تفشي أزمة ديون عقارات الصين تفرض على بكين سرعة التدخل

المباني السكنية تحت الانشاء في مشروع مدينة فينيكس السكني ، الذي طورته شركة "كانتري غاردن"، في شنغهاي، الصين. - المصدر: بلومبرغ
المباني السكنية تحت الانشاء في مشروع مدينة فينيكس السكني ، الذي طورته شركة "كانتري غاردن"، في شنغهاي، الصين. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تلقي أزمة الديون المتعثرة بظلالها على قطاع العقارات في الصين، الأمر الذي يفرض ضغطاً متجدداً على حكومة الرئيس "شي جين بينغ" لبذل المزيد من الجهد لحماية المطورين الأقوياء هناك.

وكان يوم الاثنين الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للسندات الدولارية لشركة "كانتري غاردن"، التي تعد أكبر مطور في الصين من حيث المبيعات. وانخفضت بعض سنداتها إلى 62 سنتاً، بينما تراجعت أسهمها إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات تقريباً. قال متعاملون إن عمليات البيع امتدت أيضاً إلى مُصدري سندات أكثر قوة، مثل "لونغفور غروب هولدينغز" و"تشاينا فانك كو".

وفي الوقت الذي بدت حالة الهلع كما لو أنها تنحسر يوم الثلاثاء، في ظل تعويض سندات المطورين والأسهم بعض خسائر اليوم السابق، يتوقع المحللون أن يزداد الوضع سوءاً ما لم تعمل بكين على تحسين نفاذ قطاع العقارات للتمويل. وقد يتطلب الأمر من الجهات المعنية المبادرة بتخفيف القيود المفروضة على استخدام عائدات ما قبل البيع من أجل التمويل، وفقاً لاقتصاديين في "سيتي غروب"، فضلاً عن تخفيف حالة القلق بشأن ضريبة الممتلكات المخطط لتطبيقها على مستوى البلاد من خلال طرح ضريبة أكثر اعتدالاً "في أقرب وقت ممكن".

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تخفض البنوك سعر الفائدة القياسي على قروض الرهن العقاري يوم الخميس.

اختبار الصمود

قال أنتوني ليونغ، رئيس الدخل الثابت في "ميتروبولي كابيتال إتش كيه": "إن انتقال عدوى الأزمة من العلامات التجارية الأضعف إلى العلامات ذات التصنيف الاستثماري يعكس إلى أي مدى زمني يمكن أن تستمر هذه الشركات بدون دعم للسياسة. فالأفضل مكانة يمكن أن يستمر لفترة أطول، ولكن مع مرور الوقت دون الحصول على الدعم، فالأسماء الأقوى لا يمكن أن تستمر".

"ستاندرد آند بورز" تخفض تصنيف "أجايل" الصينية.. وعودة مخاوف العدوى المالية

يلقي الخطر المتزايد من العدوى المالية بالضوء على التحدي الذي يواجهه الرئيس "شي"، في الوقت الذي يعمل على إصلاح سوق العقارات السكنية، تزامناً مع تفشي متحور "أوميكرون" في البلاد والذي يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد. ويسعى "شي" إلى الحد من خطر الانهيار العقاري على النظام المالي، وكذلك تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء في البلاد.

كتب شيانغرونغ وشياوين جين، المحللان في "سيتي غروب" بمذكرة أمس الاثنين: "نرى أن هناك حاجة مُلحّة للحكومة لتحقيق الاستقرار في قطاع العقارات. وعلى وجه الخصوص، قد تحتاج إلى توفير تحسينات للائتمان وتخفيف لوائح سيولة ما قبل البيع لمطورين من القطاع الخاص".

ما وراء الكواليس

ويبدو أن الأجهزة المعنية تعمل من وراء الكواليس على تعزيز موقف الشركات الكبيرة أو المدعومة من الدولة. وبحسب تقارير إعلامية محلية، بادر المسؤولون المحليون في مقاطعة غوانغدونغ، مقر الشركتين الصينتين المتعثرتين "إيفرغراند غروب" و"كايسا غروب هولدينغز"، أخيراً بتسهيل الاجتماعات بين المطورين المتعثرين والشركات المملوكة للدولة. لن يتم احتساب الاقتراض من قبل المطورين الرئيسيين، الذي يُستخدم في تمويل عمليات الاندماج والاستحواذ، ضمن المعايير التي تحدّ من الحصول على الديون. وقامت مجموعة من أقوى شركات البناء الخاصة خلال ديسمبر الماضي باستغلال سوق الائتمان الداخلي بين البنوك للحصول على سيولة.

قالت صحيفة "تشاينا سيكيوريتيز جورنال" إن خطة "بنك شنغهاي بودونغ ديفلوبمنت" لبيع سندات بقيمة 30 مليار يوان (4.7 مليار دولار)، بمدة ثلاث سنوات لتمويل قروض للاستحواذ على العقارات، هي الأولى من نوعها من قبل مؤسسة مالية. وبحسب الصحيفة، ستبدأ عملية تسجيل المكتتبين في السندات يوم الجمعة المقبل.

مخاوف ديون "لوغان" تضرب سندات عقارات الصين الدولارية

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن انخفاض سندات المطورين ذوي الجودة الأفضل إلى مستويات محبطة يمثل نقطة تحوّل رئيسية للمستثمرين. وافترض الكثيرون أن الشركات التي تتمتع بتمويل أقوى لن تواجه مشكلة في الاستفادة من أسواق السندات الخارجية. وبحسب مؤسسة "آي إف آر"، فقد تم تفنيد هذا الافتراض عندما واجهت "كانتري غادرن" تحدياً الأسبوع الماضي لبيع أوراق نقدية قابلة للتحويل بسبب ضعف الطلب.

قال ديراج باجاج، رئيس قسم الائتمان الآسيوي في "لومبارد أودييه": "لا شك أن هذا هو أحلك فصل من فصول قصة السندات الدولارية الخارجية في الصين. لقد وصلت ضبابية السياسة إلى نقطة تحول بالنسبة للمستثمرين، والذين يتطلعون إلى تخفيف السياسة المتشدّدة".

يمكن أن تساعد التحركات، مثل تشجيع البنوك الحكومية على إقراض المطورين المتعثرين مباشرةً، في تخفيف الضغط في الأسواق الخارجية. وامتنعت الصين حتى الآن عن مثل هذه الأدوات، خاصة أن سوق الائتمان الداخلي الأكبر بكثير لديها لا يزال يتمتع بالمرونة.

تمويل انتقائي

لا تزال معظم قنوات التمويل عاجزة عن مساعدة المطورين الصينيين الذين يعانون الإجهاد. وارتفعت عائدات الديون الدولارية مرتفعة المخاطر في الصين بنسبة 20% هذا الشهر، مما جعل الأسواق الخارجية مكلفة للغاية. وستعمل الشركات الأضعف جاهدة لبيع الديون للمستثمرين المحليين الذين يتجنبون المخاطرة. وعندما استغلت شركة "سوناك تشاينا هولدينغز" مستثمري الأسهم بدلاً من ذلك الأسبوع الماضي، تراجعت أسهمها بنسبة قياسية بلغت 23% في هونغ كونغ.

أصبح توفير السيولة أمراً أكثر صعوبة. ففي نهاية العام الماضي، شدّد عدد من المدن الكبرى في الصين وبعض البلديات الأصغر الرقابة على استخدام عائدات الممتلكات المُباعة مسبقاً. وتنخفض مبيعات المنازل وأسعارها، بحسب البيانات الرسمية. وأصبح العديد من البنوك الصينية الكبرى أكثر انتقائية فيما يتعلق بتمويل المشاريع العقارية، من خلال آليات التمويل الحكومية المحلية.

رياح أزمة الصين العقارية تعصف بـ"كانتري" أكبر مطور في البلاد

فإذا سيطر القلق على السلطات المعنية حيال انتشار عدوى الأزمة، فهي لا تظهر هذا الشعور. فقد قلل رئيس مكتب الإحصاء الصيني يوم الاثنين من أهمية المخاطر بسوق الإسكان، قائلاً إنه يتوقع نمواً مستقراً و"صحياً" في الاستثمار العقاري هذا العام. من جانبه، قال محافظ البنك المركزي الصيني "يي غانغ" مراراً وتكراراً إن الصين ستحتوي المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد بسبب أزمة السيولة لدى المطورين، مثل "إيفرغراند".

وقال مسؤولون في بنك الشعب الصيني، خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، إن مبيعات العقارات والتمويل يعودان إلى طبيعتهما، في حين ستبقى قروض الرهن العقاري "مستقرة بشكل أساسي".

تفاقم الديون المتعثرة

كما يتعرض مديرو الديون المعدومة في الصين للضغوط. فقد تسببت المخاوف بشأن انكشاف شركة "تشاينا هوارونغ أسيت مانجمنت" في انخفاض سنداتها الدولارية في الأيام الأخيرة، وفقًا لمتداولين في سوق الائتمان. ومن المقرر أن تنخفض سندات "هوارونغ" المستحقة لعام 2030 لليوم التاسع على التوالي بعد هبوطها 1.2 سنت إلى 89.8 سنتاً على الدولار أمس الاثنين، وفقاً للأسعار التي جمعتها "بلومبرغ".

تعثر سبعة مطورين على الأقل في سداد السندات الدولارية منذ شهر أكتوبر الماضي. ويشمل ذلك "إيفرغراند" التي تسببت أزمتها في إلحاق الضرر بالبنك المقرض "تشاينا مينشينغ بانكينغ كورب"، المؤسسة المصرفية صاحبة السهم الأسوأ أداءً. تم تخفيض تصنيف شركة "غوانغزو آر آند إف بروبرتيز" إلى مستوى "متعثر مقيد" من قبل وكالة "فيتش" في الأسبوع الماضي بسبب ما وصفته الوكالة بتفاقم الديون المتعثرة.

تحتاج شركات العقارات الصينية إلى سداد أو إعادة تمويل سندات محلية وعالمية بقيمة حوالي 99 مليار دولار خلال العام الجاري. وتظهر البيانات التي جمعتها "بلومبرغ" أن أقل من نصف ذلك بقليل هو ديون مستحقة بالدولار.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك