بدأ متداول سابق لدى "غولدمان ساكس" بالكشف عن جانب من تفاصيل مشروعه السري لبناء مدينة جديدة في كاليفورنيا، فيما يتأهب مع فريق دعاية يموله مستثمرون من وادي السيليكون ليطرحوا الأمر على الناخبين.
قال يان سرامِك، مؤسس الشركة صاحبة الفكرة، "كاليفورنيا فوريفر" (California Forever)، ورئيسها التنفيذي في مقابلة، إن المشروع العقاري في مقاطعة سولانو إلى شمال شرق سان فرانسيسكو، سيبدأ بمرحلة أولى تضم 50 ألف مقيم قرب ريو فيستا. وستبرز فرص لقطاع الأعمال في الإسكان والأبنية متعددة الاستخدامات والطاقة المتجددة والزراعة والمحافظة على البيئة.
سيتكون جزء كبير من التجمع السكني من منازل متصلة أفقياً ذات ثلاثة طوابق، وشقق ووحدات سكنية ملحقة، وليس من منازل منفصلة على غرار ما تضمه الضواحي، وذلك لكبح التكاليف وضبط استهلاك المياه والطاقة. وتعتزم "كاليفورنيا فوريفر" تقديم 400 مليون دولار على هيئة مساعدات في الدفعات الأولى لسكان المقاطعة وعمال البناء والعاملين في قاعدة "ترافيس" الجوية القريبة.
معارضة قوية
بدعم من رئيس مجلس الإدارة السابق لـ"سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) مايكل موريتز، والمستثمرة ذات التأثير الاجتماعي لورين باول جوبز، يقول سرامِك وفريقه إن مهمتهم هي تخفيف أزمة الإسكان في كاليفورنيا واستعادة العهد الذي كان ممكناً فيه التنقل سيراً على الأقدام في وسط المدينة، والذي تلاشى في ظل ظهور الضواحي وترسخ الثقافة الأميركية في الاعتماد على السيارات. لكن المشروع أثار معارضةً قويةً بين السكان والمزارعين والساسة المحليين، الذين يتهمون شركة التطوير العقاري باستخدام أساليب مشبوهة ورفع دعاوى على من يعترض طريقها.
قال النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا جون غارامندي، الذي تضم منطقته القاعدة الجوية وتحيط بها أراضي "كاليفورنيا فوريفر": "لقد تمكنتم من تسميم الحياة السياسية برمتها في مقاطعة ستعولون فيها على الناخبين.. حظاً سعيداً".
قدّم سرامِك الأربعاء مقترحاً لإجراء استفتاء يطلب فيه من سكان مقاطعة سولانو أن يوافقوا على تغييرات في لوائح تقسيم المناطق المعمول بها منذ الثمانينيات، والتي تحد من التطوير العقاري خارج المدن القائمة. قال سرامِك وأنصاره إن المقترح سيساعد كاليفورنيا على تحقيق أهداف مشتركة من حيث إيجاد وحدات سكنية صديقة للمناخ أسعارها في متناول اليد، إذا استوفى المقترح معايير الاستفتاء وأُقر في نوفمبر.
نصف قرن
على المدى الطويل، قال سرامِك وأنصاره إن تطوير المشروع بالكامل في المنطقة شبه الريفية بين منطقة خليج سان فرانسيسكو وساكرامنتو قد يتطلب 50 عاماً. يمكن في نهاية المطاف أن يسكن 400 ألف شخص في البلدية، التي لم تُسم بعد، في منطقة تغذيها بالكهرباء مزارع الرياح والطاقة الشمسية. سيُنتج الغذاء محلياً في دفيئات زراعية ومن خلال الزراعة العمودية. كما ستوفر متاجر التجزئة والمكاتب والمساحات المخصصة للتصنيع القريبة وظائف للسكان تبعد عن منازلهم مسافات يمكن قطعها سيراً على الأقدام.
يعزز إجراء الاستفتاء جهوداً قائمةً منذ سنوات. أنفق سرامِك ومستثمروه، ومنهم أيضاً مارك أندريسن والمؤسس المشارك لـ"لينكد إن" ريد هوفمان، 900 مليون دولار منذ 2017 لشراء 62 ألف فدان، وفقاً لسجلات مقاطعة سولانو. دمج سرامِك بين عشرات قطع الأراضي، وعمد للشراء عبر كيان يحمل اسم "فلانري أسوشيتس" (Flannery Associates) ليخفي هويته.
قال فريق سرامِك إن السرية كانت مطلوبة لتفادي موجة مضاربات على الأراضي. لكن مع انتشار الخبر بأن هناك شارياً مجهولاً يقتنص قطع الأراضي الزراعية واحدة تلو الأخرى، بدأت الأسعار ترتفع.
دعاوى وخلافات
في مايو 2023، رفعت "فلانري أسوشيتس" دعاوى ضد عدد من أصحاب الأراضي المحليين تطالب بأكثر من نصف مليار دولار، زاعمة أنهم تآمروا "لرفع الأسعار بشكل غير عادل وكسبوا مئات ملايين الدولارات كأرباح غير قانونية". منذئذ، توصلت "فلانري أسوشيتس"، وهي شركة تابعة لـ"كاليفورنيا فوريفر"، لتسويات مع بعض المالكين. يدرس قاضٍ اتحادي في ساكرامنتو طلباً من مدعى عليهم آخرين لإسقاط الدعوى.
أثارت المقاربات الجريئة غضب بعض المسؤولين المحليين. وتجلت الضغائن حين اتجه سرامِك وفريق تطوير المشروع إلى واشنطن الأسبوع الماضي لإطلاع أعضاء الكونغرس على المشروع وطمأنتهم بأنه لن يتعارض مع المحيط الأمني للقاعدة الجوية هناك.
غارامندي، الذي تملك أسرته مزرعة في المنطقة منذ 1863، قال مخاطباً سرامِك إن رفضه إسقاط الدعوى ضد المزارعين "أمر مخزٍ" ثم غادر الاجتماع، وفقاً لشخصين حضرا الاجتماع.
قال سرامِك في المقابلة إن "كاليفورنيا فوريفر" كانت تسعى إلى "حل ودي" للدعوى التي رفعتها. لدى سؤاله عما إذا كان مستعداً لإسقاط الدعوى لتعزيز احتمالات موافقة الناخبين على المدينة الجديدة، أبدى سرامِك رفضه.
عقبات أخرى
إن السخط ليس حجر العثرة الوحيد في طريق "كاليفورنيا فوريفر". فحتى لو وافق ناخبو سولانو على تغيير لوائح استخدام الأراضي، فإن المطوّرين سيواجهون عملية معقدة وطويلة قبل أن يتمكنوا من الشروع في البناء. إن إستكمال مراجعات التأثير البيئي وتأمين حقوق المياه وتأسيس البنية للتحتية للنقل وغيره قد يقوض سير المشروع.
يؤكد مشروعان آخران طموحان تلك العقبات. انقضى وقت طويل منذ اقتراح تطوير "تريجر آيلاند" في خليج سان فرانسيسكو في 1997 وحتى يبدأ انتقال أول مجموعة من السكان إليه، وهو ما سيحدث في وقت لاحق من هذا العام. كما تطلب الأمر من مطوّري "نيوهول رانش" في شمالي لوس أنجلوس ثلاثة عقود تقريباً، حتى 2017، ليحصلوا على موافقة تقسيمات الأراضي والمضي قدماً في المشروع.
قالت سايدي ويلسون، التي تعمل في تخطيط استخدام الأراضي مع "غرينبلت ألايانس" (Greenbelt Alliance)، وهو جزء من ائتلاف لمجموعات غير هادفة للربح في المنطقة تعارض خطة "كاليفورنيا فوريفر": "يمكننا جميعاً أن نتفق على وجود حاجة لمزيد من الوحدات السكنية. الأمر لا يتعلق بماهية ما نحتاجه، بل بكيفية تحقيقه. لِم لا يستثمرون المليارات التي يملكونها في بناء منازل في تجمعات سكانية قائمة لديها بنى تحتية، بدل تطوير مساحات مفتوحة؟".
أوضح سرامِك، 36 عاماً، أنه ومستثمريه لديهم أفق زمني طويل، وقال: "من حيث الجدول الزمني، فاسم الشركة (الذي يعني كاليفورنيا إلى الأبد) يعكس ذلك. لست أمزح حين أقول إن كثيراً من المستثمرين يودون أن يحتفظوا باستثماراتهم إلى الأبد. ليس لدينا أفق محدد. آمل أن أتقاعد يوماً ما وأنا لا أزال أعمل في هذا المشروع".