خفّضت البنوك الصينية أسعار الفائدة الاسترشادية للإقراض، وزادت السلطات دعمها للسوق العقارية من خلال قروض إضافية، في محاولة موجّهة من قبل الحكومة للتخفيف من تأثير أزمة الإسكان المتفاقمة وتعزيز الاقتراض.
تم تخفيض سعر الفائدة التفضيلي على القرض لأجل خمس سنوات، وهو مرجع للرهون العقارية، بمقدار 15 نقطة أساس إلى 4.3% بعد خفضه بالنسبة نفسها في مايو.
جاء ذلك على خلفية إعلان يوم الجمعة الماضي عن تقديم قروض خاصة لمطوّري العقارات من خلال البنوك الحكومية من أجل ضمان تسليم المشاريع المتوقفة إلى المشترين. وقد يصل حجم برنامج الإقراض إلى 200 مليار يوان (29.3 مليار دولار)، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات.
تعد هذه التحركات الأحدث ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مساعدة سوق العقارات المُثقلة بالمشاكل. وتواصل مبيعات المنازل انخفاضها، فيما ينكمش الاستثمار العقاري، ويواجه المطورون الذين يعانون من ضائقة مالية تحديات من أجل استكمال المشاريع، في الوقت الذي يقاطع مشترو المنازل سداد مدفوعات الرهن العقاري.
مقاطعة الرهن العقاري تظهر عمق أزمة العقارات في الصين
ستكون القروض الخاصة للمطورين أكبر التزام مالي حتى الآن من بكين لاحتواء الأزمة. وسيتم توجيه الأموال من خلال بنك التنمية الصيني وبنك التنمية الزراعية الصيني، وفقاً للأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لخصوصية المعلومات بشأن المناقشات في هذا الصدد.
أول انخفاض
كذلك خفّض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة التفضيلي للقرض لأجل عام يوم الإثنين، متراجعاً بمقدار 5 نقاط أساس أقل من المتوقَّع ليصل إلى 3.65%، وهو أول انخفاض منذ يناير. وجاء انخفاض أسعار الفائدة التفضيلية على الإقراض عقب التحرك المفاجئ للبنك المركزي الأسبوع الماضي لخفض سعر الفائدة على قروضه لأجل عام بمقدار 10 نقاط أساس.
وفي معرض تعليقه، قال هايد تشين، رئيس الاستراتيجية وإدارة الأصول في "هايتونغ إنترناشونال" (Haitong International)، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "وصلنا بالفعل إلى النقطة التي لابد للحكومة المركزية حقاً أن تتدخل. نظراً لأنَّ سوق الإسكان تساهم بحوالي 20-30% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فقد أصبح يتسبّب في "معضلة لا يريد أحد تناولها".
وأضاف: "هم يحتاجون حقاً إلى توفير دعم لبثّ الثقة بأنَّ مشتري المنزل يمكنه أن يقول: (حسناً، المنزل الذي اشتريته يمكن تسليمه) ".
أغلق مؤشر الأسهم الصيني القياسي "سي إس آي 300" (CSI 300) مرتفعاً بـ0.7% يوم الإثنين، وهو أول ارتفاع في ثلاث جلسات، في الوقت الذي تراجعت فيه الأسهم الآسيوية على نطاق واسع. وقفز مقياس مطوّري العقارات بـ1.1%.
في حين أنَّ انخفاض تكاليف الاقتراض يمكن أن يساعد في تحفيز الطلب على القروض، فمن غير المرجّح أن يعكس ذلك تراجعاً حاداً في الثقة.
الصين تطلق المزيد من الحوافز المالية لدعم اقتصادها المتراجع
هبوط أكبر
انخفض متوسط سعر الفائدة الموزون بالنسبة إلى الرهون العقارية الممنوحة حديثاً بالفعل في يونيو إلى 4.62%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2017. ومن المرجّح أن يؤدي خفض سعر الفائدة التفضيلي على الإقراض لأجل خمس سنوات إلى هبوط أكبر في متوسط معدلات الرهن العقاري، حيث تم تحديد الحد الأدنى لمعدلات الرهن العقاري عند 20 نقطة أساس أقل من السعر.
من جانبه، يقدّر لاري هو، الخبير الاقتصادي في "ماكواري غروب" (.Macquarie Group Ltd) أنَّ متوسط معدل الرهن العقاري قد ينخفض إلى 4.3% في الربع الثالث. وقال إنَّ الانخفاض الكبير بهذا الحجم في معدل الرهن العقاري في مثل هذه المدة الزمنية القصيرة أمر "غير مسبوق".
الفجوة بين خفض أسعار الفائدة الأولية للقرض لأجل عام ولأجل خمس سنوات تعكس رغبة البنوك في زيادة الطلب على العقارات والرهون العقارية مع الحفاظ على ثبات تكاليف الاقتراض قصير الأجل نسبياً. وتحتاج البنوك إلى الحفاظ على الأرباح، حيث تقلّص متوسط صافي هامش الفائدة لديها هذا العام بسبب تيسير السياسة النقدية وانخفاض الطلب على الاقتراض.
تعجّ البنوك بالأموال، لكنَّها قد تكون غير راغبة في تمويل المشاريع، أو تجد صعوبة في ذلك. فقد انخفض الطلب على الائتمان بشكل حادّ في يوليو الماضي، مما دفع بعض الاقتصاديين إلى التحذير من "فخ السيولة" في الصين، حيث لا تستطيع أسعار الفائدة المنخفضة تحفيز الإقراض في الاقتصاد.
ماذا يقول اقتصاديو "بلومبرغ"
"قد لا يكون التيسير النقدي وحده كافياً لإنعاش الطلب الذي تدهور بسبب الركود في سوق المساكن والقيود المفروضة بسبب سياسة صفر كوفيد. فمن المحتمل أن تتطلّب استعادة ثقة الأعمال والمستهلكين إعادة توجيه سياسة أكثر أهمية ".
- إريك تشو، خبير اقتصادي.
وفي الوقت نفسه، أمام بنك الشعب الصيني أيضاً مهمة توجيه السياسة النقدية، والتأكد من أنَّ التعافي الاقتصادي يمضي على المسار الصحيح مع مراقبة التضخم، الذي تسارع في يوليو الماضي إلى أعلى مستوى في عامين.
أسهم شركات العقارات الصينية بلا قيمة في نظر صناديق الاستثمار
قال بروس بانغ، كبير الاقتصاديين ورئيس الأبحاث لشؤون الصين الكبرى في شركة "جونز لانغ لاسال" (.Jones Lang LaSalle Inc) إنَّ "التخفيض الأكثر حذراً للفائدة التفضيلية على الإقراض لأجل عام يمكن أن يخفّف المزيد من ضغط التضخم" بالنظر إلى أنَّ السيولة في الاقتصاد ما تزال متدفقة.
وأضاف أنَّ بنك الشعب الصيني قد يتخذ خطوات إضافية، بما في ذلك خفض المبالغ النقدية الاحتياطية التي يتعيّن على البنوك الاحتفاظ بها، كوسيلة لاستبدال قروض السياسة المستحقة وخفض تكاليف تمويل البنوك.
وقال زانغ زيوي، كبير الاقتصاديين في "بينبوينت أسيت مانجمنت" (.Pinpoint Asset Management Ltd)، إنَّ الإجراءات الأخيرة المتعلقة بالسياسة "أصبحت أكثر شراسة بشكل واضح من ذي قبل. والسلطات المعنية تعلم جيداً أنَّ حالة الإجهاد المتراكمة هذه [بالسوق العقارية] تفرض مخاطرة عالية على الاقتصاد الكلي، لذا؛ فهم بحاجة لسرعة اتخاذ إجراءات وبقوة لمعالجة هذه المشاكل".
يعتمد سعر الفائدة التفضيلي للإقراض على أسعار الفائدة التي يقدّمها 18 بنكاً لأفضل عملائه، ويتم تسعيرها على أنَّها موزعة على سعر البنك المركزي على القروض لأجل عام، والمعروفة باسم تسهيل الإقراض متوسط الأجل.