ارتفاع معدلات الرهن العقاري في العام الماضي تسبب في تآكل الموارد المالية للأسر

من أميركا إلى الصين.. الركود الكبير في سوق العقارات يهدد نمو الاقتصاد العالمي

مجمعات سكنية قيد الإنشاء، الصين - المصدر: بلومبرغ
مجمعات سكنية قيد الإنشاء، الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تهدد أسواق العقارات المضطربة في معظم أنحاء العالم الاقتصاد العالمي، حيث تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تآكل الموارد المالية للأسر وتهدد بتفاقم تراجع الأسعار.

أظهرت تقارير هذا الأسبوع أن ركود سوق العقارات في الولايات المتحدة امتد حتى الشهر الخامس، فضلاً عن استمرار تراجع مبيعات المنازل في الصين، وانخفاض الأسعار في كل من أستراليا ونيوزيلندا. كما تشهد أسعار المنازل في بريطانيا، أسوأ سلسلة خسائر لها منذ عام 2008.

يهدد تراجع أسعار المنازل بتقويض ثقة المستهلك والتأثير على إنفاق الأسر، الذي كان نقطة مضيئة نادرة للاقتصاد العالمي العام الماضي. وقد يتعرض الاستثمار أيضاً لضربة وسط خفض المطورين لمشاريع العقارات الجديدة استجابةً لتراجع الأسعار والطلب وارتفاع تكاليف الاقتراض.

خلال آخر فترة ركود شهدتها سوق العقارات، استعادت أسعار المنازل المعدلة وفقاً لمعدلات التضخم حوالي نصف مكاسبها السابقة، بحسب "أكسفورد إيكونوميكس"، حيث ارتفعت الأسعار بنحو 40% في جميع أنحاء العالم منذ عام 2012، وقالت شركة الاستشارات في تقرير صدر أكتوبر الماضي إنه في أسوأ السيناريوهات، قد يتسبب اضطراب سوق الإسكان بتراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى حوالي الصفر هذا العام.

تراجع مبيعات المنازل في الولايات المتحدة

في الولايات المتحدة، ألقى ارتفاع معدلات الرهن العقاري في العام الماضي بظلاله على سوق العقارات، ما أدى إلى أسوأ تراجع سنوي في مبيعات المنازل المملوكة سابقاً منذ أكثر من عقد. شكل ذلك ضغطاً كبيراً على الأسعار، لا سيما في أماكن مثل سان فرانسيسكو التي شهدت مشاكل في القدرة على تحمل التكاليف.

يُرجح استمرار هذا الضغط خلال حملة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لكبح التضخم، مع رفع صانعي السياسة أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل إلى نطاق يتراوح بين 4.5% و4.75%.

قلق في سوق العقارات الصينية

لا يظهر تباطؤ سوق العقارات في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سوى علامات قليلة على التحسن، رغم جهود السلطة المكثفة لإنعاش هذا القطاع. تراجعت مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 32.5% في يناير مقارنةً بالعام السابق، حسبما أظهرت بيانات أولية من شركة "تشاينا ريال ستيت إنفورميشن" (China Real Estate Information) يوم الثلاثاء.

اتخذ المسؤولون خطوات لتسهيل التمويل للمطورين الذين يشهدون ضائقة مالية خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى إلغاء دفعة خفض المديونية التي أثارت موجة من حالات التخلف عن السداد، وأدت إلى تراجع النمو الاقتصادي في البلاد. كما كثفت السلطات المحلية جهودها لتحفيز شراء المنازل، عن طريق خفض معدلات الرهن العقاري وتخفيف متطلبات وشروط الدفعة الأولى. يُستبعد أن تعزز مثل هذه الخطوات المبيعات حتى منتصف العام، وفقاً لكريستي هونغ، المحللة في"بلومبرغ إنتليجنس".

اعتبرت شركة "نومورا" في توقعاتها للنمو هذا العام، أن احتمال استمرار اضطرابات سوق العقارات في الصين بمثابة رياح معاكسة، حسبما كتب الاقتصاديون بقيادة تينغ لو في مذكرة بتاريخ 31 يناير. كما استشهدوا بالرواية الرسمية التي تؤكد أن "السكن للعيش فيه وليس للمضاربة"ـ ويعتبر تراجع الأسعار بمثابة مكابح لإبطاء الطلب القائم على المضاربة.

ركود سوق العقارات في بريطانيا

في المملكة المتحدة، مهد النمو المستقر لأكثر من عقد الطريق أمام أكبر تراجع في أسعار العقارات منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

في هذا الإطار، أشارت جمعية البناء الوطنية إلى تراجع متوسط قيمة المنازل لمدة خمسة أشهر متتالية، حيث تضغط القفزة في معدلات الرهن العقاري وأزمة تكلفة المعيشة الأكثر صعوبةً على القوة الشرائية لمشتري المنازل، ما يجعل تكلفة العقارات بعيدة عن متناول المزيد من الأفراد.

قال كبير الاقتصاديين في جمعية البناء الوطنية، روبرت غاردن: "يُرجح أن تشكل القدرة العامة على تحمل التكاليف تحدياً على المدى القريب".

قفز متوسط قرض المنزل بنسبة الفائدة الثابتة لمدة عامين إلى أعلى مستوى له في 14 عاماً عند 6.65% في أكتوبر، بعد أن اهتزت سوق الرهن العقاري بسبب خطط الميزانية التي وضعتها ليز ترس خلال ولايتها القصيرة كرئيسة للوزراء. تراجعت معدلات الرهن العقاري من ذروتها إلى ما دون 6%، إلا أن مشتري العقارات والأسر التي تجدد صفقاتها لا تزال تواجه أقساطاً شهرية طائلة.

أستراليا ونيوزيلندا

واصلت أسعار العقارات تراجعها في أستراليا ونيوزيلندا في يناير، مع احتمال استمرار ذلك، حيث لم تشعر أسواق العقارات بعد بالتأثير الكامل لارتفاع أسعار الفائدة العام الماضي.

لا تزال معظم الأسر النيوزيلندية تسدد قروضها العقارية بسعرٍ ثابت، حيث لم تواجه معدلات جديدة مرتفعة بعد. نتيجة لذلك، يتوقع الاقتصاديون تراجع أسعار المنازل بحلول أوائل عام 2024، لتصل دون 20% على الأقل من الذروة التي شهدتها في أواخر عام 2021.

في العاصمة ويلينغتون، تراجعت الأسعار بالفعل بنسبة 18.1% عن العام السابق، وفقاً لبيانات "كور لوجيك" (CoreLogic) . كما تراجعت الأسعار في أوكلاند، أكبر مدينة في نيوزيلندا، بنسبة 8.2%.

يبدو الوضع مماثلاً في أستراليا، حيث يُرجح أن يؤثر الارتفاع الحاد في سداد القروض لأولئك الذين تشهد رهونهم العقارية تقلبًا في معدلاتها هذا العام على الاستهلاك، وفقاً لتقرير صادر عن "بلومبرغ إنتليجنس".

قلة العرض

قد تقفز مدفوعات 15% من قروض الإسكان بأكثر من 80% عند انتهاء موجة سعر الفائدة الثابت المنخفض للغاية، حسبما قال المحللان محسن كروفتس وجاك باكستر في التقرير، حيث يتوقعان أن تتسبب الضربة التي لحقت بدخل الأسرة بتراجع مبيعات التجزئة بنسبة 2.2%.

كما يشهد قطاع العقارات ركوداً في سنغافورة، التي كانت أكثر مرونةً مقارنةً بالأسواق الأخرى. وارتفعت أسعار المنازل بنسبة 0.4% فقط في الربع الرابع من عام 2022، وهي أبطأ وتيرة تشهدها منذ أكثر من عامين، حسبما أظهرت الأرقام خلال الأسبوع الماضي. كما تراجعت المبيعات في ديسمبر إلى أدنى مستوى لها منذ 14 عاماً تقريباً.

ومع ذلك، يعود جزء من هذا التراجع إلى ندرة مشاريع العقارات الجديدة، ويتوقع المحللون انتعاش المبيعات بمجرد ارتفاع العرض، بينما يدعم المشترون الأثرياء أيضاً سوق العقارات الفاخرة.

تأتي إحدى العلامات المضيئة من هونغ كونغ، التي تشهد بعض الإشارات على انتعاش سوق العقارات فيها، بعد إعادة فتح حدودها مع البر الرئيسي للصين. حيث قد ترتفع مبيعات المنازل الجديدة في المدينة بأكثر من 50% هذا العام، مدعومةً بالطلب المكبوت من مشتري البر الرئيسي، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك