بعد عام من تحليق أسعار المنازل والمعاناة في توفير مواد بنائها الأساسية مثل الأخشاب، اغتنم مشترو الوحدات السكنية وشركات البناء الفرصة في أوائل العام الحالي، من أجل التقاط الأنفاس وإعادة تقييم الأوضاع في السوق العقاري.
أعقبت ذلك شهور قليلة انخفضت فيها مبيعات المنازل الجديدة وتصاريح البناء، وارتفع مخزون المنازل القائمة، وانتهت الزيادة التاريخية في أسعار الأخشاب.
اقرأ أيضاً: توقعات بأرباح قياسية لشركات إنتاج الأخشاب بأمريكا الشمالية
وحالياً، تتغير الأوضاع مرة أخرى، في إشارة إلى أن حالة السوق ربما تعود إلى طبيعتها بدرجة ما في عام 2022، باستقرار الإنتاج ومستوى العرض، لمقابلة طلب حقيقي وقوي على المنازل، مع زيادة مستوى الأسعار بمعدلات طبيعية.
تأتي هذه الموجة الجديدة من التفاؤل فيما تستمر تأثيرات تباطؤ القطاع خلال العام الحالي في تحريك السوق. فقد أعلنت أربع من شركات بناء المنازل مؤخراً، أنها خالفت الجدول الزمني في تسليم الوحدات خلال الربع الحالي. وانخفضت مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 30% منذ يناير الماضي، بينما لا توجد لدى كثير من شركات البناء وحدات للبيع في بعض المناطق. وتراجعت أعداد تراخيص البناء بنسبة 15% خلال الفترة بين شهري يناير ويونيو، مع ارتفاع أسعار المواد، مثل الأخشاب، حتى دفعت بعض الشركات إلى تأجيل مشروعاتها إلى حين استقرار الأسعار. وفي أغسطس الماضي، انخفض مؤشر سوق العقارات الذي يصدره "الاتحاد الوطني لبناة المساكن" في الولايات المتحدة، والذي يقيس مشاعر الثقة وسط شركات البناء، إلى أدنى مستوى في اثني عشر شهراً.
اقرأ المزيد: مستثمرو العقارات يهجرون لندن إلى المساحات الخضراء والأرباح المرتفعة
وفي حين يحتمل أن تستمر مشكلة سلاسل التوريد وبعض الضغوط التي تواجه المخزون خلال العام القادم، يبدو أن بناة المساكن وعملاءهم أصبحوا أكثر ارتياحاً إلى الأوضاع القائمة. فقد ارتفعت طلبات قروض الرهن العقاري بهدف شراء وحدات سكنية على مدى الشهرين الماضيين، بعد تدهورها منذ يناير وحتى نهاية يوليو الماضي، وسجلت خلال الأسبوع الجاري أعلى مستوى لها منذ شهر أبريل الماضي.
سوق قوي
حتى وإن كانت السوق قد هدأت قليلاً مقارنة مع بداية العام، فمازالت في وضع قوي تاريخياً - ودليل ذلك أن نسبة المساكن التي شهدت انخفاضاً في أسعارها في السوق مازالت أقل في هذه الفترة من العام مقارنة بالفترة المماثلة في أي سنة أخرى، ما عدا سنة 2020. وقد ارتفع مؤشر سوق العقارات الذي يصدره "الاتحاد الوطني لبناة المساكن" بمقدار نقطة واحدة خلال الشهر الجاري - في أول إشارة إلى استقرار السوق منذ أشهر عدة - بما يشير إلى أن مشكلة سلاسل التوريد أو مشكلة الطلب على المساكن، لا تزداد تدهوراً على الأقل.
إن أحد أسباب استمرار الطلب والأسعار عند مستوى مرتفع، هو أن هذه الأسعار مازالت في متناول القدرة الشرائية - وربما يكون ذلك مفاجئاً للمتابعين الذين يتساءلون كيف يكون ذلك في ضوء نسبة الزيادة التي طرأت على أسعار المساكن منذ بداية عام 2020. لذلك نقوم بحسابها: على مدى العامين الماضيين ارتفع متوسط الأجر في الساعة بالنسبة إلى العمال بنحو 10%. وفي هذه الأثناء، انخفض متوسط أسعار فائدة قروض الرهن العقاري الثابتة على مدى 30 عاماً بنحو 0.7%، ومعنى ذلك أن القدرة الشرائية للعامل العادي قد ارتفعت بنسبة 16% تقريباً.
في ضوء زيادة المداخيل وتراجع أسعار فائدة الرهن العقاري، يحافظ المشترون على قدرتهم على سداد الأقساط الشهرية للقروض العقارية، رغم أن ارتفاع أسعار المساكن يجعل تكلفة الدفعة الأولى مقدّماً، أشد إرهاقاً. كذلك فإن الزيادة المفاجئة في القيمة الإيجارية تجعل خيار شراء المنازل أكثر جاذبية مقارنة بأوضاع السوق في وقت سابق من العام.
يعتقد بناة المساكن أيضاً -أو ربما يأملون- أنهم سيبدؤون في مشاهدة إشارات على تحسن سلاسل التوريد بحلول منتصف 2022. ولدى إعلانها عن نتائج الأعمال خلال الأسبوع الجاري، توقعت شركة "لينار" (Lennar)، وهي إحدى شركات البناء الكبرى في الولايات المتحدة، أن تنحسر هذه المشكلات بحلول الربع الثاني من عام 2022. وقالت الشركة إن انخفاض أسعار الأخشاب سوف يعوض الزيادة في التكاليف الأخرى في منتصف العام المقبل، ويتيح الفرصة لزيادة هامش الأرباح حتى في بيئة يسودها ارتفاع الأسعار بمعدلات طبيعية.
استنتاجات اقتصادية
ربما تنطوي هذه النظرة الاستشرافية على استنتاجات اقتصادية أوسع نطاقاً. فقصة الاقتصاد الأمريكي خلال العام الحالي هي قصة طلب قوي اصطدم باقتصاد أدماه انتشار جائحة كورونا، فأصبح لا يمتلك الطاقة الإنتاجية التي تكفي لمواجهة التحدي. وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار، ونقص المخزون، وأزمات سلاسل التوريد، وانخفاض توقعات النمو الاقتصادي الآن مقارنة مع بداية العام.
غير أنه كانت أمام الشركات أشهر عدة تكفيها لتشخيص المشكلات التي تواجهها، وإجراء التعديلات المطلوبة والتخطيط للعام المقبل، عندما يتحسن أداء سلاسل التوريد أو توقعات الإنتاج. وطالما استمر مستوى الطلب قويا - وهو ما تشير إليه ثروة القطاع العائلي ومستويات الدخل - فإن أداء الاقتصاد سوف يتحسن في عام 2022، وسيكون أكثر سلاسة مما كان عليه خلال فترة طويلة من عام 2021.