يقول سماسرة العقارات في أرقى أحياء دبي، إنَّ الاستفسارات من الروس الباحثين عن الفلل والشقق تتزايد بشكل هائل؛ ومن بينهم رومان أبراموفيتش، رجل الأعمال الذي يمتلك نادي تشيلسي لكرة القدم.
وعلى الرغم من أنَّ مكان وجود الملياردير الروسي غير معروف، إلا أنَّه كان يبحث في الأسابيع الأخيرة عن منزل في نخلة جميرا بدبي، وهي جزيرة اصطناعية على شكل نخلة تنتشر فيها المساكن الفاخرة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
كما أنَّ اهتمام رجل الأعمال بالإمارة هو أحدث علامة على تدفق المزيد والمزيد من الروس إلى دبي، في ظل رفض سلطات قضائية مفضلة أخرى حول العالم التعامل مع بعض المواطنين الروس، وفرضها عقوبات متزايدة عليهم.
على هذا الصعيد، يقول محامو رجال الأعمال الروس، إنَّ بعضهم يحاول نقل أصولهم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أشارت مواقع الطيران المتخصّصة إلى قدوم الطائرات النفاثة التابعة لأباطرة الأعمال الروس، بما في ذلك طائرة أبراموفيتش، إلى دبي، على الرغم من عدم معرفة مَن كان على متنها بالفعل. وفي حين فرضت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أبراموفيتش، إلا أنَّ دولة الإمارات لم تتخذ خطوة مماثلة.
الجدير بالذكر أنَّ الإمارات اتخذت موقفاً سياسياً حذراً يهدف إلى الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، وهو الأمر الذي فاجأ المسؤولين الغربيين؛ فقد امتنعت الدولة الخليجية عن التصويت على قرار بقيادة الولايات المتحدة في أواخر فبراير لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قائلة إنَّ نتيجة التصويت كانت متوقَّعة سلفاً.
وفي حين يتم الاستيلاء على اليخوت العملاقة والممتلكات والطائرات التي يُعتقد أنَّ لها صلات بالكرملين في جميع أنحاء أوروبا؛ ما تزال الرحلات الجوية المباشرة تهبط من موسكو في دبي، حيث لم تُفرض العقوبات.
اقرأ أيضاً: التجارة تغلب التوتر فيما تقود دبي إعادة الضبط في الخليج
ضمن إطار حديثه بشكل عام عن قدرة المدينة على تجاوز الاضطرابات العالمية من الحروب إلى السياسة إلى جائحة فيروس كورونا، قال شيراج شاه، مؤسس شركة الاستشارات "إنترناشونال فينسنتر أسوشيتس 1" (1 International FinCentre Associates)، الذي كان سابقاً الرئيس التنفيذي للاستراتيجية وتطوير الأعمال في المنطقة المالية الحرة في دبي: "هناك قول مأثور قديم في دبي: عندما تكون أحوال المنطقة جيدة؛ فإنَّنا نعمل بشكل جيد؛ ولكن عندما تكون هناك أزمة، فإنَّنا نعمل بشكل جيد جداً".
إلا أنَّ الغضب من تصرفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلفت الانتباه غير المرغوب فيه إلى سياسة الباب المفتوح التي تتبعها الإمارات.
وحتى قبل حرب أوكرانيا؛ كانت الإمارات في دائرة الضوء بشأن تدفقات الأموال الدولية. فقد وضعت هيئة الرقابة على الجرائم المالية العالمية، التي تحمل اسم "مجموعة العمل المالي" (Financial Action Task Force)، البلاد في وقت سابق من هذا الشهر على قائمتها الرمادية، مما يعني أنَّها من بين الولايات القضائية مثل بنما وجنوب السودان التي تقول "مجموعة العمل المالي"، إنَّها لا تفعل ما يكفي لمواجهة التدفقات المالية غير القانونية.
أما الآن، فقد تركت الأموال المتدفقة من موسكو بعض مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية قلقين من أنَّ نظام "سيبس" (CIPS) -نظام الدفع الصيني عبر الحدود باليوان الذي يُنظر إليه على أنَّه منافس محتمل لنظام رسائل معاملات "سويفت" (SWIFT) العالمي- قد يتحول إلى وسيلة رئيسية للروس لتوجيه أموالهم إلى الإمارات باستخدام اليوان الصيني الخارجي للالتفاف على العقوبات الأمريكية، بحسب ما قال أشخاص مطلعون على الأمر. ولم يستجب التنفيذيون والمتحدثون الرسميون في "سيبس" ومقره شنغهاي، ووزارة الخزانة الأمريكية لطلبات التعليق.
كما لم يستجب ممثلو حكومتي دبي والإمارات العربية المتحدة لطلبات التعليق. والجدير بالذكر أنَّ الحكومة الإماراتية قالت إنَّها أحرزت تقدّماً كبيراً في تعزيز تنظيم التدفقات المالية.
كذلك لم تنجح الجهود المتكررة للوصول إلى أبراموفيتش؛ فقد رفضت إحدى المساعدات التي عملت كحلقة وصل مع وسائل الإعلام في الماضي الرد على الأسئلة، واكتفت بالقول إنَّها ليست متحدثة باسمه، كما أنَّ مكتبه الصحفي سيكون على اتصال إذا كان لديه أي تعليق. ولم يتم الرد على المكالمات والرسائل النصية إلى رقم في لندن والذي قدّمته على أنَّه تابع لمكتبه الصحفي.
وقال متحدث باسم أبراموفيتش في بيان صدر في 28 فبراير، إنَّ الملياردير كان يحاول المساعدة في التوسط لإنهاء الحرب. فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" هذا الأسبوع -نقلاً عن أشخاص مطلعين لم تكشف هوياتهم- أنَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نصح الرئيس جو بايدن بتأجيل معاقبة أبراموفيتش لأنَّه قد يُثبت أنَّه وسيط مفيد في جهود التفاوض على السلام.
أين أثرياء روسيا الآن؟
كانت إحدى طائرات أبراموفيتش الخاصة في دبي في مارس، وفقاً لبيانات من "إيه دي إس-بي إكستشينج" (ADS-B Exchange)، وهو موقع لتتبع الطائرات.
يُشار إلى أنَّ دبي تعد بالفعل وجهة مفضلة للعديد من الروس، إذ تجذب عشرات الآلاف من السياح الروس شهرياً؛ كما تُباع المثلجات الروسية في مشروع التطوير العمراني الشهير "لا مير" بجانب الشاطئ في المدينة، وتتوفر الأطباق الشهية مثل الكريمة الحامضة على الطريقة الروسية والجبن القريش في بعض متاجر البقالة.
في هذا الصدد، قالت داريا نيفسكايا، الشريكة في شركة "إف تي إل أدفايزرز" (FTL Advisers) القانونية التي تتخذ من موسكو مقراً لها، والتي تقدّم خدماتها للروس الأثرياء، إنَّه حتى الروس الذين لديهم مصادر دخل شفافة، وليست لديهم صلات بسلطات الدولة؛ يخشون أن يتم جمعهم مع رجال الأعمال الخاضعين للعقوبات أو أن يتم نزع ممتلكاتهم. وقالت، إنَّ بعض الأثرياء الروس يحاولون إعادة هيكلة ملكية أصولهم "حتى لا يتعرّضوا للمطاردة العمياء".
طائرات المليارديرات الروس ويخوتهم ما زالت تجوب العالم
وقد وصلت نيفسكايا مؤخراً إلى دبي لأنَّ الشركة شهدت زيادة في الطلب من الروس لتسجيل الشركات في دولة الإمارات للاحتفاظ بأصولهم، بما في ذلك الأصول المالية، على حد قولها.
هل ساعد "كوفيد" دبي على النمو؟
منذ الغزو الأوكراني، جعل موقع دبي الجغرافي بين الشرق والغرب، وتأشيرات العمل السريعة والبنية التحتية المتطورة، المدينة جذابة ليس لرجال الأعمال الروس الأثرياء فقط؛ وإنما لأصحاب العمل العالميين البارزين أيضاً. وفي الأسابيع الأخيرة؛ نقل مصرف "غولدمان ساكس" موظفيه إلى الإمارة من موسكو رداً على الغزو، بحسب ما قال أشخاص مطلعون على الأمر. كما قال الرئيس التنفيذي لشركة "فيزا"يوم الثلاثاء، إنَّ الشركة نقلت أكثر من 100 موظف وعائلاتهم من روسيا إلى دبي.
تأتي هذه التحركات بعد أن حقق مركز الشرق الأوسط (دبي) مكاسب كبيرة، وجذب رجال أعمال ومستثمرين جدد من خلال استجابته لجائحة كوفيد. وفي الأشهر القليلة الماضية؛ كانت الإمارات العربية المتحدة من بين المراكز الثلاثة الأولى في تصنيف "بلومبرغ" لمقاومة كوفيد بفضل معدل التطعيم المرتفع، وطرق السفر المفتوحة، واحتواء تفشي الفيروس نسبياً. كما أعلنت دبي عن سلسلة من الإصلاحات خلال الجائحة لتحسين اعتمادها كمركز مالي، ومنحت آلاف التأشيرات طويلة الأجل للمديرين التنفيذيين في محاولة لربطهم بالإمارة لفترة أطول.
ساعد ذلك المنطقة المالية الحرة للإمارة (مركز دبي المالي العالمي) على جذب ما يقرب من ألف شركة جديدة مسجلة في عام 2021، وهو رقم قياسي. كما سجلت أعلى إيرادات وأرباح تشغيلية على الإطلاق.
يُشار إلى أنَّ المستثمر المخضرم في الأسواق الناشئة مارك موبيوس نقل قاعدته بشكل دائم إلى المدينة الواقعة على الخليج العربي من سنغافورة، وذلك بعد أن فرضت الدولة الآسيوية قيوداً صارمة على السفر أثناء الجائحة.
وقال موبيوس عن زيارته لمكتب شركة "فرانكلين تمبلتون" (Franklin Templeton) وعن شرائه لعقارين يُطلان على أعلى برج في العالم منذ أكثر من عقد: "لم أفكر مطلقاً في العيش هنا، فقد كان استثماراً". وأضاف من بهو مقر إقامته في دبي المطل على البحر وأكبر عجلة فيريس في العالم: "نرى الآن أنَّها أصبحت مركزاً عالمياً".
لماذا تواجه دبي التدقيق المتزايد
ما من شكٍّ في أنَّ جاذبية دبي المتزايدة للأثرياء الروس واضحة؛ فقد أفادت صحيفة "كوميرسانت" الروسية نقلاً عن مجموعة "غولدن براون" (Golden Brown Group) العقارية أنَّ الطلب على العقارات في دبي من جانب الروس ارتفع بنسبة 40% حتى الآن في مارس مقارنة بشهر فبراير.
أما المحامية نيفسكايا؛ فقالت إنَّ الطريقة الشائعة للروس للحصول على تأشيرة إقامة في الإمارة هي شراء عقارات بقيمة 5 ملايين درهم (1.5 مليون دولار)، في حين أنَّ الخيار الأرخص هو الحصول على تأشيرة إقامة عن طريق فتح شركة.
كذلك قالت بولينا كوليشوفا من شركة استشارات الإقامة والجنسية "هنلي أند بارتنرز" (Henley & Partners): "إذا تحدّثنا بالأرقام المطلقة عن الإقامة في دولة الإمارات؛ فقد زاد الطلب بنسبة 100%" من الروس.
فضلاً عن ذلك، قال أشخاص مطلعون على الأمر، إنَّ التدفق الروسي سيعزز ثقل دبي، لكنَّه أيضاً قد يُعقّد العلاقات مع الحلفاء القدامى مثل الولايات المتحدة. فقد أرسلت وزارة الخزانة الأمريكية وفدين كبيرين إلى دولة الإمارات في أواخر العام الماضي لتوجيه تحذير للبلاد، قائلة إنَّها تُضعف برامج العقوبات العالمية لواشنطن.
في الوقت نفسه، تجذب الوجهات الأخرى أيضاً المواطنين الروس. ففي إسرائيل؛ قال سماسرة العقارات ومحامو الهجرة، إنَّهم يتلقون استفسارات من آلاف الروس الذين لديهم أصول يهودية.
في غضون ذلك، يُنظر إلى المركز المالي لدولة قطر المجاورة على أنَّه وجهة بديلة للشركات الروسية غير الخاضعة للعقوبات لفتح مكاتب للممثلين، وتحويل الأموال من الخارج، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على الأمر. وقال المصدر، إنَّ المنطقة الحرة في قطر تلقت العديد من الطلبات من أصحاب الأعمال الروس في الأسابيع القليلة الماضية. لم يرد ممثل عن المركز المالي على طلب للتعليق.
لكن في الوقت الحالي، يدعم تدفق اللاجئين الروس الازدهار الراقي الموجود في دبي؛ إذ تُردد ردهات الفنادق صدى أصوات روسية، كما يعكف تاجر سيارات –طلب عدم الكشف عن هويته وهو يناقش الأمر– على توظيف المزيد من المتحدثين بالروسية بعد الزيادة الكبيرة في الطلب على السيارات الفاخرة من مهاجري موسكو.