تتضاعف التحذيرات من أنَّ حملة الصين لتهدئة سوق العقارات الصينية ستزيد عن حدِّها.
وفي هذا الصدد، يطلق الاقتصاديون في شركة "نومورا هولدينغز" على القيود الصينية اسم "لحظة فولكر" التي ستضر بالاقتصاد، وذلك لأنَّ ضغوط الائتمان في قطاع العقارات "عدوانية بشكل غير ضروري"، وقد تؤثر على الطلب والاستهلاك الصناعيين، وذلك بحسب ما كتب اقتصاديون في "بنك أوف أمريكا". كما حذَّر اقتصادي صيني بارز من أزمة محتملة في حال انخفاض قيمة المساكن إلى ما دون الرهون العقارية.
ويُعدُّ استقرار سوق الإسكان في الصين تحت شعار "الإسكان للعيش وليس للمضاربة" إحدى الحملات العديدة التي يشنها الرئيس شي جين بينغ ضمن إطار سعيه لتقليل تكلفة معيشة الأسرة، ونزع فتيل المخاطر في النظام المالي. ومع ذلك، فهو أيضاً أحد أصعب الأهداف التي يجب تحقيقها، نظراً للأهمية الحيوية للقطاع بالنسبة للاقتصاد، إذ يمثِّل أكثر من 28٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
تراجع القروض
وفي الحقيقة، يبدو أنَّ التشديد التنظيمي يؤتي ثماره، وذلك بعد أن حفَّز التيسير النقدي العام الماضي مكاسب الأسعار. كما ارتفعت قروض العقارات بأبطأ وتيرة لها في ثماني سنوات في الأشهر السبعة الأولى من العام، وفقاً للجهة التنظيمية للبنوك والتأمين، في حين انخفض نمو أسعار المنازل إلى أدنى مستوى في ستة أشهر في يوليو.
كما أنَّ الجهود المبذولة لفرض الانضباط بين مطوِّري العقارات المفرطين في الاستدانة شديدة أيضاً. وقد تخلَّفت شركات العقارات عن سداد ديون عالية المردود بقيمة 6.2 مليار دولار حتى منتصف أغسطس، أو ما يزيد بنحو 1.3 مليار دولار عن السنوات الـ 12 السابقة مجتمعة، وفقاً لـ "مورغان ستانلي".
ومع ذلك، يتزايد القلق من أنَّ تأثير مثل هذه السياسات يخرج عن نطاق السيطرة. وترى "نومورا" أنَّ القيود على العقارات مسؤولة عن أكثر من نصف التباطؤ في النمو الاقتصادي بالنصف الثاني من العام. إذ تؤثِّر القيود المفروضة على سوق العقارات أيضاً على بيع مواد البناء والأثاث والأجهزة المنزلية.
ديون "إيفرغراند"
فضلاً عن ذلك، أدى انخفاض الوصول إلى التمويل إلى تفاقم أزمة السيولة في مجموعة "تشاينا إيفرغراند غروب". كما خفَّضت وكالتا "موديز"، و"فيتش" تصنيفاتهما للشركة بشكل أعمق إلى مستوى المخاطر العالية هذا الأسبوع، فقد قالت الأخيرة، إنَّ التخلف عن السداد يبدو "محتملاً". كما تعني التزامات "إيفرغراند" البالغة 305 مليارات دولار أنَّ أي فشل من جانب الشركة يشكِّل تهديداً للنظام المالي.
اقرأ أيضاً: "إيفرغراند" الصينية في ورطة مع اقتراب استحقاق ديون بـ 7.4 مليار دولار
وفي هذا الصدد، كتب مياو أويانغ وهيلين تشياو من "بنك أوف أمريكا" في مذكرة أمس الإثنين: "قد يؤدي التباطؤ السريع في أنشطة قطاع العقارات إلى تأثير كبير غير مباشر. وفي حين كان الدافع وراء تشديد الائتمان هذا هو تثبيت الرافعة المالية، وإعادة التوازن إلى الاقتصاد؛ فإنَّ الخطر يتزايد بسبب عدم استقرار النمو وسط خفض سريع للديون المالية".
قيود موسعة
كما تجدر الإشارة إلى أنَّ الصين استهدفت في الأشهر الأخيرة كل شيء، بدءاً من موافقات الرهن العقاري ومعدلاته للمشترين لأول مرة، وصولاً إلى نمو إيجارات المنازل في المدن وقسط سعر الأرض. فقد طُلِب من البنوك الصينية خفض إقراضها لمشتري المنازل، وعلَّقت عدَّة مدن كبيرة مؤخراً مبيعات الأراضي المركزية. كذلك أعاد المسؤولون في شهر مايو إحياء فكرة ضريبة الممتلكات الوطنية.
ونقلت صحيفة "إيكونوميك ديلي" الرسمية عن لي يانغ رئيس المؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية قوله خلال منتدى يوم 29 أغسطس: "في حال انخفضت قيمة المنازل يوماً ما إلى ما دون قيمة الرهن العقاري، فلن يتمكَّن الناس حتى من سداد ديونهم عن طريق بيع المنازل، وستكون هذه أزمة حقيقية لسوق العقارات".
تشديد شروط التمويل
ربما كان التحوُّل الأكثر وضوحاً هو تشديد شروط التمويل للمطوِّرين من ذوي الاستدانة العالية، الذين يعتمدون على الوصول إلى سوق السندات، والقروض المصرفية، والقروض الائتمانية للسيولة.
ولم تبع شركة "إيفرغراند" –التي كانت فيما مضى شركة الإصدار الخارجي غزيرة الإنتاج – ورقة نقدية واحدة بالدولار منذ يناير 2020.
كما ارتفعت عائدات السندات الدولارية عالية المخاطر في الصين، التي تهيمن عليها شركات العقارات، الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى منذ أن تسبَّبت الجائحة في عمليات بيع في مارس 2020.
وفي الواقع، شكَّلت شركات العقارات حوالي 30٪ من حالات التخلُّف عن السداد في النصف الأول، كما أنَّ بعض سنداتها مدرجة حالياً في القائمة السوداء كضمان داخلي وخارجي.
علاوةً على ذلك، قالت شركة "بينغ آن إنشورانس (غروب)" في أغسطس، إنَّها خصَّصت مبلغ 5.5 مليار دولار كمخصصات متعلِّقة باستثمارها في شركة "تشاينا فورتشن لاند ديفلوبمنت" المتخلِّفة عن السداد.
تباطؤ محتمل للنمو
كذلك كتب الاقتصاديون في شركة "نومورا" بقيادة لو تينغ في تقرير الشهر الماضي: "تحتاج الأسواق على المدى القريب إلى الاستعداد لتباطؤ نمو ملحوظ محتمل، والمزيد من حالات التخلُّف عن السداد للمطوِّرين وحبس الرهن العقاري، وربما بعض الاضطرابات في أسواق الأسهم".
هذا ولا توجد مؤشرات تذكر حتى الآن على أنَّ بكين ستتراجع عن إجراءاتها. ووفقاً لـ "مورغان ستانلي"، قد تجري الحكومات المحلية تعديلات بناءً على الظروف في سوق الإسكان، إلا أنَّها لن تكون قادرة على لمس "الخطوط الأساسية" لقيود شراء المنازل والحدود القصوى لأسعار العقارات.
من جهتهم، كتب محللو "مورغان ستانلي" بقيادة كيلفن بانغ في مذكرة الشهر الماضي: "كان أحد الأغراض الرئيسية لهذه الإجراءات التنظيمية الأخيرة هو تقليل تدفُّقات المضاربة التي تحرِّكها السيولة إلى قطاع العقارات في الصين. ونقترح أن يُظهِر المستثمرون الحذر خلال هذه الفترة التي تتسم بإعادة الضبط التنظيمي لقطاع العقارات في الصين".