلية، بعيداً عن عمليات التحقق التي يمارسها مشغلو الكازينو. يقول ستورم: "لا يوجد أسوأ من أن يفقد اللاعبون الثقة في سوق ما".
من بين 474 ولاية قضائية خاصة بالمراهنات، ثمة 120 لديها شروط فريدة، فيما تجعل الضرائب منها ألعاباً عالية المخاطر. يقول ستورم: "لا أحد أكثر إدماناً على المراهنة من الحكومات".
مع ذلك، فإن عدداً قليلاً فقط من الولايات القضائية، لديه مختبراته الخاصة، ومعظمها يعتمد على شركات مثل "بي إم إم" و"جي إل آي" ومقرهما في الولايات المتحدة، والتي تتطلب أحياناً تقديم 100 طلب قبل الموافقة على مُنتَج ما.
تقرير: 1.7 تريليون دولار قيمة المراهنات غير القانونية على الألعاب الرياضية
يتطلب هذا النوع من الأعمال، عمالة ماهرة وكثيفة، وهذا ما قاد ستورم إلى الهند.من المفيد أن نعلم أن "أرستوكرات ليجر" (Aristocrat Leisure Ltd) وهي شركة أسترالية زميلة، وصاحبة المنتج الناجح المعروف باسم ماكينة "ملكة النيل" (Queen of the Nile)، تتواجد في الضاحية ذاتها في نيودلهي التي افتتح فيها ستورم منشأته الـ14 حول العالم، وهو يتطلع أخيراً إلى تشغيل ما بين 500 و1,000 موظف من الهند لخدمة السوق العالمية من هناك.
يبدو أن صناعة ألعاب المراهنات، والشركة الأخرى المتخصصة في الاختبارات، تسعيان وراء الهدف ذاته، وهو الحصول على حصة من مواهب سوق العمل الهندية التي تبلغ 5 ملايين شخص.
أما رمز الحاسوب الذي يدير اللعبة، فينبغي أن يجري مسحاً للبحث عن عناصر التنبؤ التي تختبئ وراء شرط العشوائية. كما يجب تحليل معدلات الربح لضمان عدم تزوير النتائج.
صعوبات أمنية على شبكة الإنترنت
الأمور كانت أكثر بساطة فيما مضى، حين كان قُطّاع الطرق المسلحون يجلسون في صالونات الكازينوهات والملاهي المحلية. لكن الاتصال بالإنترنت يفرض تحدياته الخاصة، مثل ضرورة تقييم المشغلين كأي مؤسسة مالية تتعامل بالأموال والبيانات.
استطلاع: البرازيل ستفوز بكأس العالم في قطر
ينقضّ قراصنة الإنترنت على الألعاب، تماماً كما يستغلون أي ثغرة للوصول إلى قواعد بيانات المؤسسات المالية. ولطالما كانت الكازينوهات الافتراضية مستهدفة، على الرغم من أن الكثير من الهجمات لا يجري الإبلاغ عنها. الأمر شبيه بالبنوك وخطوط أنابيب النفط، فالضحايا لا يعلنون هذه الحوادث كرد فعل عفوي ناتج عن الإحراج والحرص على السمعة. أما بالنسبة إلى مواقع المراهنات على الإنترنت، فإن هذا التهديد أكثر خطورة، لأن المراهنين يرغبون في الاطمئنان إلى أنهم يشاركون في لعبة عادلة، وأي تلميح بوجود مشكلة أو خطأ ما، قد يدفعهم للتوجه إلى أماكن أخرى. لذلك، فإن المواقع تحافظ على سرية الخروقات.
قراصنة المراهنة
في الوقت الذي تخضع فيه ماكينات المراهنة والكازينوهات الافتراضية لفحوصات صارمة حول كيفية عملها الداخلي، ثمة ضعف كبير يكمن في الافتقار إلى معايير أمان الشبكة. فقد تكون البرامج والأجهزة آمنة وتعمل بشكل جيد، إلا أن هذا لا يعني الحيلولة دون أن تدخل جهات خبيثة تتسبب بحدوث مشكلات.
وفقاً لفرق شركتي الأمن "تالنت جمب تكنولوجيز" (Talent-Jump Technologies)، و"ترند مايكرو" (Trend Micro)، ومقرهما تيابيه، فقد استهدفت مجموعة من القراصنة في عام 2019 شركات مراهنة في جنوب شرق آسيا، وفي أوروبا والشرق الأوسط، وبدلاً من سرقة الأموال، قام اللصوص الرقميون بالاستيلاء على قواعد البيانات ورمز المصدر. والهدف بحسب افتراضات الباحثين، كان التجسس الإلكتروني.
لولا دا سيلفا يؤجل الإعلان عن خطة مليارية للمساعدات الاجتماعية
بعد حصولها على الرمز الأساسي، ومن الناحية النظرية، يمكن لمجموعة متمرسة أن تفهم الخوارزميات الخاصة بحسابات الربح والخسارة، أو تطوير استراتيجيات للتغلب على الكازينو، أو ببساطة بيع هذه المعلومات على الشبكة المظلمة (Dark web).
دور الدول في المراهنات
لدى الدول استجابة ثقافية عميقة تجاه ألعاب الحظ. لي كوان يو، الأب المؤسس لسنغافورة الحديثة، كان معارضاً للكازينوهات بسبب أن والده كان متورطاً في المراهنة. لكن وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قررت الدولة التي تمثل مركزاً مالياً مهماً في آسيا، السماح لمنتجعين بإضفاء الإثارة على الحياة الليلية باستخدام المراهنات، مع فرض مجموعة كبيرة من الضرائب على عوائدها.
لم يبدِ الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته جاير بولسونارو، الكثير من الحماس حيال التشريعات المعلقة التي تنظم المراهنات الرياضية، خوفاً من خسارة صوت الكنيسة الإنجيلية.
في المقابل، فإن الرئيس الحالي، ليس من محبي الرهانات. لكن بعدما تعهد باختيار حكومة تفي بمسؤولياتها المالية، ربما يتردد قبل خسارة ميزانية من موارد تبدو وكأنها سهلة الربح، رغم الثمن الاجتماعي الكبير الذي عادةً ما يرافق الموافقة على المرهانات.
عودة لولا لرئاسة البرازيل تواجه اختبار واقعها الاقتصادي
إذا ظنت مواقع المراهنات أن هناك قانوناً يتم إعداده في البرازيل، سيعني ذلك أن تلك المواقع ستصبح بمثابة الرعاة الفعليين لمنتخب السامبا.
الهند أيضاً ستكتشف في النهاية أن المقاومة تأتي بنتائج عكسية. فمن غير المنطقي التخلي عن عائدات الكريكيت، وهي الرياضة الوطنية، لحساب مافيات المراهنات غير الشرعية.
في النهاية، يمكن القول إن تنظيم قطاع مراهنات محلي، والذي سيكون إلكترونياً على الأرجح، سيسمح للبلاد بتقديم حلول أكثر ابتكاراً للعالم، سواء في صناعة الألعاب، أو في مراقبتها.