على أطراف منطقة "كناري وارف" في لندن، كان من المقرر في العام الماضي، افتتاح "سباير لندن"، لتكون أطول ناطحة سحاب سكنية في أوروبا الغربية. وكان المبنى ذاته قد آثار ضجة كبيرة بشأن إمكانية استخدام طائرات بدون طيار لتوصيل الطعام إلى المقيمين فيه، أثناء زيارتهم إلى السينما وحوض السباحة الخاصة بالبرج.
اليوم وبدلاً من ذلك، فإن الحشائش وحدها هي كل ما يتصاعد ويتطاير من موقع البناء المملوك للمطور الصيني "غرينلاند هولدينغز".
ويعد المشهد مثل قصة تحذيرية لبناة المنازل الآسيويين الذين توافدوا على المدينة، متوقعين تتبع المستثمرون الأجانب لهم وشرائهم لشقق لا يمكن للسكان المحليين تحمل قيمتها أو لا يرغبون فيها من الأساس.
وبعد استحواذ هؤلاء على ثلثي مبيعات الأراضي في عام 2017، ظل مطورو المنطقة غائبين عن المشهد بشكل كبير منذ ذلك الحين.
بحسب بيانات جمعتها شركة "ريال كابيتال أناليتيكس" لأسواق العقارات، فشل المطورون المحليون في شراء قطعة أرض واحدة في العاصمة البريطانية حتى يوليو الماضي.
وأفادت التقارير أن "غرينلاند" أوقفت العمل في المشروع في عام 2018، مع التوقعات السيئة بشأن العقارات في لندن وتشديد قواعد التدقيق على المباني شاهقة الارتفاع في أعقاب حريق برج "غرينفيل" الذي أودى بحياة 72 شخصاً.
سوق صعب
ويقول مارتن زدرافكوف، رئيس الاستثمار السكني في المملكة المتحدة لدى شركة "لاسل إنفستمنت مانجمنت": "من وجهة نظر المطورين الدوليين، لندن سوق يصعب اختراقها، فقد كانت الأعوام الأربعة أو الخمسة الأخيرة صعبة".
وكافح المطورون الآسيويون لضمان تحقيق مبيعات في بعض المشاريع، حيث تراجع الطلب على المنازل بسبب تداعيات التصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وتغيير القواعد المتعلقة بتصميم المباني وفرض مزيد من الضرائب على المشترين الأجانب. ويواجه المطورون الآن رياحاً معاكسة جديدة، حيث تنخفض أسعار الشقق السكنية مع تسبب الوباء في إعادة تقييم الكثيرين للأماكن التي يريدون العيش فيها.
وقد انخفضت قيمة هذه الشقق في لندن بنحو 40 ألف جنيه إسترليني "54.4 ألف دولار" العام الماضي حتى سبتمبر، وذلك بالرغم من ازدهار سوق الإسكان في المملكة المتحدة على نطاق واسع. إذ بات المشترون يفضلون المنازل الأكبر حجماً ذات المساحات الخضراء.
وتتجه مبيعات المنازل الجديدة في وسط لندن نحو الانخفاض إلى أدنى مستوى لها منذ 2011، على النقيض مع أوضاع المدينة الأوسع نطاقاً التي ارتفعت فيها مشتريات المنازل في عام 2019، حسبما ذكرت شركة الأبحاث "موليور لندن".
ويعتبر سوق المنازل الجديدة الأرخص أقوى بسبب سريان "فترة الإعفاء من ضريبة الدمغة" وبرنامج "مساعدة الشراء" الذي تقدمه الحكومة البريطانية، والذي يوفر قروضاً للمشترين الذين يحصلون على عربون صغير على العقارات المباعة مقابل 600 ألف جنيه إسترليني.
ارتفاع الضرائب
في "ميدان غروسفينور" التابع لحي مايفير بلندن، وافق المطور العقاري الهندي "لودها" على التصرف في حوالي نصف الشقق السكنية الفاخرة التي كانت سابقا مقرا للسفارة الكندية، فقد عرض المنازل التي تضم منتجع خاص وغرفة للبلياردو للبيع لأول مرة في عام 2017.
وفي مقابلة أجريت معه في أكتوبر من العام الماضي، قال غابرييل يورك، الرئيس المشارك للوحدة البريطانية التابعة لشركة "لودها"، إن الزيادات الضريبية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعلا الاستثمارات المستقبلية أمراً صعباً. حيث تأثرت سلوكيات وشهية ورغبات العملاء".
وأضاف: "في كل مرة تحدث فيها أحد هذه التغييرات، تتسبب في توقف لمدة ستة أشهر، فيعودد الناس لتقييم أفعالهم. ومع ذلك لا تزال الشركة تؤمن بمنطقة وسط لندن".
وحسبما قال جيمس بارتون، الشريك في شركة "نايت فرانك" والذي سافر إلى المنطقة في ذلك الوقت لتعريف المشترين بالمواقع في العاصمة، انجذب المطورون الآسيويون إلى المملكة المتحدة مع ضعف الجنيه الإسترليني بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما انخفضت أسعار الأراضي أيضاً بشكل طفيف مع تدهور التوقعات الاقتصادية.
وحتى قبل ذلك، تعرضت واحدة من أغنى العائلات في هونغ كونغ إلى لدغة من السوق العقاري في لندن، ففي غرب لندن، لا تزال المرحلة الثانية من مشروع "ساحة إيرلز كورت ليلي" المملوك جزئياً لأفراد من عائلة "كوك" معروضة للبيع، بعد خمسة أعوام من طرح أول شققه من بين 186 مساحة معروضة للبيع. يشار إلى أن المطور العقاري لم يطرح بعض الشقق السكنية في السوق بعد.
وفي جنوب نهر التايمز، قام مطور الشقق والمكاتب الماليزي، الذي عمل على تطوير موقع "محطة باترسي للطاقة"، مؤخراً بتحمل رسوماً بقيمة 156 مليون جنيه إسترليني على المشروع، الذي تقدر قيمته بنحو 9 مليارات جنيه إسترليني.
وفي "سانت جونز وود"، وهو حي يفضله المصرفيون الأمريكيون، لم تبدأ أعمال البناء في الموقع الذي اشتراه الملياردير الماليزي أناندا كريشنان في عام 2011 مقابل 250 مليون جنيه إسترليني، وبالتالي من الطبيعي نمو حشائش في مقدمة الأرض، التي كانت تُعتبر ثكنة عسكرية سابقة.
ووفقاً لكاميلا ديل، الشريك الإداري في وكيل الشراء "بلاك بريك بروبرتي سولوشنز"، فإن مشاريع التنمية الأكبر، مثل "ليلي سكوير" و "باترسي"، تعاني بسبب التغييرات الضريبية للمشترين في الخارج. وقالت: "ذلك الجزء من سوق التنمية الجديد في لندن يواجه تحديات وبإمكانه أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار".
ولم يستجب المطور الصيني "غرينلاند"، الذي أوشك على بيع مشروعه "رام كوارتر" في واندزورث، إلى طلب التعليق.
وكانت أسعار الشقق السكنية في ناطحة سحاب "سباير لندن" تبدأ من 595 ألف جنيه إسترليني، ووافقت "غرينلاند" على بيع 250 شقة هناك في غضون خمسة أسابيع فقط في عام 2016.
ورفض المطور "صن هونغ کاي بروبرتيز"، وهي شركة مملوكة من قبل عائلة "كوك"، التعليق، بينما كان من الصعب الوصول إلى الملياردير كريشنان. بينما قال المتحدث باسم المشروع، في نوفمبر من العام الماضي، إن مبيعات المنازل في محطة باترسي للطاقة كانت "مشجعة" في عام 2019.
تعزيز أوضاع هونغ كونغ
بالنسبة للمطورين في آسيا، هناك توجه إيجابي كبير، إذ تقدم المملكة المتحدة طريقاً جديداً للحصول على حق المواطنة لنحو 3 ملايين شخص في هونغ كونغ في يناير، مما قد يعزز الطلب على السوق.
وارتفع عدد المنازل الجديدة في لندن، التي تم بيعها للخارج، إلى 860 منزلاً في الربع الثالث من عام 2020، بارتفاع نسبته 40% عن الربع الرابع، وهي الفترة الأخيرة التي سبقت تعطيل الوباء للمبيعات، بحسب شركة "موليور لندن".
ومع ذلك، فإن تراجع الاندفاع نحو شراء المنازل خلال فترة الإعفاء من "ضريبة الدمغة" قد يكون ضاراً بالنسبة لبعض المطورين، بالنظر إلى ضعف توقعات المبيعات الخاصة بالعام الحالي.
ومن المقرر أن يتم فرض ضريبة إضافية بنسبة 2% على المشترين في الخارج في أبريل، وهو نفس الشهر الذي من المقرر أن تنتهي فيه برامج دعم الإجازة من الوظائف التي أبقت الملايين في العمل.
ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي خروج بريطانيا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي إلى الإضرار باقتصاد البلاد، حيث تقدر "بلومبرغ إيكونوميكس" أن التطورات الجديدة ستعني نمواً أقل بنسبة 0.5% سنوياً خلال العقد المقبل مقارنة بفترة النمو خلال بقاء البلاد ضمن الكتلة الأوروبية.
ويقول بيتر ريس، أستاذ تخطيط الأماكن والمدن في كلية لندن الجامعية، إن بعض المشاريع كانت ستواجه صعوبات مهما كان الوضع، وذلك لأن المطورين تعرفوا على السوق بشكل خاطئ أو لم يتمكنوا من اختيار الموقع الصحيح.
وأضاف: "يتم استخدام خروج بريطانيا وكوفيد-19 باعتبارهما ذريعة ملائمة لفشل مشاريع التنمية ذات التخطيط السيء".