لجأت بعض الشركات العقارية في مصر لاستخدام "الدولار" كأداة للتحوط من مخاطر ارتفاع التكلفة بعد تدهور الجنيه وارتفاع التضخم لمستويات قياسية، فيما ذهب البعض الآخر لإلغاء حجوزات بعض العملاء وإرجاع الشيكات الخاصة بهم للحفاظ على هوامش الربحية.
يمثل القطاع العقاري نحو خُمس الناتج المحلي المصري، ويشهد نموّاً مطرداً، مدعوماً بزيادة عدد السكان البالغة مليوني نسمة سنوياً، فضلاً عن حركة الانتقال من الريف إلى المدن بنسبة 2% سنوياً.
شركة "أورا ديفلوبرز إيجيبت"، المملوكة للملياردير المصري نجيب ساويرس، نفت الخميس الماضي أن تكون مبيعاتها تتم بالدولار، وأكدت أن جميع وحداتها العقارية تُباع بالجنيه المصري، وأنه "ليس لدى الشركة أي نيّة لتغيير أسلوب الدفع أو ربط سعر أيّ وحدات سكنية بالدولار الأميركي في ظل الوضع الحالي للدولار الذي نراه كمشكلة قصيرة المدى في طريق مصر نحو نمو اقتصادي أكبر".
حرّرت مصر سعر عملتها المحلية 3 مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، ما دفع سعر الجنيه المصري للانخفاض مقابل الدولار بنحو 25% خلال الربع الأول من 2023، وبأكثر من 95% منذ مارس من العام الماضي، بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.
مصطفى القاضي، المدير التنفيذي لشركة "إعمار مصر للتنمية"، يوضح أن شركته لا تبيع بالدولار، وتسعر الوحدات العقارية لديها بالجنيه؛ "لكن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه مستخدم فقط كمقياس لضبط السعر مع التكلفة كما هو معمول به في العقود الخاصة بمجال المقاولات ومواد البناء".
يوسف البنا، محلل القطاع العقاري في "نعيم المالية"، يرى أن حركة البيع والشراء في السوق المصرية حالياً "تتسم بالبطء الشديد، بسبب زيادة تكاليف الإقراض، وتأثير أرقام التضخم القياسية على القوة الشرائية للعملاء، لذا لجأت بعض الشركات للتحوط من تراجع العملة وزيادة التكاليف عبر تسعير وحداتها أو ربطها بالدولار، لكنها تحصل في النهاية على الجنيه المصري من العميل للبيع". كاشفاً أن بعض العقاريين يسعرون على سعر صرف 33 إلى 35 جنيهاً للدولار.
دفعت زيادة أسعار الغذاء، وانخفاض الجنيه مقابل الدولار، إلى تسارع التضخم في مدن مصر خلال فبراير إلى أعلى مستوى منذ أكثر من 5 سنوات، ليسجل 31.9% خلال فبراير، على أساس سنوي، فيما قفز معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار السلع الأكثر تقلباً إلى 40.3% من 31.2% في يناير، وفق بيانات البنك المركزي الصادرة الخميس، ليسجل أعلى مستوى له على الإطلاق.
يشير البنا إلى أن هدف الشركات العقارية من ربط التسعير بالدولار هو المحافظة على هوامش الربحية، كون عقودهم مع شركات المقاولات التي تنفذ المشروعات تتضمن شروطاً لتعويض تلك الشركات في حال تغيير سعر الصرف وارتفاع التكلفة.
شح العملة الصعبة
تواجه مصر أزمة نقص في العملات الأجنبية هي الأسوأ منذ سنوات، في ظل تزايد الضغوط على الجنيه في الآونة الأخيرة، حيث تسعى البلاد بشكل حثيث إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتدفقات الخارجية إلى سوق الدين المحلية.
عوّلت مصر في منتصف العام الماضي على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد كمصدر أساسي لتوفير العملة الصعبة، عوضاً عن الأموال الساخنة التي استثمرت في أدوات الدين وتخارجت سريعاً منها في مارس 2022 وسط الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث خرج حينها أكثر من 22 مليار دولار من البلاد في بضعة أيام.
لكن الدولة التي يقدر حجم اقتصادها بنحو 400 مليار دولار، عادت مع نهاية 2022 لتعول من جديد على الأموال الساخنة، ورفعت أسعار الفائدة بنحو كبير، لكنها لم تحصل حينها على نتيجة مرضية، لتعود وتعلن عن برنامج لبيع أصول حكومية بحصيلة مستهدفة تبلغ مليارات الدولارات.
يُنوّه القاضي بأن "آلية التسعير المستخدمة تعكس التغيير بسعر الصرف في نطاق محدد وبحد أقصى معلوم ومحدد للعميل وقت التعاقد. والنظام نفسه معمول به في بيع وحدات مشروع مدينة الجونة منذ سنوات".
لكن مسؤولاً في "أوراسكوم للتنمية" أبلغ "اقتصاد الشرق" أن شركته لا تقوم بربط أسعار بيع وحداتها في "مدينة الجونة" وفقاً لسعر صرف الدولار؛ "بل لأن 40% من عملاء الجونة أجانب، فالتسعير يتم وفقاً لسعر صرف الدولار واليورو، لكن البيع بالجنيه المصري حسب التشريعات المنظمة لذلك".
وفقاً لشركة الخدمات العقارية "جي إل إل"، شهد عام 2021 إنجاز 19 ألف وحدة سكنية على مستوى القاهرة، ليرتفع المخزون السكني إلى 227 ألف وحدة، على أن يجري تسليم 29 ألف وحدة إضافية في 2022 الماضي تتركز في مشاريع غرب وشرق القاهرة.
البنا لفت إلى أن الشركات العقارية "تضع التسعيرة وهي تعلم تماماً طبيعة العميل الذي تخاطبه، ومدى قدرته على الدفع من عدمها". كاشفاً أن "بعض الشركات ألغت حجوزات وأرجعت شيكات الدفع للعملاء لتأثر هوامش الربحية لديهم بالتكلفة المرتفعة في ظل تراجع العملة وتفاقم التضخم".