يبدو أن طفرة شراء الروس للعقارات في دبي قاربت على الانتهاء، إذ يقول سماسرة إنها تباطأت خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد عام فقد خلاله الروبل ثلث قيمته.
وأضافوا أن هناك انحساراً طبيعياً بعد موجة الشراء في العام الذي أعقب غزو أوكرانيا، كما أن بعض الروس الذين استقروا هنا قرروا أن دبي ليست مناسبة لهم، وانتقلوا إلى مكان آخر.
كان الروس تقليدياً من عشاق العقارات في الإمارات العربية المتحدة، لكنهم تدفقوا فعلياً إلى السوق في عام 2022، بعد أن أثرت العقوبات الدولية على اقتصاد روسيا وأوضاعها المالية بعد غزو البلاد لأوكرانيا.
كان إقبال الروس أحد عوامل انتعاش السوق بعد الوباء، الأمر الذي دفع أسعار المنازل للارتفاع بنحو 30% في العامين الماضيين حتى سبتمبر، وفقاً لشركة "سي بي آر إي" (CBRE Group Inc).
اقرأ أيضاً: الروس يتصدرون قائمة أكبر مشتري العقارات في دبي
يقول أحد سماسرة العقارات الفاخرة إن الروس أصبحوا بائعين صافيين في شركته، ويعيدون أموالهم إلى بلادهم، بعد المكاسب الكبيرة بسوق العقارات سريعة النشاط في الإمارات، أو يخرجون من صفقات يعجزون عن سداد قيمتها.
"إنهم يجنون الأرباح"، وفق تصريحات عبد الله العجاجي، مؤسس شركة "دريفن للعقارات" (Driven Properties)، التي اشترى العملاء الروس من خلالها عقارات بقيمة 146.5 مليون درهم (39.9 مليون دولار) في الفترة من يونيو حتى أغسطس، وباعوا عقارات بقيمة 276 مليون درهم في نفس الفترة.
انخفاض عدد المعاملات وقيمتها
استمرت عمليات الشراء التي ينفذها الروس حتى النصف الأول من عام 2023، وفقاً لـ"إعمار العقارية"، أكبر شركة تطوير عقاري في دبي.
بعد ذلك، بدأ الشراء في التراجع خلال الأشهر القليلة الماضية، عندما قال الوسطاء إنهم شهدوا انخفاض أعداد المشترين الذين يحملون جوازات سفر روسية، أو من بلدان الوكالات، مثل قبرص، وسانت كيتس ونيفيس أو مالطا.
تقول شركة "بيترهومز" للوساطة، إن الروس كانوا المجموعة الخامسة الأكثر نشاطاً من المشترين الأجانب في سوق العقارات السكنية في دبي خلال الربع الثالث من عام 2023، بانخفاض عن المرتبة الأولى خلال الربع نفسه من 2022، من حيث حجم المعاملات.
كانت هذه هي المرة الأولى منذ الربع الثاني من عام 2022، التي يتراجع فيها الروس عن المراكز الثلاثة الأولى لدى شركة "بيترهومز". وعلى وجه الخصوص، تتأثر سوق العقارات الفاخرة بتراجع الشراء أكثر من الشرائح الأخرى.
اقرأ أيضاً: الروس يكثفون شراء العقارات في دبي لحماية ثرواتهم من العقوبات
قال أراش جليلي، الرئيس التنفيذي لشركة "يونيك بروبرتيز" (Unique Properties) ومقرها في دبي: "لقد اعتاد الروس على شراء العقارات باهظة الثمن في العام الماضي. وكانوا يدفعون بغض النظر عن المبلغ المطلوب سواء كان 10 ملايين دولار أو 15 مليون دولار. كانوا يشترون. لكن هذه الشريحة لم تعد تشتري في الوقت الحالي".
ويقدر أن عدد المعاملات التي أجراها الروس في شركته انخفض بنسبة 15%، لكن قيمة تلك المعاملات تراجعت بنسبة 50%.
الصينيون يعودون
يقول سماسرة إن تراجع اهتمام الروس تأثر بزيادة عمليات الشراء من جانب أشخاص من أماكن أخرى في العالم. ويؤكد عبد الله العجاجي أنه يرى أعداداً أكبر من الأوروبيين والأميركيين والصينيين والأشخاص القادمين من سنغافورة، والذين يظهرون اهتماماً بشراء العقارات في الإمارات، لأسباب تتعلق بالضرائب والسلامة. وواصل الهنود والبريطانيون دورهم التقليدي في تصدر قائمة المشترين، في حين عاد المشترون الصينيون إلى السوق بعد الوباء.
افتتح أوليغ توربوسوف شركته للوساطة العقارية "وايتويل"(Whitewill) في موسكو عام 2016، وتوسع إلى دبي في مارس 2021، أي قبل عام من غزو أوكرانيا.
ويقول توربوسوف إن المشترين الروس أبدوا اهتماماً كبيراً بالعقارات المطلة على الشاطئ في دبي مثل "أتلانتس ذا رويال"، الفندق والمساكن الجديدة فائقة الفخامة التي افتتحتها النجمة الأميركية بيونسيه في وقت سابق من هذا العام، و"بلوواترز آيلاند"، وهي جزيرة اصطناعية تضم متاجر، وعجلة الملاهي العملاقة وشققاً فاخرة، وأصبحت اللهجات الروسية شائعة الآن. يقول توربوسوف إن المزحة الشائعة هذه الأيام هي أنك تحتاج الآن إلى تأشيرة روسية للذهاب إلى "بلوواترز".
اقرأ أيضاً: انتعاش عقارات دبي يجذب المشترين الصينيين مجدداً
في عام 2022، اندفع الأفراد لشراء الشقق في مشاريع "بلوواترز" الفاخرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار 41% لكل قدم مربع في العام حتى يونيو 2023، وفقاً لبيانات "سي بي آر إي". في ذلك الوقت، أصبح المشترون الروس من كبار عملاء توربوسوف في دبي، متجاوزين المواطنين البريطانيين والهنود.
تباطؤ طبيعي في الطلب
في الوقت الحالي، بدأ معدل ارتفاع الأسعار في التباطؤ. ارتفعت أسعار الشقق في "بلوواترز"، بما في ذلك تلك التي لا تزال قيد الإنشاء، من 23.8% في الربع الأول من عام 2023 إلى 10.2% فقط في الربع الثالث، حسب بيانات "نايت فرانك" (Knight Frank).
تراجع الروس إلى المرتبة التاسعة بين كبار العملاء لدى "وايتويل"، على الرغم من كثرة عملاء الشركة من روسيا والدول السوفيتية السابقة.
أثناء جلوسه خلال الاجتماعات في مقهى "بورشه" على الجزيرة الاصطناعية، قال توربوسوف: "توجد عدة أسباب. أولاً، الأشخاص الذين بحوزتهم الأموال، اشتروا بالفعل في العام الماضي" وبعبارة أخرى، ما يحدث عبارة عن تباطؤ طبيعي في الطلب.
اقرأ أيضاً: روسيا تعاود فرض بعض ضوابط رأس المال لوقف نزيف الروبل
ويشير أيضاً إلى أن بعض البنوك الروسية قلصت المخاطر بشكل مستقل، وأوقفت بعض خدمات تحويل الأموال للجميع باستثناء كبار عملائها، أو قيدت المبلغ الشهري الذي يمكن إرساله. يحاول بعض المشترين الروس الخروج من الصفقات، عندما يصبح المبلغ النهائي فجأة أكبر بكثير مما توقعوا.
عودة الروس للاستثمار في بلادهم
في دبي سريعة النمو، عادة ما يدفع المشترون مقدماً يعادل 10% إلى 20% من إجمالي القيمة قبل بدء بناء العقارات.
ويقول جليلي إن العملاء الروس الذين اشتروا ثلاث أو أربع وحدات قبل البناء، وما زال بإمكانهم تحقيق الربح من تلك الوحدات، يحاولون بيعها.
ويوضح العجاجي أنه في بعض الحالات، باع الروس تلك الحصص مقابل تكبد خسارة، أو تخلفوا عن السداد. الشخص الذي سدد الدفعة الأولى، وتعادل 10% من قيمة عقار بـ10 ملايين دولار قبل عام، يتوقع أن يضطر إلى إحضار أكثر من 9 ملايين دولار إضافية من موسكو، أو 54 مليون روبل.
اقرأ أيضاً: بوتين يؤكد ثقته في الروبل ويدعم قرارات بنك روسيا
في الوقت الحالي، نفس المبلغ المتبقي سيكلف حوالي 83 مليون روبل. ويقول سماسرة إنهم سجلوا قيام بعض الروس بإعادة أموالهم إلى وطنهم للاستثمار في الأعمال التجارية في بلادهم. ويؤكد توربوسوف أن العملاء الروس لديه في هذه الحالة لا يستطيعون العثور على مشترين بسهولة، دون تكبد خسارة، موضحاً: "إذا لم يكن المبنى مكتمل البناء، يصبح بيعه شديد الصعوبة".