تواجه سنغافورة أكبر منافسة حتى الآن لمكانتها كمورِّد مهيمن للوقود البحري في آسيا، إذ تجذب الصين المزيد من السفن إلى شواطئها بعد التوسُّع السريع في الموانئ ومنشآت التكرير لديها.
تضاعفت مبيعات الوقود البحري في الصين -المعروف في الصناعة باسم تموين السفن بالوقود- على مدى السنوات الخمس الماضية، وتعوِّل الدولة على جذب السفن التي تتوجه إلى الموانئ القريبة في الاقتصادات الكبرى، مثل كوريا الجنوبية واليابان.
ما تزال سنغافورة تحتل موقعاً ريادياً كأكبر مورِّد لقطاع تقدَّر قيمته بأكثر من 30 مليار دولار في آسيا، لكن النمو الصيني يتسارع.
الصين بطريقها لإزاحة أمريكا عن عرش تكرير النفط
يقع مركز التزود بالوقود بالصين في تشوشان، وهو أرخبيل إلى الجنوب من شنغهاي على الساحل الشرقي، حيث يتمُّ بناء بعض أحدث وأكبر مصافي النفط الخام في البلاد بالمنطقة، في حين قدَّمت الحكومة حوافز ضريبية تجعل الوقود الصيني أكثر تنافسية.
" تتمتَّع سنغافورة بميزة مقارنة بالموانئ الآسيوية الأخرى في جميع المعايير، و مايزال الأمر كذلك حتى اليوم. ومع ذلك؛ تحاول الموانئ الأخرى ببطء اللحاق بالركب. ومن المؤكَّد أنَّ تشوشان ستستحوذ على حصة من السفن من موانئ شمال شرق آسيا الأخرى"، بحسب جايندو كريشنا، المدير في "دروي ماريتايم أدفايزوري" (Drewry Maritime Advisors).
استعدوا.. فوضى الشحن البحري للحاويات لن تنتهي قريباً
قيود كورونا في جميع أنحاء آسيا تُهدد تعافي الطلب على النفط
عامل الثقة والشفافية
باعت سنغافورة -وهي أيضاً أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود في العالم- حوالي 50 مليون طن من وقود السفن في 2020، أو خُمس الإجمالي العالمي. وتقدِّر "أويلكيم" للاستشارات ( OilChem) ارتفاع مبيعات الصين للعام الخامس على التوالي إلى 16.9 مليون طن.
قدَّرت "سي كريد" (SeaCred) ، وهي وكالة متخصصة في الشؤون البحرية، سوق وقود السفن في آسيا بما يتراوح بين 31 مليار دولار، و32 مليار دولار في عام 2020.
تقع أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم في الصين بفضل أعمالها التصنيعية الضخمة، كما أنَّ تعزيز قدرات التزويد بالوقود لديها يضيف نفوذاً للأعمال الداعمة.
تنفق الحكومة المحلية 520 مليون يوان (80 مليون دولار) لتوسيع المرسى، وبناء قنوات شحن جديدة في تشوشان، في حين تضخُّ المصافي كميات أكبر من زيت الوقود منخفض الكبريت، وهو أمر ضروري حالياً بموجب القواعد العالمية الجديدة التي تفرض على السفن استخدام وقود أنظف.
أمام مؤتمر صناعي الشهر الماضي، قالت "تشانغ شياو لي"، مسؤولة سابقة بهيئة الجمارك في مقاطعة تشغيانغ، التي تضمُّ تشوشان، إنَّ "أعمال التزوّد بالوقود في الصين تلحق عن كثب بمثيلاتها في سنغافورة".
توقَّعت "شياو لي" أن تصل مبيعات الوقود البحري في البلاد إلى 40% من مبيعات سنغافورة خلال 2021، أو حوالي 20 مليون طن بناءً على بيانات عام 2020.
أصدرت الصين أكثر من 10 تراخيص للتزوّد بالوقود للشركات العاملة في منطقة التجارة الحرة في تشوشان، وطرحت أيضاً العقود الآجلة لزيت الوقود منخفض الكبريت في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة لتحسين الشفافية بشأن التسعير.
بلغ سعر زيت الوقود منخفض الكبريت في الميناء 546 دولاراً للطن يوم الإثنين، وهو أعلى بثلاثة دولارات مما لدى سنغافورة، بعد أن كان أرخص مما كان يباع لدى الدولة-المدينة في إبريل، وفقاً لبيانات من "مارين بانكر اكسشينغ" (Marine Bunker Exchange).
أصبحت تشوشان أكثر قدرة على المنافسة بفضل أسعارها هذا العام، ومن المرجَّح أن تستخدم سفن شركة "ستينا بالك" (Stena Bulk)- التي تُبحر إلى الصين- الميناءَ للتزوّد بالوقود في كثير من الأحيان، بحسب إيفون ريتفيلد، رئيسة مشتريات الوقود في شركة الشحن، التي تنقل الخام والمنتجات المكررة.
مع ذلك؛ فإنَّ سنغافورة أكثر موثوقية بفضل توصيل الوقود بكفاءة وفي الوقت المناسب، وفقاً لريتفيلد.
بعد تعافي الطلب.. نقص المعروض قد يكون مشكلة النفط الجديدة
الحفاظ على المركز المتقدِّم
تعتمد سنغافورة على تفوق موقعها الجغرافي، حيث يقع عند المفترق على طريق تجاري، يمتد عمره إلى قرون، كما يربط المنطقة بأوروبا، والشرق الأوسط، وساحل الخليج الأمريكي.
ساعد إنشاء أوَّل ميناء للحاويات في جنوب شرق آسيا في عام 1972 في رسم خريطة المدينة-الدولة، لتحتل موقعَ أفضل مورِّد للوقود البحري، كما أنَّها تخطط لإنشاء أكبر محطة آلية في العالم.
تملك سنغافورة شبكة تكرير وتخزين واسعة للحفاظ على التدفُّق المستمر للسفن، والتزوّد بالوقود، كما عزَّزت تدابيرها فيما يتعلَّق بالشفافية في الآونة الأخيرة.
طُرحت تدابير صارمة لمراقبة عمليات تسليم وقود السفن في العام الماضي، بعد إضافة عدادات لقياس التدفُّق في عام 2017، مما يمنح شركات الشحن ضماناً بأنَّ كمية الوقود التي اشترتها سيتمُّ تسليمها.
في هذا الإطار يقول فيكتور شوم، نائب رئيس استشارات الطاقة في "أي إتش إس ماركيت" (IHS Markit): "إنَّ نشاط التزوّد بالوقود كبير إقليمياً بما يكفي لدعم نمو الموانئ الرئيسية، لكنَّ سنغافورة ستظلُّ مركز التزوّد بالوقود الرئيسي في المستقبل المنظور".