مثّل بيع موقع ثكنات "تشيلسي" في لندن صفقة ذات قيمة قياسية للعقارات البريطانية أثارت الجدل للدرجة التي وصلت إلى معارضة ملكية، وإعادة تصميم بتكلفة مرتفعة، وانقسام حاد مع شركة التطوير العقاري المشاركة في المشروع. لكن بعد 14 سنة شهدت السوق تباطؤاً خلالها؛ هناك العديد من المؤشرات على أنَّ "تشيلسي باراكس" التابعة لشركة "الديار القطرية للاستثمار العقاري" أحرزت تقدماً ملحوظاً.
بلغت المبيعات العقارية في المشروع الذي يقع غرب لندن نحو 200 مليون جنيه إسترليني (265 مليون دولار) هذا العام ليرتفع إجمالي مبيعات المشروع إلى نحو 683 مليون جنيه، بحسب متحدثة باسم "تشيلسي باراكس" التي أشارت إلى اكتمال تشييد نحو 80 منزلاً فخماً، والانتهاء من بيع 92% من العقارات الجاهزة.
وقال ريتشارد أوكس كبير مسؤولي المبيعات والتسويق في "الديار القطرية": "كان عام 2021 ناجحاً للغاية بالنسبة لمشروع "تشيلسي باراكس" وسط بيئة عالمية مليئة بالتحديات".
بعد إنفاق أكثر من مليار دولار على تطوير موقع الثكنات العسكرية سابقاً في عام 2008، يشهد المشروع إبرام العديد من الصفقات مع أصحاب المنازل الأكثر ثراءً في العالم من تركيا إلى هونغ كونغ.
بلغ متوسط سعر البيع نحو 4200 جنيه للقدم المربع حتى الآن وفقاً لما ذكرته المتحدثة باسم الشركة؛ أي حوالي 3 أضعاف متوسط الأسعار في منطقة "بلغرافيا" المحيطة، والتي تعد واحدة من أغلى المناطق في لندن، وفقاً لبيانات "لون ريس" (LonRes).
توفر "تشيلسي باراكس" للمشترين المحتملين كل أشكال الرفاهية، إذ تقدم أنواعاً جديدة من الورود، والأثاث المصنوع حسب الطلب، بالإضافة إلى منتجع صحي خاص بمساحة 13000 قدم مربع يمثل أحد أشكال الرفاهية باهظة التكلفة التي كان من الصعب بيعها في لندن خاصة منذ بلغت السوق ذروتها في 2014.
باعت شركة "الديار" الذراع العقارية لصندوق الثروة السيادية القطري شققاً سكنية مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني على الأقل؛ في حين بلغت الأسعار 20 ضعف هذا المبلغ لأفخم العقارات في المشروع. ومع استمرار انتشار الوباء في جميع أنحاء العالم، وظهور نقاط ساخنة كملاذ آمن للثروات، سيستغرق الأمر سنوات قبل أن ترى قطر ما إذا كان رهانها على استمرار لندن كملاذ للأثرياء حول العالم سيؤتي ثماره.
يعد كريستيان كاندي أحد أشهر ملاك العقارات في لندن، وهو من كبار المشترين الذين ساهموا بجزء كبير من المبيعات. وكان قد سجّل لتطوير الموقع قبل أن يبيع حصته إلى "الديار القطرية" في عام 2010. وتظهر الإفصاحات شراء كاندي 6 عقارات مقابل 75.4 مليون جنيه إسترليني من خلال شركة تدعى "ويسلر سكوير". وقد نشرت صحيفة "التايمز" مشتريات كاندي في المشروع في وقت سابق.
يعكس تسارع وتيرة المبيعات التقدم التدريجي الذي تحرزه "الديار القطرية".
لاقت خطط الشركة الأصلية للأبراج السكنية الفاخرة المصنوعة من النحاس والخرسانة بالتعاون مع "كاندي" معارضة من وريث العرش الأمير تشارلز الذي وصفها في رسالة يعترض فيها على عروض المشروع بأنَّها "مجنونة". وقد سحبت الشركة الخطط في وقت لاحق، مما دفع شركة كاندي "سي بي سي غروب" لمقاضاة "الديار القطرية".
بدأت أعمال تطوير 190 منزلاً في نهاية عام 2013 بالتزامن مع بدء ركود العقارات التي كافحت كي تتعافى من جديد بعد زيادة الضرائب على المشتريات.
قال روبرت دي فورغ، رئيس التطويرات الرئيسية في وسط لندن لشركة الوساطة العقارية "نايت فرانك": "أعتقد أنَّ عام 2014 شهد ذروة السوق، وبعدها تغير الوضع بعد فرض الرسوم"، وما أعقبها من اضطرابات سياسية للتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أضاف فورغ: "كانت هناك لحظات قبل 3 أو 4 سنوات تساءلنا فيها؛ هل سنفقد مكانتنا كمدينة عالمية؟ "
أشارت "لون ريس" إلى تراجع قيمة العقارات في ضواحي لندن بعد الذروة؛ فقد انخفض متوسط سعر المنزل في "بلغرافيا" بنسبة 23% خلال السنوات السبع الماضية.
سيولة جديدة
كان من الصعب التنبؤ بحدوث تلك التراجعات قبل أكثر من عقد عندما أنفقت قطر بسخاء على تطوير بعض العقارات الأكثر ترفاً في العالم. وشمل ذلك دفع 959 مليون جنيه إسترليني لشراء موقع ثكنات "تشيلسي" عام 2007 بما يعادل أكثر من 3 أضعاف ما توقَّعت الحكومة البريطانية جمعه، لتسجل أغلى صفقة بيع للأراضي السكنية في التاريخ البريطاني في ذلك الوقت.
جاءت الصفقة ضمن الاتجاه لبناء منازل لأثرياء العالم في وسط لندن. ذلك الاتجاه الذي بدأه كريستيان وشقيقه نيك كاندي بإنشاء "وان هايد بارك" الذي شهد بيع "بنتهاوس" يتكوّن من 5 غرف نوم مع غرفة مخصصة للشمبانيا مقابل 175 مليون جنيه إسترليني هذا العام. وكانت شركة يسيطر عليها رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني أحد المشاركين في هذا التطوير.
بدا الاستحواذ على موقع "تشيلسي" مبشراً. فبحلول العام 2007؛ كانت العقارات الرئيسية في لندن الأغلى في العالم، وتشهد وتيرة نمو متسارعة.
اقرأ أيضاً: حمد بن جاسم منكشف على "غرينسل" المنهارة
وتقول يولاند بارنز الباحثة العقارية في "يونيفرسيتي كوليدج لندن"، إنَّه بعد عام من الركود القصير الذي سببته الأزمة المالية العالمية، كان أثرياء العالم يبحثون مرة أخرى عن ملاذ آمن لحفظ الأموال. تضيف بارنز: "كانت فترة ازدهار حقيقية شهدت على مدار 6 سنوات نمواً غير عادي".
تعافي المبيعات
يمكن ملاحظة تداعيات تلك الطفرة في أنحاء لندن كافة. وبحسب "نايت فرانك"، هناك أكثر من 23 مشروعاً تم تصنيفها على أنَّها "فائقة الجودة" بلغ فيها سعر الطلب ما يزيد عن 3000 جنيه للقدم المربع.
وبحسب جو إكليس، مؤسس وكالة الشراء "إيكورد"، "هناك العديد من المواقع فائقة الجودة قيد الإنشاء، أو على وشك الانتهاء تشهد مبيعات جيدة"، وهناك "سباق للشراء في أفضل المشاريع، وأفضل الوحدات والحصول على الأصول الفاخرة".
جلب الوباء وقتاً عصيباً لسوق العقارات الفاخرة بشكل خاص، فقد تراجع المشترون الدوليون لأدنى مستوى منذ أكثر من عقد، في حين ارتفعت الأسعار بأسرع وتيرة منذ عام 2015 بسبب العدد المحدود من المنازل الفاخرة المتاحة للبيع، بحسب "نايت فرانك".
ووفقاً للباحثة العقارية بارنز؛ فإنَّ منطقتي "مايفير وبلغرافيا لديهما تاريخ طويل كونهما من أغنى المجتمعات السكنية في بريطانيا" ومن المرجح أن تكون لهما قيمتهما. وتقول: "السؤال لـ"تشيلسي باراكس": هل يكفي تطوير جزء جديد من بلغرافيا لمواصلة إحراز التقدم؟".