تجبر أسعار العقارات المرتفعة الناس في جميع أنحاء العالم على التخلي عن كلِّ أمل في امتلاك منزل، وتُزلزل التداعيات الحكومات من جميع الانتماءات السياسية.
عزز وباء كورونا هذه الظاهرة، ولا يقتصر الأمر على المشترين فقط، إذ ارتفعت الإيجارات أيضاً في العديد من المدن، والنتيجة هي أنَّ القضية الأبدية المتعلِّقة بتكاليف الإسكان أصبحت قضية عدم مساواة حادة في الإسكان، ويتعرَّض جيل بأكمله لخطر التخلف عن الركب.
يقول مايكل مولر، عمدة برلين: "نشهد عزل قطاعات من المجتمع عن أجزاء من مدينتنا، لأنَّهم لم يعودوا قادرين على تحمُّل تكاليف الشقق.. وهذا هو الحال في لندن وباريس وروما، وحالياً للأسف بشكل متزايد في برلين".
أزمة القرن
هذا الإقصاء يجعل من قطاع الإسكان خط صدع جديد في السياسة بشكل سريع، وهو خط له تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، ووصف رئيس نقابة "فيردي" الألمانية الإيجار بأنَّه أزمة القرن الواحد والعشرين المشابهة لأزمة سعر الخبز التي كانت محرِّكاً تاريخياً للاضطرابات الاجتماعية.
ويُلقي الساسة بكل أنواع الأفكار حول المشكلة، بدءاً من تحديد سقفٍ للإيجارات، مروراً بالضرائب الخاصة على ملَّاك العقارات، وتأميم الممتلكات الخاصة، ووصولاً إلى تحويل مساحات المكاتب الشاغرة إلى مساكن، ولا يوجد دليل في أيِّ مكان على حلٍّ سهل أو مستدام.
مشكلة عالمية
في كوريا الجنوبية، تعرَّض حزب الرئيس، مون جاي إن، لهزيمة في انتخابات البلدية العام الجاري بعد فشله في معالجة زيادة بنسبة 90% في متوسط سعر الشقق السكنية في سيول منذ توليه المنصب في مايو 2017، وحذَّر مرشح المعارضة الرئيسي لانتخابات الرئاسة العام المقبل من انهيار محتمل في سوق الإسكان مع ارتفاع الفائدة.
وكثَّفت الصين القيود على قطاع العقارات العام الجاري، وتتزايد التكهنات بفرض ضريبة على العقارات لخفض الأسعار، وبلغت تكلفة شقة في شينزين، مكافِئة سيليكون فالي في الصين، 43.5 ضعف متوسط راتب المقيم، وفقاً للبيانات المعدلة في يوليو، وهو تفاوت يساعد في تفسير حملة الرئيس، شي جين بينغ، من أجل "الرخاء المشترك".
أما في كندا، وعد رئيس الوزراء، جاستن ترودو، بفرض حظر لمدَّة عامين على المشترين الأجانب في حالة إعادة انتخابه.
اقرأ أيضاً: فقاعة العقارات العالمية تُطل برأسها مجدداً وتضع البنوك المركزية في مأزق
أرقام قياسية
دفع الوباء سوق الإسكان العالمية إلى تسجيل أرقام قياسية جديدة على مدار الـ 18 شهراً الماضية نتيجة التقاء عدَّة عوامل، مثل: معدلات الفائدة المنخفضة للغاية، وندرة إنتاج المساكن، والتحوُّلات في الإنفاق الأسري، والعدد الأقل من المنازل المعروضة للبيع، و برغم أنَّ ذلك نعمة للمالكين الحاليين، إلا أنَّ المشترين المحتملين يجدون صعوبة أكبر في دخول السوق.
ما نشهده هو "حدث كبير لا ينبغي غض الطرف عنه أو تجاهله"، بحسب ما كتبه دون لايتون، المدير التنفيذي السابق لعملاق الرهن العقاري الأمريكي "فريدي ماك"، في تعليق للمركز المشترك لدراسات الإسكان بجامعة هارفارد.
في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسعار المنازل الاسمية بأكثر من 30% عن ذروتها السابقة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تهدِّد السياسات الحكومية التي تستهدف تحسين القدرة على تحمُّل التكاليف والترويج لامتلاك منازل بتغذية الارتفاع في الأسعار، مما يُبعد المشترين لأول مرة أكثر، بحسب ما قال لايتون.
أحلام تذهب مع الريح
والنتيجة، سواء في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، هي اتساع الفجوة بين جيل الطفرة السكانية، الذين من المرجح إحصائياً امتلاكهم المنازل، وجيل الألفية وجيل "زي" الذين يراقبون أحلامهم في الشراء تذهب مع الريح.
وقد تزرع ديون الإسكان الحالية بذور الأزمة الاقتصادية التالية، إذا بدأت تكاليف الاقتراض في الارتفاع، وصنف نيراج شاه من "بلومبرغ إيكونوميكس" الدول الأكثر تعرُّضاً لخطر حدوث فقاعة عقارية، ويقول، إنَّ مقاييس المخاطر "تومض بإشارات تحذيرية" بشدة لم نشهدها منذ الفترة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008.
وفي البحث عن حلول، يتعيَن على الحكومات محاولة تجنُّب معاقبة المستأجرين أو أصحاب المنازل، وهي مهمة لا تُحسد عليها.
وانهارت الحكومة السويدية في يونيو بعد أن اقترحت تغييرات للتخلي عن الضوابط التقليدية، والسماح للسوق بتحديد المزيد من الإيجارات.
انتفاضة اجتماعية
في برلين، ألغت المحكمة محاولة لترويض الزيادات في الإيجارات، وجمع النشطاء ما يكفي من التوقيعات لفرض استفتاء على مصادرة الممتلكات من كبار الملَّاك من القطاع الخاص، وسيجري التصويت على الاقتراح في 26 سبتمبر، وأعلنت حكومة المدينة يوم الجمعة أنَّها ستشتري ما يقرب من 15 ألف شقة من اثنين من كبار مالكي العقارات مقابل 2.46 مليار يورو (2.9 مليار دولار) لزيادة المعروض.
حتى أنَّ أنتوني براك من مركز الأبحاث "سنتر فور سيتيز" طرح حجة تربط بين الإسكان وتصويت بريطانيا عام 2016 على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وخلُص إلى أنَّ اللامساواة في الإسكان "تشوش سياستنا".
وكما تظهر هذه القصص من جميع أنحاء العالم، فهذه وصفة للانتفاضات الاجتماعية.
الأرجنتين
مع بلوغ معدل التضخم السنوي نحو 50%؛ فإنَّ ارتفاع الأسعار ليس غريباً على أبناء الأرجنتين، لكن بالنسبة لسكان بوينس آيرس مثل لوسيا تشولاكيان؛ فإنَّ زيادة الإيجارات تضيف ضغوطاً اقتصادية، ومعه سخط على السياسة.
مثل الكثيرين خلال الوباء، انتقلت الكاتبة البالغة من العمر 28 عاماً، والأستاذة الجامعية مع شريكها من شقة في وسط المدينة إلى حي سكني بحثاً عن مساحة أكبر، وفي العام الذي مر منذ ذلك الحين، تضاعف إيجارها أكثر من ثلاثة أضعاف جنباً إلى جنب مع الفواتير التي تلتهم حوالي 40% من دخلها، وهذا يحول دون الادخار لشراء منزل.
قالت: "لن نتمكَّن من التخطيط للمستقبل، مثلما فعل آباؤنا مع حلمهم بامتلاك منزل.. والنتيجة هي أنَّ الإيجار والشراء والممتلكات بشكلٍ عام أصبحت بشكل متزايد مشكلة حاضرة لجيلنا من الناحية السياسية".
ضوابط مثيرة للجدل
يهدف التشريع الذي أقره تحالف الرئيس، ألبرتو فرنانديز، إلى منح حقوق أكبر للمستأجرين مثل تشولاكيان، وبموجب القواعد الجديدة؛ تمَّ حالياً تمديد العقود التي كانت تقليدياً لمدة عامين إلى ثلاثة، وبدلاً من تحديد الملاك للأسعار، أنشأ البنك المركزي مؤشراً يحدِّد مقدار ارتفاع الإيجار في العامين الثاني والثالث.
وأثبت التشريع أنَّه مثيرٌ للجدل بشكلٍ كبير مع وجود أدلة على رفع بعض مالكي العقارات الأسعار بشكلٍ مفرط في وقت مبكر لمواجهة حالة عدم اليقين بشأن الزيادات المنظمة في وقت لاحق، ويقوم الآخرون ببساطة بإخراج العقارات من السوق، وأدى تجميد الإيجار بسبب الوباء، والذي فرضته الحكومة إلى تفاقم الضغط.
وانخفضت قوائم تأجير الشقق في مدينة بوينس آيرس بنسبة 12% العام الجاري مقارنة بالمتوسط في عام 2019، وانخفضت بنسبة 36% في المنطقة المحيطة بالمدينة الكبرى، وفقاً للموقع العقاري "زونا بروب".
الأوضاع زادت سوءاً
قالت ماريا يوجينيا فيدال، المحافظة السابقة لمقاطعة بوينس آيرس، وإحدى الشخصيات المعارضة الرئيسية في المدينة، إنَّ القانون "كانت له نوايا حسنة، ولكنَّه زاد من سوء المشكلة، سواء بالنسبة لأصحاب العقارات أو المستأجرين"، وتخوض يوجينيا انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر أمام الاقتصادي، مارتن تيتاز الذي يتعهد بإلغاء التشريع.
قال تيتاز عبر الهاتف: "الأرجنتين بلد عدم اليقين"، لكن مع قواعد الإسكان "أصبح الأمر أكثر غموضاً الآن من ذي قبل".
أقرَّت تشولاكيان، التي صوتت لصالح فرنانديز في عام 2019، بأنَّ إصلاح الإيجارات معيب، لكنَّها تدعم أيضاً منح المزيد من السلطة للمستأجرين بعد الركود الممتد الذي قضى على الدخل.
وإذا كان هناك أي شيء مطلوب، فهي تقول، إنَّ هناك حاجة إلى مزيد من التنظيم لتحقيق التوازن بين طمأنة الملَّاك وجعل الإيجار ميسور التكلفة.
وتقول: "إذا لم يفعلوا شيئاً للسيطرة على هذا في مدينة بوينس آيرس، فلن يتبقَّى سوى الأثرياء".
أستراليا
بصفته ابن الجيل الأول من المهاجرين من رومانيا، ينبغي أن يعيش أليكس فاغاراسان الحلم الأسترالي، وبدلاً من ذلك؛ فهو يشكُّ في آفاقه على المدى الطويل.
يفضِّل فاجاراسان، وهو طبيب صغير يبلغ من العمر 28 عاماً، ويعمل في مستشفى حضري كبير، البقاء في ملبورن بالقرب من والديه، لكنَّ الأسعار تجبره على الخروج من مدينته، ويواجه حالياً حقيقة أنَّه سيتعيّن عليه الانتقال إلى بلدة إقليمية للحصول على موطئ قدم في سوق العقارات.
بعد ذلك، وفي حال سير الأمور على ما يرام، سيصبح أليكس في غضون ثماني سنوات أخرى متخصصاً وقادراً على شراء منزل في ملبورن.
ومع ذلك؛ فهو يعلم أنَّه أحد المحظوظين، إذ إنَّ أصدقاءه الذين ليسوا أطباء "ليس لديهم فرصة" لامتلاك منزل على الإطلاق، وقال: "سيكون جيلي هو أول جيل في أستراليا يؤجِّر لبقية حياته".
ويستأجر فاجاراسان حالياً منزلاً حديثاً يتكوَّن من غرفتي نوم، مع منزلين آخرين في ضاحية نورثكوت الداخلية، وتمَّ تحويل ركن الدراسة إلى غرفة نوم مؤقتة لخفض التكاليف، وينفق حوالي 30% من راتبه على الإيجار، ويصفه بـ"الباهظ".
معارك سياسية
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء، سكوت موريسون، المحافظة عن "خطة شاملة لتحسين تحمُّل تكاليف الإسكان" كجزء من موازنة 2017-2018، بما في ذلك 1 مليار دولار أسترالي (728 مليون دولار) لتعزيز المعروض، لكن لم تنجح الخطة في ترويض الأسعار.
ولم يكن أداء حزب العمل المعارض أفضل بكثير، واقترح إغلاق ثغرة ضريبية مربحة للاستثمار السكني في الانتخابات الأخيرة في عام 2019، وهي سياسة كان من المحتمل أن تؤدي إلى انخفاض أسعار المساكن، لكنَّها أشعلت شرارة هجرة جماعية من الناخبين أصحاب المنازل إلى الليبراليين الحاكمين، وربما ساهمت في خسارة حزب العمال في الانتخابات.
وتلقن الجميع الدروس السياسية، ولا يرى فاغاراسان الكثير من المساعدة فيما يتعلَّق بالإسكان من أيِّ شخص يفوز في الانتخابات الفيدرالية العام المقبل، فبعد كل شيء، يحكم حزب العمال بالفعل ولاية فكتوريا، وعاصمتها ملبورن.
يقول: "لا أشعر أنَّ أياً من الحزبين الرئيسيين يمثِّلان صوت جيل الشباب".
وهو شعور يشاركه فيه ’بن ماثيوز’، وهو مدير مشروع يبلغ من العمر 33 عاماً في إحدى جامعات سيدني، والذي ينتقل للعيش مرة أخرى مع والديه بعد أن أمرهم صاحب المنزل الذي شاركه مع ثلاثة آخرين بالخروج منه، وهي تجربة يقول، إنَّه وجدها مخيبة للآمال ومرهقة خاصة أثناء الوباء.
سيساعده البقاء مع والديه على الأقل على الادخار في وديعة لشراء شقة بغرفة نوم واحدة، ولكن حتى ذلك أقل من خطته الأصلية لشراء منزل من غرفتي نوم حتى يتمكَّن من استئجار الغرفة الأخرى، ويقول، إنَّ زيادات الإيجارات "جنونية للغاية".
ويقول: "قد لا نحصل على الزخم السياسي لإجراء التغييرات إلا بعد حدوث شيء ما".
كندا
بعد أيام من الدعوة إلى إجراء انتخابات، أعلن جاستن ترودو عن خطط حظر لمدَّة عامين على شراء الأجانب للمنازل، وإذا كان المقصود تدخلاً دراماتيكياً من ذلك لإبعاد خصومه، فقد فشل لأنَّهم اتفقوا معه بشكل كبير.
واعتقد رئيس الوزراء أنَّه سيخوض تصويت 20 سبتمبر على خلفية تعامله مع الوباء، لكن بدلاً من ذلك، أصبحت تكاليف الإسكان موضوعاً مهيمناً لجميع الأحزاب.
ويتعهد ليبراليو ترودو بمراجعة الأسعار "المتصاعدة" في الأسواق، بما في ذلك فانكوفر وتورنتو لتضييق الخناق على المضاربة، أما المرشحة المحافظة، إيرين أوتول، تتعهد ببناء مليون منزل في ثلاث سنوات لمعالجة "أزمة الإسكان".
كما يريد زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاغميت سينغ، فرض ضريبة بنسبة 20% على المشترين الأجانب لمواجهة أزمة يصفها بأنَّها "خارجة عن السيطرة".
البحث عن بديل أرخص
وفي مواجهة سباق ضيق بشكل مدهش، يحتاج ترودو إلى جذب الناخبين الشباب في المناطق الحضرية إذا كان لديه أي فرصة لاستعادة أغلبيته، واختار هاملتون، خارج تورنتو، لإطلاق سياسة الإسكان الخاصة به، وبعد أن كانت في يوم من الأيام مكاناً محتمل التكلفة في منطقة تورنتو الكبرى؛ أصبحت تواجه ضغوطاً متزايدة، ويغادر الناس أكبر مدينة في كندا بحثاً عن منازل أرخص.
وبلغ متوسط تكلفة منزل الأسرة الواحدة 932,700 دولار كندي (730,700 دولار) في يونيو، بزيادة قدرها 30% على أساس سنوي، وفقاً لجمعية السماسرة في هاملتون وبيرلينغتون.
وتصف مدينة هاملتون القدرة على تحمُّل تكاليف السكن كأولوية من بين أولوياتها للانتخابات الفيدرالية، ولكن هذا لا يبعث على الارتياح لسارة واردروبر، وهي أم عازبة تبلغ من العمر 32 عاماً لطفلين، وتعمل بدوام جزئي، وتستأجر في الجانب الشرقي من وسط المدينة، وتقول، إنَّ هاملتون تمثِّل "واحدة من أسوأ أزمات الإسكان في كندا".
وفي حين تشيد بالوعود التي ستجعل من الصعب على الأجانب شراء عقارات استثمارية، فهي تشكِّك في الإجراءات التي قد تثني أصحاب المنازل عن تأجير عقاراتهم، ويتضمَّن ذلك محاولة ترودو لفرض ضريبة على أولئك الذين يبيعون في غضون 12 شهراً من شراء المنزل.
كما أنَّها غير مقتنعة بخطط توفير الإسكان معقول التكلفة، معتبرةً إياها جديرة بالاهتمام، ولكنَّها في الأساس حل قصير المدى عندما تكون المشكلة الحقيقية هي "خروج الاقتصاد عن نطاق السيطرة، فقد ارتفعت تكاليف المعيشة عموماً بشكل كبير".
تقول واردروبر، إنَّ مجتمعها ذي الدخل المنخفض تقليدياً أصبح حياً فاخراً في تورنتو.
قالت: "ليس لدي نوع الوظيفة اللازمة لشراء منزل، لكن لدي الطموح والدافع لذلك.. أريد بناء مستقبل لأولادي، وأريدهم أن يكونوا قادرين على شراء منازل، لكن بالطريقة التي تسير بها الأمور حالياً لا أعتقد أنَّ ذلك سيكون ممكناً".
سنغافورة
في عام 2011، ساهم السخط العام حول ارتفاع أسعار المساكن في الدولة المدينة فيما كان في ذلك الوقت يشكِّل أسوأ انتخابات برلمانية للحزب الحاكم منذ أكثر من خمسة عقود في السلطة.
وبرغم احتفاظ حزب العمل الشعبي بالغالبية العظمى من المقاعد في البرلمان، كان ذلك بمثابة دعوة للاستيقاظ، وهناك دلائل على أنَّ الضغط يتراكم مرة أخرى.
وارتفعت أسعار المنازل الخاصة بأكبر قدر خلال عامين، وفي النصف الأول من عام 2021، أنفق المشترون، بمن فيهم الأجانب من فاحشي الثراء، بسخاء 32.9 مليار دولار سنغافوري (24 مليار دولار) على المنازل، وفقاً لـ"إي آر أيه ريالتي نتوورك"، ومقرّها سنغافورة، وهذا ضعف المبلغ المسجَّل في مانهاتن خلال الفترة نفسها.
مساكن حكومية
ومع ذلك؛ يعيش ما يقرب من 80% من مواطني سنغافورة في المساكن العامة التي تروِّج لها الحكومة منذ فترة طويلة كأصل يمكنهم بيعه للارتقاء في حياتهم.
وهو نموذج جذب انتباه دول من بينها الصين، ولكنَّه أيضاً نموذج يتعرَّض لضغوط وسط جنون في سوق إعادة البيع، وتشبه المنازل التي بنتها الحكومة في سنغافورة إلى حدٍّ ما التجمعات الحضرية منخفضة الدخل في أماكن أخرى.
وفي الأشهر الخمسة الأولى من العام، بيعت 87 شقة عامة قياسية مقابل مليون دولار سنغافوري على الأقل، وهذا يثير مخاوف بشأن القدرة على تحمُّل التكاليف حتى بين الميسورين نسبياً.
يتخلى أليكس تينغ، المصرفي المبتدئ، البالغ من العمر 25 عاماً، عن المساكن العامة المبنية حديثاً، لأنَّها تعني عادةً الانتظار لمدة ثلاث إلى أربع سنوات، وبموجب القواعد الحكومية للعزاب، لا يستطيع تينغ شراء شقة عامة، إلا عندما يبلغ من العمر 35 عاماً على أيِّ حال.
ومنزل أحلامه هو شقة قد أُعيد بيعها بالقرب من والديه، ولكنَّ عدم التوافق بين العرض والطلب يجعل حلمه بعيد المنال.
وبرم فرض الحكومة لقيودٍ على أصحاب المنازل الثانية والمشترين الأجانب، فقد أصبح الشباب مثل تينغ يستسلمون لحدود ما يمكنهم فعله.
ويطمح معظم السنغافوريين إلى امتلاك عقاراتهم الخاصة، وتشكِّل ندرة المساكن والارتفاع في الأسعار عقبة أخرى أمام تحقيق هدفهم، كما تقول نيديا نجيو، مديرة أولى في شركة "باور غروب آسيا"، ومقرّها سنغافورة، وهي شركة استشارية للسياسات الإستراتيجية.
وحذَّرت من أنَّه إذا لم يتم التصدي لهذا التحدي؛ "فقد يؤدي بدوره إلى استياء على المدى الطويل تجاه الحزب الحاكم".
التصويت للمعارضة
وهذا احتمال غير مريح لحزب العمل الشعبي، حتى في الوقت الذي تواجه فيه المعارضة حواجز أمام الفوز بمقاعد برلمانية، لكن يخضع الحزب الحاكم بالفعل للتدقيق بسبب خطة خلافة القيادة المتعثرة، وقد تزيد تكاليف الإسكان من الضغط.
قد يعبر الناخبون الأصغر سناً عن استيائهم بالابتعاد عن حزب العمل الشعبي، وفقاً لتينغ، وقال: "في سنغافورة الشكل الوحيد للاحتجاج الذي يمكننا القيام به هو التصويت للمعارضة".
إيرلندا
كلير كيران منفتحة بشأن دور الإسكان في فوزها بمقعد في البرلمان الإيرلندي، المعروف باسم "دويل أيرن".
كانت كيران، 29 عاماً، واحدة من عدد كبير من نواب حزب "شين فين" الذين دخلوا الحزب العام الماضي، بعد أن فاز الحزب بشكلٍ غير متوقَّع بأكبر عدد من أصوات التفضيل الأول على حساب القوى السياسية المهيمنة في إيرلندا؛ فاين جايل، وفيانا فيل.
في حين مضى الحزبان الرئيسيان في تشكيل حكومة ائتلافية، كانت النتيجة زلزالاً سياسياً، وكان حزب "شين فين" يسبق الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، ومع ذلك؛ فقد كسب أتباعاً نتيجة سياسته للإسكان أكثر من جهوده نحو إيرلندا الموحَّدة.
وتقول كيران، التي تمثِّل دائرة روسكومون غالواي البرلمانية: "كان الإسكان بالتأكيد قضية رئيسية في الانتخابات، وأعتقد أنَّ سياساتنا وطموحاتنا للإسكان لعبت دوراً في نجاحنا في الانتخابات".
فقاعة الإسكان
و ماتزال إيرلندا تحمل ندوب الانهيار الناتج عن فقاعة الإسكان التي انفجرت خلال الأزمة المالية، ويعني النقص في المنازل ذات الأسعار المعقولة ارتفاعاً في الأسعار مرة أخرى.
واقترح حزب "شين فين" بناء 100 ألف منزل اجتماعي وبأسعار معقولة، وإعادة فرض الحظر الذي كان مفروضاً خلال الوباء على عمليات الإخلاء وزيادة الإيجارات، وسنَّ تشريع للحدِّ من الفائدة التي يمكن للبنوك فرضها على الرهون العقارية.
وضربت هذه السياسات وتراً حساساً، و أظهر أحدث استطلاع أجراه "آيرلش تايمز إبسوس إم آر بي آي"، في يونيو، أنَّ "شين فين" يتصدَّر جميع الأحزاب الأخرى، وأشار 21% من المشاركين إلى أنَّ أسعار المنازل هي القضية التي من المرجح أن تؤثِّر على تصويتهم في الانتخابات العامة المقبلة، وهي النسبة نفسها التي استشهدت بالاقتصاد، ولم تتفوَّق سوى الرعاية الصحية على الإسكان باعتبارها مصدر قلق.
يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك كافياً لتقويض شعبية حزب "شين فين"، ومع ذلك؛ في شمال الحدود، يتقدَّم "شين فين" باستمرار في الاقتراعات السابقة لانتخابات مجلس إيرلندا الشمالية المقرر أن تجري بحلول مايو، مما يضعه في المسار الصحيح لترشيح أول وزير في المنطقة لأول مرة منذ إنشاء المجلس التشريعي كجزء من اتفاقية سلام "الجمعة العظيمة" في 1998.
و برغم كل العقبات العديدة التي ماتزال قائمة أمام إعادة التوحيد، يمكن القول، إنَّ "شين فين" أقرب مما كان عليه في أيِّ وقت مضى لتحقيق هدفه التأسيسي عبر دعم الجهود لتوسيع إمكانية الحصول على منزل.
كما تقول كيران: "أسر قليلة، إنْ وجدت، لم تتأثَّر بطريقة ما بأزمة الإسكان".