حالة من التمرد تستقبل الراغبين بامتلاك أندية كرة القدم الأوروبية

مباراة نادي "تشيلسي" ضد "كريستال بالاس" في لندن - المصدر: بلومبرغ
مباراة نادي "تشيلسي" ضد "كريستال بالاس" في لندن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يسري التمرد في عروق نادي "ريد ستار" منذ زمن، وهو ناد فرنسي صغير لكرة القدم لديه ملعب قديم ومتهالك في أحد الضواحي الشمالية من مدينة باريس.

كان أحد أشهر اللاعبين في تاريخ النادي هو رينو ديلا نيغرا، الذي كان شيوعياً ومقاوماً أُعدم في ظل حكم النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية. ويوجد لدى نادي "ريد ستار" منصة تحمل اسم ديلا نيغرا، حيث يجتمع الكثير من مشجعي النادي المتعصبين ليهتفوا لفريقهم. وكان ذلك المكان ذاته قد شهد إلقاء قنابل دخان، ورفع لافتات خلال الشهر الحالي، للتعبير عن معارضة لصفقة الاستحواذ على نادي "ريد ستار" المقدمة من قبل شركة الاستثمار "بارتنرز 777" (777 Partners) ومقرها ميامي.

احتجاجات

الاحتجاج، الذي أدى لوقف مباراة ضد نادي "سيت 34"، كان من بين أقوى الإشارات حتى الآن التي تدل على تصاعد المعارضة في أنحاء أوروبا لنموذج ملكية النوادي المتعددة، حيث ينصب الغضب تجاه الموجة الجديدة من مستثمري كرة القدم المعتمدين على البيانات.

وكان احتجاج آخر حصل الأسبوع الماضي من قبل أنصار نادي "إن إيه سي بريدا" الهولندي. حيث رفض معارضون محاولة ضم النادي إلى مجموعة "سيتي" لكرة القدم بقيادة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وهي شركة ممولة من أبوظبي وتمتلك نادي "مانشستر سيتي" بطل الدوري الإنجليزي الممتاز وعدداً من الفرق في الولايات المتحدة وآسيا.

قال أرجان فان تور، مؤسس مجموعة "بي سايد راتس" الداعمة لنادي "إن أيه سي بريدا": "ينتابني شعور بأننا استرددنا ما كادوا يسلبوه منا".

وأوضح متابعاً: "كانت لدينا مخاوف من قيام مجموعة "سيتي" لكرة القدم بإرسال مواهب كثيرة من كافة أنحاء العالم إلى هنا، بدون أن تضع تركيزها على الشباب من بريدا". أضاف: "كنّا نخشى أن نفقد هوية النادي".

جذب المشترين

شهد عام 2021 على الأقل 24 استثماراً في مجال كرة القدم من قبل ملاّك الأندية المتعددة، بحسب بيانات جمعتها مجموعة الأبحاث "سي آي إي إس" (CIES)، وهو ما يعد رقماً قياسياً وفقاً لها. وخلال العام الحالي تتوجه هذه الاستثمارات لتحقيق رقم قياسي جديد بفضل سلسلة جديدة من الصفقات في أنحاء أوروبا وأمريكا اللاتينية.

وينجذب المستثمرون الأمريكيون، بصفة خاصة، إلى إمكانات النمو وتراجع التقييمات في كرة القدم الأوروبية مقارنة بالامتيازات الرياضية في الولايات المتحدة. وشهيتهم المفتوحة لهذه الفئة من الرياضة المفضلة على مستوى العالم جعلت البعض منهم يبدأ باستهداف الأندية في ألمانيا، حيث كانت قواعد الملكية الصارمة التي تعطي الأولوية لمتطلبات المشجعين على حساب الفائض المالي قد أدت إلى إبعاد المستثمرين عنها على مدى سنوات.

الأندية الفرنسية

كانت شركة "بارتنرز 777" والشريك المؤسس لها جوش واندر، يحاولان ضم نادي "ريد ستار" إلى مجموعة الأندية التي تتمتع بأهمية تاريخية، والتي تشمل نادي "جنوة" الإيطالي ونادي "ستاندارد لييج" في بلجيكا وحصة ملكية في نادي "إشبيلية" الإسباني. بينما أعلن نادي "ريد ستار" في 6 أبريل أنه يجري مفاوضات حصرية لبيع النادي للشركة.

لكن في المدينة التي تمول فيها الأموال الأجنبية نادي "باريس سان جيرمان" الكبير، فإن وعود شركة "777" بضخ استثمار جديد ومظهر عالمي راقٍ لنادي "ريد ستار" الذي يلعب في الدرجة الثالثة لم تلق آذاناً صاغية وسط قاعدة جماهيرية مُعادية للرأسمالية بشكل كبير.

إنفوغراف.. الأندية الأكثر قيمة سوقية بالعالم

رداً على ذلك، كتبت مجموعة جماهيرية أطلقت على نفسها اسم "ديلا نيغرا" في رسالة مفتوحة إلى شركة "777" جرى نشرها على موقع "تويتر" خلال الشهر الحالي: "نادي ريد ستار هو نادينا، وهو عالمنا". تابع: "في العالم الخاص بنا، ليس هناك مكان لتكتّل أندية كرة القدم، ولتجارة اللاعبين بين الشركات أو للتسويق بلا حدود مقبولة".

في الوقت الراهن، لن يكون في إمكان مشجعي نادي "ريد ستار" التعبير عن هذه المشاعر من منصة "رينو ديلا نيغرا" حيث صدرت أوامر للنادي بلعب مبارياته بدون جماهير عقب الاحتجاجات الغاضبة خلال الشهر الحالي.

ورفض ممثلون عن شركة "777" ومجموعة "سيتي" لكرة القدم التعليق على الموضوع. كما تعذّر الوصول إلى ممثل عن نادي "ريد ستار" للتعليق على الأمر.

جماهير مستاءة

يشير أنصار نموذج النوادي المتعددة إلى مزاياه كنظام لتطوير نجوم المستقبل في اللعبة دون الحاجة إلى رسوم انتقال ضخمة. كذلك فإن التعاون الذي يقدمه هذا النظام في تحمل تكلفة كل شيء بداية من الموارد البشرية إلى ضم لاعبين جدد للفرق، وإتاحة إمكانية عقد صفقات رعاية مُربحة إضافية، تسفر إلى تعزيز الاهتمام بعملية التنظيم الهيكلي للرياضة.

عن ذلك، قال كيران ماجواير، المحاضر في تمويل كرة القدم في "جامعة ليفربول": "من منظور المالكين، فإن نموذج النوادي المتعددة يحقق استفادة قصوى من الاستثمارات". وتابع:"إنه يوفر الاستمرارية والثبات عبر المجموعة بأكملها على صعيد تقنيات التدريب وتطوير اللاعبين".

لكن هذه الأمور لا تعد مرضية بما يكفي بالنسبة للمنتقدين، الذين يقولون إن هذا النوع من الملكية يحد من المنافسة ويخلق فرقاً تعمل كمزرعة لتحقيق غرض وحيد يتمثل في تحقيق الأموال داخل المجموعة على حساب مكانة ونجاح الفرق نفسها.

وفي رد مكتوب على طلب استشارة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم حول مستقبل كرة القدم الأوروبية، وصفت هيئة المشجعين "إس دي يوروب" في سبتمبر الماضي هذا النموذج بأنه يمثل "تهديداً متنامياً" للقدرة على المنافسة في كرة القدم.

وكتبت "اس دي يوروب": "تؤسس هذه المجموعات نظاماً من الأندية المتفرعة التي تكون بمثابة ساحات تدريب لتحقيق أهداف أكبر". وتابعت: "بالنسبة لجماهير الأندية هذه، فإن فرصة أو حلم الفوز بأي شيء سيتلاشى".

"777" تستحوذ على نادي "فاسكو دي غاما" البرازيلي لكرة القدم

تعد مجموعة "باسيفيك ميديا"​​، واحدة من بين أكبر شركات كرة القدم متعددة النوادي، وهي من الشركات التي تعمل بنشاط في هذا المجال. وكان اثنان من الأندية التي تملكها، وهما نادي "نانسي لورين" الفرنسي ونادي "بارنسلي" البريطاني، تم إبعادهما من الدوريّان اللذان يلعبان بهما، وذلك في اليوم ذاته خلال الأسبوع الماضي. وأتى الأمر في أعقاب إعراب جماهير الناديين علانية عن معارضتهم للشركة المالكة. وتم وقف مباراة نادي "نانسي لورين" ضد نادي "كويفيلي روين" يوم الجمعة عقب احتجاجات جديدة.

وقال بول كونواي، الشريك المؤسس لمجموعة "باسيفيك ميديا"​​، إنه بالنسبة للعديد من مشجعي كرة القدم، فإن المشكلة لا تكمن في نموذج شركات النوادي المتعددة بقدر ما هي مشكلة الاستثمار الأجنبي بصفة عامة. مضيفاً: "إنه مجرد معارضة لوجود مستثمر".

تجمّع للمواهب

تعد المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا من بين أغنى مناطق اقتناص الصفقات في أوروبا بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون للاستحواذ على أندية رياضية هناك، ويعود ذلك بشكل كبير إلى سمعة هذه الدول في إنتاج مواهب شابة استثنائية. ومن الممكن أن يعطي هذا فرصة لمالكي الأندية لنقل النجوم اللامعة بين أنديتهم في دول أخرى ضمن ممتلكاتهم، حيث تكون الحاجة إلى هذه المواهب أكبر، وذلك قبل بيعهم في نهاية المطاف مقابل مبالغ طائلة.

فعلى سبيل المثال، عندما كان فريق "إيسبيرغ" الدنماركي التابع لمجموعة "باسيفيك ميديا" ​​يحتاج إلى لاعبين خلال الصيف الماضي، قام نادي "بارنسلي" بإعارته فريق دعم الطوارئ التابع له. وكان هذا الإجراء يعني أن نادي "إيسبيرغ" حصل على اللاعبين الذين يحتاج إليهم، وأسفر ذلك عن ارتفاع مستوى أحد اللاعبين، وهو ماتي وولف، إلى الحد الذي سمح له بالعودة إلى "بارنسلي" كلاعب دائم في الفريق الرئيسي.

قال كونواي: "تتمثل واحدة من مزايا نموذج النوادي المتعددة في أنه عند مرور أحد الأندية بسنة تعثر، يمكن للأندية الأخرى داخل المنظومة تقديم المساعدة له في إعادة بناء الفريق من أجل الموسم التالي".

من جهة أخرى، لا ​​يعارض جميع الجماهير مالكي النوادي المتعددة. حيث نزل مشجعو نادي "بوتافوغو" إلى الشوارع في احتفال صاخب خلال يناير، عقب تردد أنباء عن شراء جون تيكستور للفريق البرازيلي، وهو مستثمر أمريكي آخر تنطوي محفظته على فريق الدوري الإنجليزي الممتاز "كريستال بالاس" ونادي "أر دبليو دي مولينبيك" البلجيكي.

تطبيق كرة قدم مدعوم من رونالدو يعيّن فريق تطوير جديداً

من الداعمين لنادي "كريستال بالاس" أيضاً: ديفيد بليتسر، المدير التنفيذي لشركة "بلاكستون"، الذي استثمر أيضاً في فريق "أوغسبورغ" الألماني. وتحت نموذج ملكية النوادي المتعددة، قدّم فريق جنوب لندن نوعاً مثيراً من كرة القدم الهجومية الذي أدهش الجماهير والنقاد.

قال تيكستور صاحب نموذج للنوادي المتعددة: "في حال كنت تؤمن بتدفق الفوائد بحرية وبكافة الاتجاهات، فسيكون بإمكانك تحقيق شيء رائع". وتابع: "أما إذا كنت تنحاز إزاء كون أحد الأندية هو أقوى من الآخرين، فإنك ستواجه معضلة منذ البداية".

كرة القدم الرأسمالية

بالعودة إلى باريس، تحاول شركة "777" تقديم الاغراءات لتضمن نجاحها في الاستيلاء على نادي "ريد ستار". ففي منتصف شهر أبريل، التقى واندر وممثلون آخرون من الشركة مع رئيس بلدية "سان أوين" كريم بوعمران للتحدث عن خططهم كمالكين للنادي قبل إجراء مناقشة مفتوحة حول الصفقة قبيل الصيف القادم.

بكل تأكيد، ربما يواجه واندر صعوبة في إقناع أنصار النادي بإمكانية الاستفادة من أموال الملكية الخاصة مع الحفاظ في الوقت نفسه على قيمهم المُتجذرة. لكن لا يتمتع كثيرون بحالة مزاجية تسمح بالجلوس للنقاش، وهم "لا يرغبون في مشاهدة كرة قدم قائمة على الرأسمالية"، بحسب ما ذكره جول نايريت، عضو مجموعة مشجعي نادي "ريد ستار"، "كولكتيف آر أس بايور".

قال نيريت: "نرغب أيضاً في وجود نادٍ يحترم منطقته، وهذا أمر مستحيل في حال كان مالكه يمتلك 4 أو 5 أندية". تابع: " إذا كان الأمر الأهم بالنسبة لك هو تحقيق النجاح الرياضي، فعليك إذاً دعم نادي "باريس سان جيرمان".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك