سيتعين على قطاع العقارات السكنية الأسترالي، الذي تبلغ قيمته 10 تريليونات دولار أسترالي (7 تريليونات دولار)، أن يمتص هذا العام أكبر زيادات في أسعار الفائدة منذ عام 1989، إذا كانت أسواق السندات صحيحة.
بدأ بنك الاحتياطي الأسترالي الأسبوع الماضي أول دورة تشديد نقدي منذ أكثر من 11 عاماً، ما أدى إلى زعزعة ثقة المستهلكين، حيث تُعدّ ديون الأفراد من بين الأكبر عالمياً.
تراجع الأسعار
عقب الارتفاع على مدار العامين الماضيين نتيجة التحفيز خلال فترة الوباء، يتوقع الاقتصاديون تراجع أسعار المساكن وتباطؤ وتيرة البناء، وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وقد ظهر ذلك التحول في مزاد أقيم في عطلة نهاية الأسبوع، بضاحية دارلينغتون الداخلية، في سيدني، حيث لم يتلقَ منزل مكون من غرفتي نوم بمساحة 104 أمتار مربعة أية عروض.
قال أليكس باتارو، بائع المزادات في شركة "راي وايت" (Ray White) العقارية: "عادة ما يتم اقتناص عقار مثل هذا في غضون 3-4 أسابيع، وعادة ما يتقدم أكثر من 5 مشترين في المزاد، لكن السوق آخذة في الركود، ومع دخول مزيد من المعروض إلى السوق سيكون لذلك تأثير أكبر على الأسعار".
يفرض تراجع سوق الإسكان تحدياً أمام الفائز في الانتخابات المقرر عقدها في 21 مايو الجاري، حيث ترتبط ثروة أغلب الأستراليين بالعقارات، ومن المرجح أن يتسبب ذلك في ضعف معنويات الأسرة وإنفاقها الاستهلاكي، ما يضاعف من تداعيات ارتفاع مدفوعات الرهن العقاري.
شهدت أسعار المساكن في أستراليا ارتفاعاً كبيراً خلال أغلب سنوات العقد الماضي، لتعكس خفض بنك الاحتياطي الأسترالي الفائدة من 4.75% في نوفمبر 2010 ليصل إلى 0.1% خلال ذروة تفشي الوباء في نوفمبر 2020، حيث قفزت أسعار العقارات بأكثر من 20% العام الماضي.
لم يشهد نحو 1.2 مليون مقترض بضمان المنزل ارتفاعاً خلال دورة التيسير الممتدة، قبل رفع بنك الاحتياطي الأسترالي الفائدة، بما يزيد على التوقعات بمقدار 25 نقطة أساس يوم الثلاثاء الماضي.
قدرت شركة الاستشارات العقارية "كورلوغيك" (CoreLogic Inc)، قبل ارتفاع أسعار الفائدة هذا الشهر بقليل، أن رفع الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، سينعكس على تكاليف قروض الرهن العقاري المتغيرة، ويرفع أقساط السداد الشهرية بمقدار 1005 دولارات أسترالي.
رفعت البنوك الأربعة الكبرى في البلاد أسعار الفائدة المتغيرة بنفس مقدار رفع الفائدة البالغ 25 نقطة أساس.
رفع الفائدة
تراهن أسواق المال على أن بنك الاحتياطي الأسترالي سوف يستمر في رفع تكلفة الاقتراض شهرياً حتى ديسمبر المقبل، حتى تصل الفائدة إلى نحو 3% بحلول نهاية العام، مقارنة بمستوياتها الحالية البالغة 0.35% الآن.
قالت ديانا موسينا، كبيرة الاقتصاديين في "إيه إم بي كابيتال ماركتس" (AMP Capital Markets): "تشير أسعار السوق إلى احتمال تراجع الأسعار في سيدني وملبورن بنسبة 20%، وكذلك احتمال حدوث انخفاضات حادة في تلك الأسواق لأن ارتفاع الأسعار بها كان أكبر، والأسر في المدينتين من بين أكبر مشترٍ للعقارات بالاقتراض".
لكن موسينا، مثل معظم الاقتصاديين، ترى أن البنك المركزي لا يمكنه أن يكون متشدداً للغاية. فقد كادت أخر مرة تم فيها رفع الفائدة بتلك الوتيرة والحجم أن تؤدي إلى انهيار في النظام المالي.
يعد "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group Inc) أكثر المتنبئين بتشديد نقدي قوي، حيث يتوقع رفع بنك الاحتياطي الأسترالي سعر الفائدة إلى 2.6% بحلول نهاية العام، مع زيادات بمقدار نصف نقطة مئوية في يونيو ويوليو، بينما يبلغ متوسط التقديرات وصول سعر الفائدة 1.5% بحلول ديسمبر.
قال جورج ثارينو، كبير الاقتصاديين المتخصصين في الشؤون الأسترالية في"يو بي إس" (UBS AG): "نتوقع توقف دورة التشديد النقدي لبنك الاحتياطي الأسترالي في وقت أبكر من معظم البنوك المركزية، وبفائدة أقل بكثير من توقعات السوق، التي إذا حدثت نعتقد أنها قد تؤدي إلى انهيار سوق الإسكان وتتسبب في ركود اقتصادي".
يتوقع أندرو بوك من "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) انخفاض 10% في أسعار المنازل من القمة إلى القاع بحلول عام 2024، وقال، إن التباطؤ سيمثل "رياحاً معاكسة أساسية" للاقتصاد.
خفّض بوك توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.5% للعام المقبل، و2.3% بعد عام مقارنة بتوقعات سابقة بنمو 3% للعامين.
في المقابل، يتوقع بوك ارتفاع الأجور وسط تشدد سوق العمل وارتفاع الإيجارات، ما قد يخفف من وتيرة انخفاض الأسعار.
مخاوف ركود الاقتصاد
يتوقع الاقتصاديون تراجع الموافقات على بناء المساكن بشكل أكبر، ما يزيد من مخاطر الركود، حيث يمثل بناء المساكن نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، البالغ 2.2 تريليون دولار أسترالي، ويعمل به 2% من العمالة المباشرة.
تسبب الارتفاع الكبير في أسعار المساكن، إلى جعل القدرة على تحمل تلك التكاليف أحد القضايا الانتخابية.
يخطط حزب العمال المعارض لمساعدة ذوي الدخل المنخفض للمساهمة بشكل أكبر في سوق العقارات بنسبة 40% من ملكية المنازل المبنية حديثاً و30% للمساكن القائمة.
كما يدعم "تحالف يمين الوسط" الحاكم، المشترين الأوائل للمنازل، والآباء غير المتزوجين، من خلال برنامج يسمح بإيداع مقدم لشراء المنازل 5% أو 2% على التوالي.
لم يتضح بعد كيفية استجابة الأسر الأسترالية الملتزمة بسداد ديون عقارية تبلغ 2.1 تريليون دولار أسترالي، لارتفاع تكاليف الاقتراض المتزايدة.
قال توماس ماكغلين، الرئيس التنفيذي لشركة العقارات "بريسيك ويتني" (Bresic Whitney) ومقرها سيدني: "يشعر معظم المشترين بالقلق من الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة".
وأضاف: "سيكون من غير الحكمة إجراء زيادات سريعة في أسعار الفائدة لأنه أمر لم يعتاد المشترون على التعامل معه خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية".
تثق أكبر البنوك في أستراليا في الجدارة الائتمانية لمعظم المقترضين، حيث جمعت الأسر مدخرات إضافية بقيمة 240 مليار دولار أسترالي على مدار العامين الماضيين، كما انخفض معدل تأخر سداد أقساط قروض الرهن العقاري للمالك والمستأجرين لمستويات متدنية قبل أكثر من عامين.
يرى رئيسا اثنين من أكبر البنوك الأسترالية وهما: شاين إليوت من مجموعة "أستراليا آند نيوزيلندا بانكينغ" (Australia & New Zealand Banking Group)، وبيتر كينغ من "ويستباك بانكينغ كورب" (WestpacBanking Corp)، أن ارتفاع أسعار الفائدة سيضر ببعض الناس، لكن معظم الأسر تتهيأ لذلك بشكل جيد وخاصة في ظل قوة سوق العمل.
يبلغ معدل البطالة 4%، ومن المتوقع انخفاضه إلى حوالي 3.5%، ليسجل أدنى مستوى منذ عام 1974، وسط وصول الوظائف الشاغرة إلى مستويات قياسية.
قال محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، فيليب لوي، الأسبوع الماضي، إن هناك "قدراً كبيراً من الزخم الإيجابي" في الاقتصاد، ومن غير المرجح أن ينحرف عن مساره بسبب "تحركات صغيرة نسبياً في أسعار الفائدة".
تفترض التوقعات الاقتصادية الفصلية لـ"بنك الاحتياطي الأسترالي"، بلوغ معدل الفائدة 1.75% في ديسمبر و2.5% بنهاية عام 2023.
يتوقع ماكغلين من "بريسيك ويتني" تجنب أستراليا انخفاضاً حاداً في أسعار العقارات، مشيراً إلى وجود زخم في إقبال المشترين، خاصة في شريحة المساكن ذات الأسعار المرتفعة، حيث يتطلع الناس إلى الاستفادة من تخفيضات الأسعار.
وقال ماكغلين: "بدأت الأموال الذكية في العودة على مدار الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية، وهو مؤشر جيد".