شركة ألمانية تبني برجاً سكنياً من "الخشب" يضم 29 طابقاً

برج WoHo المكون من 29 طابقًا في برلين، الذي إذا تم بناؤه، سيكون أطول هيكل خشبي في أوروبا - المصدر: بلومبرغ
برج WoHo المكون من 29 طابقًا في برلين، الذي إذا تم بناؤه، سيكون أطول هيكل خشبي في أوروبا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يعد المبنى الشاهق متعدد الاستخدامات الذي تخطط برلين لتشييده في حي كرويتسبرغ في العاصمة الألمانية استثنائياً لعدة أسباب. حيث سيتم تصنيع غالبية البرج البالغ ارتفاعه 98 مترا من الخشب. وقد تم تأكيد بنائه في 29 يناير من العام الحالي، من قبل شركة "يو تي بي" للتطوير العقاري والإنشاءات المستدامة، ومن قبل ولاية برلين، وبلدية فريدريش هاين- كرويتسبيرغ.

وتبلغ تكلفة بناء البرج 90 مليون يورو (109 ملايين دولار). وسيتم تشييده من الخشب الصناعي المعروف باسم الخشب الرقائقي المتقاطع. والذي يسمح بإقامة أبراج مرتفعة تستخدم كمية أقل من الفولاذ والخرسانة، مقارنة بناطحات السحاب التقليدية.

وسيضم البرج 29 طابقًا، ويحمل اسم "فوهو" (WoHo). وهو من تصميم النرويجي ميل أرجيتكتر. وسيكون أعلى مبنى خشبي في أوروبا حتى الآن، وسيتم استخدام الخرسانة المسلحة في مركز البرج، والطابق السفلي فقط.

البرج المجتمعي والصديق للبيئة

وبينما يجذب تصميم المشروع الهندسي الصديق للبيئة الانتباه، إلا أن البناء يتمتع بميزات إضافية قد تكون أكثر إثارة للاهتمام. حيث أن مطورو البرج، ومسؤولي المباني منخفضة الارتفاع التي تحيط به، يطمحون لأن يمثل البناء وما حوله مشروع تطوير عقاري ذا تكلفة معقولة ويركز على المجتمع.

وقد وصفه توماس بيستجن، رئيس شركة "يو تي بي"، باسم "البرج المناهض لأمازون"، في إشارة إلى مبنى المكاتب التجارية المثير للجدل الذي أقامه عملاق البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في شرق مدينة برلين.

وإذا ما ارتقى المشروع إلى التطلعات التقدمية التي أعلنتها كل من شركة التطوير العقاري والمدينة الألمانية. فإن "فوهو"، والذي يرمز اسمه إلى "البرج السكني"، سيصبح بمثابة نموذج لكيفية بناء تحفة معمارية جذابة في حي مزدهر، دون إقصاء أو تهجير.

المصدر: Mad Arkitekter
المصدر: Mad Arkitekter

المبنى يوفر خدمات متنوعة

وقال مسؤولو الحي إن الهدف من المشروع ليس فقط توفير إسكان جديد، وإنما توجيه برلين ومدن أخرى "نحو تغيير نموذجي اجتماعياً وبيئياً"، وذلك كما قال مفوّض الإسكان في كرويتسبرغ، فلوريان شميدت، في بيان صحفي لولاية برلين.

ولتحقيق تلك الغاية، فقد تم تصميم المشروع لخدمة مزيجٍ واسع من سكان برلين، حيث سيتم تخصيص نحو 25% من مساحة البرج للمكاتب التجارية ومتاجر البيع بالتجزئة، مع إعطاء الأولوية للشركات المحلية. بينما سيتم تخصيص 60% للمنازل.

كما سيكون ثلث هذه المنازل عبارة عن مساكن تعاونية ميسورة التكلفة. وسيباع الثلث الآخر كوحدات يسكنها مالكوها بسعر السوق. وأما الثلث الأخير فسيكون عبارة عن شقق خاضعة للإيجار المنظم، فيما يعد تجاوزاً للقانون الذي يعفي المبنى الجديد من التجميد الحالي للإيجارات، والمطبق على مستوى برلين.

كما سيتم دمج أنواع متعددة من المساكن داخل المجمع، مما يخلق حياً رأسياً متنوعاً. بداية من الوحدات العائلية الكبيرة، وحتى شقق الطلاب الصغيرة، والسكن المخصص لكبار السن أو المرضى. حتى أن المبنى سيضم مجموعة مما يسمى "غرف الجوكر"، وهي مساحات يمكن استخدامها بطرق متعددة على مدى زمني قصير، لتلبية المواقف والحالات المختلفة.

وفي الوقت نفسه، سيتم تخصيص نسبة الـ 15% المتبقية من مساحة البرج للاستخدامات العامة. بما في ذلك روضة للأطفال، ونادي ما بعد المدرسة، وورش عمل، ومنطقة لعب داخلية، وسطح بانورامي مع مقهى عام وساونا مفتوحة لعامة الناس.

لكن ما لن يكون متاحاً بصورة كبيرة في "فوهو" هو المساحات المخصصة لانتظار ووقوف السيارات. حيث سيتم تقليل مساحة السيارات الخاصة إلى الحد الأدنى. وسيتم استبدالها برفوفٍ للدراجات، ومحطات شحن للسيارات الكهربائية، وأماكن للمركبات المشتركة.

وتُظهر عروض تصميم ما قبل البناء، والتي دائما ما تكون مقياساً غير موثوق به للطابع النهائي للمشروع، شرفات وأسقف مزينة بالنباتات الخضراء، وهي ميزة من شأنها أن تدمج البرج بشكلٍ جيدٍ بموقعه في نهاية الحدائق الخضراء في برلين، حيث تنطلق الحدائق من وسط برلين على طول خطوط السكك الحديدية القديمة في المدينة.

شروط برلين للأبنية المرتفعة

وفي هذا السياق، تعد حقيقة أن مخططات المبنى تجمع بين الشموخ وتحقيق الخدمة المجتمعية أمراً مقصوداً. ويعكس الطابع المتنوع لبرج "فوهو" التوجهات الجديدة بشأن المباني الشاهقة التي اعتمدتها ولاية برلين في فبراير 2020. وذلك بعد أن تمت الموافقة بالفعل على برج "أمازون".

وبحسب "نموذج برلين الشاهق"، فإنه يُشترط على بناء المُطور لمبنى يرتفع أكثر من مرة ونصف عن الأبنية في المنطقة المحيطة، أن يتمتع مشروعه "بجودة معمارية عالية ومستدامة وظيفيا". وبعبارة أخرى، لا يمكنك التطاول بالبنيان، إلا إذا كان مشروعك يبدو جيداً ولا يزيد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري في المدينة.

وعلى الرغم من أن برج "فوهو" سيكون أول مبنى تقوم "يو تي بي" بتشييده وفقًا لشروط المدينة، إلا أن شركة التطوير العقاري حققت بالفعل شهرةً واسعة في مجال المباني متعددة الاستخدامات التي تجمع بين الوحدات السكنية المباعة بأسعار السوق والوحدات ذات الأسعار قليلة التكلفة.

ولقد تمكنت "يو تي بي" إلى حد كبير من فعل ذلك مع الحفاظ على الربحية، من خلال تقديم معدلات عائد أقل من المتوسط للمستثمرين الذين أبدو استعدادهم لتمويل مشروع لن يحقق بالضرورة أعلى عوائد ممكنة ولكنه يعد صديقاً للبيئة، كما تشير "يو تي بي".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

"التوجه نحو المستقبل"

ويتماشى هذا النهج التطلعي مع المصطلح الذي غالباً ما يصاحب مشاريع المباني الخضراء في ألمانيا "التوجه نحو المستقبل"، وهو مصطلح يشير للاستدامة. ولكن من نواحٍ عدة، فإن مشروع "فوهو" لا يفتح آفاقًا جديدة بقدر ما يعيد ماضي حي كروتسبيرغ في ألمانيا إلى الأذهان. وهو الذي كان واحداً من الأحياء الصناعية سابقاً، وأحد أحياء الطبقة العاملة التي تحولت إلى التمدن في أواخر القرن التاسع عشر.

واشتهرت مباني الحي في برلين بما يعرف بـ "مزيج كروتسبيرغ". وبشكل استثنائي، مزجت تلك المجمعات في البداية بين منازل في ساحاتها الأمامية، بحيث كانت المنازل الأفضل بمواجهة الشارع، ودمجت ورش العمل وحتى المصانع الصغيرة في الخلف.

وربما يكون مزج استخدامات المباني، ومستويات الدخل داخل مجمعٍ واحد، هو ما جعل هذه المجمعات صاخبة وقذرة خلال عصر البخار. غير أن تلك الميزة في عمق الحي كانت موضع تقدير كبير منذ أواخر القرن العشرين.

ومع ذلك، فقد تعرض هذا المزيج الاجتماعي المتنوع لضربة كبيرة في السنوات الأخيرة، إذ لا يزال حي كروتسبيرغ يضم بعض أفقر المناطق في برلين.

لكن تكلفة الشقق بسعر السوق في مساكنه القديمة ذات المظهر الجميل ارتفعت بشكلٍ حاد، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق للمقيمين والشركات منه. وأصبح الحي، الذي يحكمه ائتلاف يسار الوسط بقيادة الحزب الأخضر، معروفاً في السنوات الأخيرة بمحاولاته لكبح جماح هذه العملية.

وباعتماد القانون، أخذ مفوض الإسكان في الحي، فلوريان شميدت، بشراء المباني المعروضة للبيع. والتي باتت بسبب الإقبال من الخارج، معرضة لخطر الزيادة الحادة في الإيجارات، أو فرض على أصحابها توقيع عقود بالموافقة على رفع الإيجارات بما يعادل نسبة التضخم فقط، لمدة 25 عاما.

وقام مفوض الحي، بشراء 15 مبنى بالكامل بين عامي 2016 و2019، بينما وافق الملاك على تجميد الإيجار في 25 من المباني الأخرى. (وقد جعل ذلك أيضًا شميدت يواجه بعض التدقيق القانوني، حيث إنه من المقرر أن يخضع مكتبه للتحقيق على خلفية مزاعم بأن السياسة التي ينتهجها أدت إلى تطبيق القانون على نطاق أوسع من المقصود وتعريض الخزانة العامة للخطر).

وحالياً، قد يواجه الحي جدلاً من نوع مختلف. فعلى الرغم من كون المجمع في موقع كالذي يميز "فوهو" يعد منسجماً مع محيطه بشكل كبير، حيث يقع البرج الشاهق على بعد بضع دقائق من مباني المكاتب ومراكز التسوق في "ساحة بوتسدام"، خارج حدود الحي مباشرة، إلا أنه سيحجب جزئياً بعض المنازل ويفوق ارتفاعه ارتفاعات مباني المنطقة المبنية وفقا لتصاميم القرن التاسع عشر.

ويقول بعض السكان إن الحي تجاهل شكواهم من هذا الأمر، بينما يخشى آخرون من أن التكلفة المعقولة التي يطمح إليها مطورو المشروع لن تصمد طويلاً، ما يترك المنطقة ببرج تكون وسائل الراحة فيه بعيدة عن متناول العديد من أفراد المجتمع. ومع الموافقة على المشروع مؤخراً، فإن تقدم البناء بـ "فوهو" سيتم مراقبته عن كثب.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك