خلقت الفنادق الشاغرة خلال جائحة "كوفيد-19" فرصة نادرة، لا تتكرر في كل جيل، لزيادة عدد المساكن ذات الأسعار المعقولة، بشكلٍ سريع في بعضٍ من أغلى مناطق الولايات المتحدة.
فرصة لا تعوض
وبالفعل؛ قام المشرِّعون في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك باستغلال الفرصة، والتحدُّث عن سياسات جديدة.
لكن حتى الآن، وفقاً لمؤيدي هذا التوجه؛ فإنَّ ما تقترح نيويورك إنفاقه لذلك، هو قليل جداً، كما أنَّها تعمل بوتيرة بطيئة للغاية، وهو ما سيفوِّت عليها القدرة على اغتنام هذه الفرصة. في حين اتَّبعت كاليفورنيا نهجاً أكثر نشاطاً، ساعدها في إنشاء حوالي 6 آلاف وحدة سكنية جديدة.
وفي نيويورك خلال يونيو الماضي، وافق المشرِّعون في الولاية على برنامجٍ لتمويل شراء المنظمات غير الربحية للفنادق المتعثِّرة، وتحويلها إلى مساكن دائمة.
إلا أنَّ حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، لم يوقِّع على القانون بعد، وقال المتحدِّث باسمه، إنَّ الاقتراح ما يزال قيد الدراسة.
ينصُّ مشروع القانون على تخصيص نصف الوحدات المكتسبة للمشرّدين، على أن يُؤجِّر النصف الآخر للأسر ذات الدخل المنخفض.
ولكنَّ المشروع لا يُبطل قواعد تقسيم المناطق محلياً، التي تقيِّد تحويل الفنادق في الأحياء الغنية، مثل حي "غارمينت"، و"لونغ آيلاند سيتي".
ويخصص القانون 100 مليون دولار، وهو مبلغ جاء كحلٍّ وسطيٍّ، يصفه المدافعون عن هذا المشروع بغير الكافي، للاستفادة من حجم الفرصة المتاحة.
100 مليون دولار لدعم المساكن
في هذا السياق، تقول بريندا روزين، الرئيسة التنفيذية لمنظمة "بريكينغ غراوند"، وهي مؤسسة غير ربحية تطوِّر الإسكان، وتقدِّم الخدمات الاجتماعية للمشرَّدين: "مئة مليون دولار ليست بالمبلغ القليل، لكنَّها ليست كافية عندما يتعلَّق الأمر بشراء وتطوير عدد كبير من الوحدات".
من جهته، وصف مايكل غياناريس، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وهو ديمقراطي من كوينز كان من رعاة مشروع القانون، مبلغ المئة مليون دولار بأنَّه يُمثِّل "بداية". وقال، إنَّه يأمل أن يتمَّ دعمه بالأموال الفيدرالية.
ومع استمرار طرح اللقاح، تضيق نافذة اتخاذ أي إجراء. ففي حين أنَّه من غير المتوقَّع أن تنتعش صناعة الفنادق في مدينة نيويورك بالكامل حتى عام 2025، فإنَّ إعادة افتتاح "برودواي" في سبتمبر، وإحياء السفر المحلي والتجاري قد يقنعان مالكي الفنادق أن يتريثوا إزاء بيع فنادقهم.
فمنذ يناير، قفز إشغال الفنادق في مدينة نيويورك بما يقرب من 20 نقطة مئوية، ليصل إلى 48.4%، وفقاً لشركة بيانات قطاع الضيافة "إس تي أر".
حول ذلك قالت روزين: "هذه مرحلة زمنية لن تدوم إلى الأبد".
كاليفورنيا تمضي قدماً
على النقيض من ذلك؛ منحت كاليفورنيا 800 مليون دولار للحكومات المحلية لشراء الفنادق، والنُزل وتحويلها إلى مساكن دائمة للأشخاص المعرَّضين لخطر التشرد، أو الذين يعانون منه. البرنامج، المسمى "هومكي"، تمَّ تمويله إلى حدٍّ كبير من قبل صناديق الإغاثة الفيدرالية من فيروس كورونا.
وقامت الحكومات المحلية بشراء 94 عقاراً، مما أدى إلى إنشاء حوالي 6 آلاف وحدة سكنية، بما في ذلك ألف و600 في منطقة خليج سان فرانسيسكو.
ووفقاً للولاية، تبلغ تكلفة الوحدة السكنية 130 ألف دولار، في حين تتراوح تكلفة البناء الجديد بين 380 ألف دولار إلى 570 ألف دولار.
وكانت السمة المميزة لبرنامج كاليفورنيا حتى الآن هي السرعة، إذ كانت كاليفورنيا مضطرة إلى إنفاق أموال الإغاثة الفيدرالية بحلول نهاية عام 2020، وهو ما جعلها تتجاوز قواعد تقسيم المناطق المحلية فيها. مما أدى إلى تحييد المعارضين الذين يقولون: "ليس في حيي".
وركَّزت كاليفورنيا أيضاً على الفنادق ذات الميزانية المحدودة، والإقامة الطويلة، والنُزل المزوَّدة بمطابخ صغيرة، التي كانت بحاجة إلى تجديدات طفيفة فقط، وهي مبانٍ نادرة الوجود في مدينة نيويورك.
يقول نوح كازيس، الخريج القانوني المساعد في "مركز فورمان" للعقارات والسياسة الحضرية في "جامعة نيويورك": "كانوا يدفعون حقاً من أجل القيام بمشروعات يمكنهم تحويلها بسرعة كبيرة، وقاموا بمنحها امتيازات خاصة ليتمكَّنوا من تنفيذها".
معالجة التشرّد
تقترح ميزانية حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، للسنة المالية التي بدأت في 1 يوليو، تقديم 7 مليارات دولار أخرى لمشروع "هومكي"، بهدف شراء 46 ألف وحدة إضافية، كجزء من خطة لمدَّة عامين بقيمة 12 مليار دولار لمعالجة التشرد.
وبالرغم من كونه مبلغاً طموحاً، إلا أنَّ منتقدي تركيز الحاكم على "هومكي" قلقون من أنَّ نافذة شراء الفنادق في كاليفورنيا ستغلق أيضاً، قبل أن تتمكَّن الحكومة من إنفاق كل هذه الأموال.
مع الإشارة إلى أنَّ 46 ألف وحدة إضافية لن تلبي الطلب الهائل لأزمة الإسكان في الولاية. في حين يُقدِّر تقرير فيدرالي صدر في مارس أنَّ عدد المشردين في كاليفورنيا بلغ 161 ألفاً و548 شخصاً في يناير 2020.
وتحتاج الولاية إلى إنشاء مليون و200 ألف وحدة سكنية جديدة، بأسعار معقولة بحلول عام 2030 لمواكبة الطلب، وفقاً لتقرير صادر عن "شراكة الإسكان في كاليفورنيا".
ويعدُّ مشروع "هومكي" مجرد جانب واحد في استراتيجية أوسع تهدف إلى زيادة إنتاج المساكن بأسعار معقولة في كاليفورنيا.
التكلفة المرتفعة في نيويورك
في مدينة نيويورك، حيث تتركَّز حاجة الولاية للمساكن، وفرص تحويل الفنادق، يعيش حوالي 50 ألف شخص في ملاجئ، ويعيش الآلاف غيرهم في الشوارع.
ويدفع أكثر من 450 ألفاً من سكان المدينة أكثر من 50% من دخلهم كإيجار للسكن، وهو ما يعدُّ مؤشراََ للعبء الثقيل الذي يمثِّله الإيجار، وفقاً لـ"مؤتمر الإسكان بنيويورك".
لكنَّ تكلفة تحويل الفنادق مرتفعة في نيويورك. ففي مانهاتن، بيعت الفنادق بمتوسط سعر يبلغ حوالي 275 ألف دولار للوحدة في الربع الأخير من عام 2020، وفقاً لبيانات من "مؤشر مانهاتن لودجينغ" التابع لشركة " برايس ووتر هاوس كوبرز".
في حين في مايو الماضي، تمَّ بيع فندق "زي نيويورك سيتي" المكوَّن من 100 غرفة في "لونغ آيلاند سيتي"، في كوينز، لقاء 384 ألف دولار لكل غرفة.
إلى جانب ارتفاع أسعار الاستحواذ على الفنادق، هناك بند في مشروع قانون نيويورك يتطلَّب أن تحتوي الوحدات الفندقية التي يتمُّ تحويلها إلى مساكن، على مطابخ صغيرة، وحمامات خاصة، مما سيزيد من التكاليف.
ولا يخفف القانون من قواعد تقسيم المناطق بالنسبة للفنادق الموجودة بالمناطق الصناعية، إذ يوجد حوالي 160 فندقاً من بين 720 فندقاً في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، تحدُّ قوانين استخدام أراضي المدينة أيضاً من عدد الشقق في المبنى الواحد.
من جانبهم، يقول مراقبو الإسكان ميسور التكلفة، إنَّه من المحتمل أن يتمَّ استخدام الـ 100 مليون دولار المخصصة لشراء الفنادق، لصالح المدن الأخرى، والولاية والمُخصصات الفيدرالية. ووفقاً لوزارة الحفاظ على الإسكان والتنمية؛ فإنَّ كل دولار من التمويل الرأسمالي في مدينة نيويورك، ينتج أربعة دولارات من الأموال العامة والخاصة.
في هذا السياق، تقول روزين، الرئيسة التنفيذية لشركة "بريكينغ غراوند"، إنَّ الحصول على فندق بسعر 250 ألف دولار لكل وحدة يمكن أن يكون منطقياً، إذا كانت تكاليف التحويل منخفضة بما يكفي.
ومع ذلك؛ إذا كان العقار بحاجة إلى إصلاحات كبيرة أو تغييرات في تقسيم المناطق، فمن المرجَّح أن ينخفض سعر الشراء لكل وحدة، والذي يمكن أن يتحمَّله المطوِّر غير الربحي، وذلك أقل مما قد يقبله مالك الفندق حتى بالنسبة للعقار المتعثر. وقالت روزين، إنَّها ترى إمكانية تحويل "بضعة آلاف" من الوحدات الفندقية.
وتضيف روزين شارحةً: "السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت الأسعار المطلوبة لهذه الفنادق ستنخفض بما يكفي لتصبح المنظمات غير الربحية التي تتطلَّع إلى شرائها قادرة على تمويلها، حتى الآن، لم نشهد انخفاضاً للأسعار بما يكفي للمضي قدماً في العديد من هذه الفرص المحتملة".
ولا يعدُّ تحويل الفنادق إلى مساكن أمراً جديداً على مدينة نيويورك، إذ موَّلت "إدارة الحفاظ على المساكن وتنميتها" في المدينة مشاريع فردية من خلال برنامج داعم لقروض الإسكان. وفي نوفمبر، بدأت منظمة "بريكينغ غراوند"، في تحويل فندق "شهود يهوه" سابقاً، في حي "دامبو" الواقع في بروكلين، مما أدى إلى إنشاء حوالي 500 وحدة، بما في ذلك 300 وحدة للمشرَّدين سابقاً. ويقترن السكن بخدمات اجتماعية في الموقع، مثل معالجة إدمان المخدرات، وعلاج الصحة العقلية.
التمويل
في عام 2018، تلقَّت" بريكينغ غراوند" قرضاً بقيمة 155 مليون دولار من المدينة للمساعدة في الحصول على الفندق، وتستخدم 70 مليون دولار أخرى من الديون البلدية لتمويل التحويل. وقد تلقى المشروع، الذي تبلغ تكلفته حوالي 245 مليون دولار، أيضاً منحاً من المؤسسات الخيرية ومجلس المدينة، بتكلفة 500 ألف دولار لكل وحدة، كما يقدَّر أن يكتمل البناء في أوائل عام 2022، وهو جدول زمني سريع مقارنةً بالبناء الجديد.
تقول روزين، إنَّ فندق "شهود يهوه" كان مرشَّحاً جيداً للتحويل؛ لأنَّه كان مبنى كبيراً، و هو حديث نسبياً، ولا يحتاج إلى تجديدات كثيرة.
من جهته، يقول ميغان ألتيدور، الشريك في شركة المحاماة "نيكسون بيبودي"، إنَّ الفنادق المرشَّحة لهذه المشاريع هم أصحاب الفنادق الذين لديهم محفظة كبيرة قد تكون مهتمة بالتخلُّص من أحد الأصول.
ويخلص ألتيدور إلى قوله: "المطوِّرون الذين نعمل معهم متحمِّسون لهذه الإمكانية، لكنَّهم بالتأكيد يشعرون بوجود الحاجة إلى مصدر تمويل لشراء الفنادق، وتحويلها إلى مساكن ميسورة التكلفة، لكن يبدو أنَّ هذه هي الحلقة المفقودة في الموضوع".