ثمَّة أمر آخر لدى سكان سنغافورة الذين يتحسرون بالفعل على أسعار المنازل الباهظة الآن، يدعوهم للقلق: ألا وهو "ارتفاع الإيجارات".
قفزت الإيجارات إلى أعلى مستوى لها في ست سنوات، ويتوقَّع المحللون المزيد من الزيادات، إذ يفوق الطلب العرض، مما يضيف إلى التكاليف التي يتحمّلها سكان هذه المدينة التي تعد مركزاً مالياً، وخاصة المغتربين، في وقت تتزايد فيه ضغوط التضخم.
يمكن إلقاء اللوم على جائحة كوفيد-19 في الكثير من المكاسب؛ فقد ساهم نقص العمال المهاجرين في تأخير البناء، مما أجبر الناس على الاستئجار أثناء انتظار بناء الشقق. ينتقل الشباب السنغافوريون من منزل العائلة بحثاً عن مساحة أكبر للعمل عن بُعد. كما أنَّ مالكي المنازل العائدين من الخارج يستعيدون وحداتهم، ويقلصون مخزون المنازل المعروضة للإيجار، ويدفعون المستأجرين إلى السوق.
قال آلان تشيونغ، المدير التنفيذي للأبحاث في "سافيلز" (Savills): "في بداية الوباء، توقَّع الناس تصاعد احتماليات حدوث انكماش. لكن مَن كان يتوقَّع العكس؛ فقد أصبح التضخم المستوطن حديث المدينة الآن".
ارتفاع الطلب
توقَّع تشيونغ أن تشهد الشقق التي تتراوح تكلفة إيجارها الشهري بين 2500 و4000 دولار سنغافوري (1800 دولار إلى 2900 دولار) أكبر ضغط تصاعدي وسط ارتفاع الطلب. و شهدت بعض الوحدات في هذا العام وحده نمواً في الإيجارات بما
لا يقل عن 10-15%.
كما بدا البنك المركزي حذراً. إذ قفزت إيجارات المنازل بنسبة 7.1% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، بسبب انخفاض الوظائف الشاغرة، بحسب ما قالت سلطة النقد في سنغافورة في استعراضها للاستقرار المالي هذا الشهر. وبرغم أنَّ العرض ما يزال مناسباً إلى حدٍّ ما، قال البنك المركزي: "هناك المزيد من الانخفاضات في معدل المنازل الشاغرة، والتي يمكن أن تؤدي إلى زيادة حادة في الإيجارات".
إيجارات مكاتب سنغافورة تتجه لتفوق مستويات هونغ كونغ نتيجة الوباء
قفز مؤشر أسعار الإيجارات إلى 111.3 نقطة في الربع الثالث من عام 2021، وهو أعلى مستوى منذ الربع الأول من 2015، بحسب أرقام هيئة إعادة التطوير الحضري.
ترتبط سنغافورة بباريس باعتبارها ثاني أغلى مدينة في العالم، وفقاً لتصنيفات وحدة المعلومات الاقتصادية لتكلفة المعيشة لعام 2021. كما تمتلك الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا واحدة من أغلى أسواق العقارات. دفع ارتفاع أسعار المساكن والمبيعات السلطات إلى فرض جولة جديدة من إجراءات التبريد في وقت سابق من هذا الشهر، تستهدف بشكل أساسي مشتريات المستثمرين والأجانب.
الأثرياء يشعلون موجة "هوَس عقاري" في سنغافورة خوفاً من التضخم
على عكس المراكز المالية العالمية الأخرى، مثل نيويورك ولندن؛ لم يكن لدى سكان الجزيرة الصغيرة خيار الانتقال إلى الريف للهروب من الوباء. وهذا يعني أنَّ الطلب على الشقق المؤجرة ظل مرتفعاً، مما سمح لملاك العقارات بزيادة الرسوم.
قالت كريستين صن، النائبة الأولى للرئيس لشؤون الأبحاث والتحليلات في "أورانج تيي آند تاي" (OrangeTee & Tie)، إنَّ المغتربين في المدينة هم الأكثر تضرراً نظراً لأنَّ العديد منهم يفضلون الشقق الخاصة. وبرغم أنَّه يمكنهم استئجار وحدات عامة، لكن ما يزال معظمهم يختارون المنازل الخاصة بسبب وسائل الراحة مثل حمامات السباحة وملاعب التنس، فضلاً عن قربهم من أماكن عملهم في وسط المدينة.
مشاكل المغتربين
أصبح شراء منزل في سنغافورة أكثر تكلفة للأجانب بعد أن رفعت الحكومة رسوم الطوابع كجزء من خطوات التبريد الجديدة. يقيم بعض الوافدين الذين انتقلوا مؤخراً إلى المدينة في شقق فندقية في الوقت الحالي أثناء البحث عن صفقات إيجار جيدة.
يتطلع آخرون، مثل المواطن الأمريكي شيف شارما، إلى استيعاب ارتفاع الأسعار. توقَّع وكيل العقارات الشهر الماضي المدير التنفيذي الأول في "ستوكتويتس" (Stocktwits) - وهي منصة وسائط اجتماعية للمستثمرين - والذي يقيم في سنغافورة منذ عامين، "زيادة كبيرة في الإيجار" عند تجديد عقد إيجاره في مارس.
"المشكلة أنَّ زوجتي حامل، ومن المقرر أن تلد في فبراير". وأضاف شارما: "لذلك، سيكون من الصعب الانتقال مع مولود جديد. لو لم يكن الأمر كذلك، كنت سأبحث بالتأكيد عن صفقة أفضل في مكان آخر في حال تم رفع إيجار منزلي الحالي".
سنغافورة تكتشف حالات "أوميكرون" جديدة.. وتؤكد: انتشار المتحور مسألة وقت
مع اقتراب العام الجديد؛ يتوقَّع المحللون أن يبقى المعروض من الإيجارات شحيحاً. ومن المرجح أن يستمر التأخير في البناء، إذ تكبح سنغافورة تدفق عمال البناء المهاجرين وسط حالة من عدم اليقين بشأن سلالة أوميكرون.
وقال تشيونغ: "لا نتوقَّع عودة إيقاع سوق التأجير إلى أي مكان قريب من حيث كان قبل تفشي الوباء خلال عام 2022 حتى 2023".