يتجه تحالف "أوبك+" إلى مناقشات بشأن ما إذا كان ينبغي تلبية النداء لزيادة إنتاج النفط، وهو قرار قد تكون له تداعيات عميقة على التضخم العالمي.
ظهرت ديناميكية مألوفة في التحالف في الفترة التي تسبق قرار يوم الخميس بشأن سياسة الإنتاج لشهر أغسطس وما بعده. فمن ناحية، اقترحت روسيا وكازاخستان زيادة العرض، في حين ناقشت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج نهجاً أكثر حذراً، من ناحية ثانية.
وأفادت "رويترز" أنَّ السعودية وروسيا توصلتا إلى اتفاق مبدئي لزيادة الإنتاج الشهرية بأقل من 500 ألف برميل يومياً حتى ديسمبر. وأخبر أحد المندوبين "بلومبرغ" أنَّ المجموعة لم تتوصَّل بعد إلى اتفاق.
النقاش المتطور، بحسب وصف المندوبين الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم- لأنَّ المناقشات كانت خاصة- له آثار كبيرة على سوق النفط والاقتصاد الأوسع.
ارتفع سعر النفط الخام حوالي 50% هذا العام، مع تعافي الطلب من الوباء الذي تجاوز انتعاش إمدادات "أوبك+" بعد التخفيضات الكبيرة في العام الماضي. وأدى ارتفاع أسعار النفط، جنباً إلى جنب مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى، إلى قلق البنوك المركزية بشأن التضخم مرة أخرى. كما يُظهر كيف عادت المملكة العربية السعودية وروسيا إلى المقعد الرئيسي لسوق الطاقة العالمية، وهي عودة ملحوظة منذ أسعار عقود الخام السلبية منذ أكثر من عام بقليل.
تحذير سعودي
في الأسبوع الماضي، أشار وزير الطاقة السعودي الأمير بعد العزيز بن سلمان إلى أنَّه يحاول تحقيق توازن بين القوى الصاعدة ومخاطر الهبوط. وقال في مؤتمر نظَّمه "بنك أوف أمريكا": "علينا توخي الحذر". "أوبك+" لها دور في "ترويض" التضخم واحتوائه، لكنَّها "لا تستطيع استبعاد أي عودة شريرة لقضايا كوفيد".
أشار الأمير عبد العزيز إلى أنَّ المحادثات النووية مع إيران تخيِّم على الصورة. إذا تمَّ إبرام صفقة؛ فإنَّ تدفُّق النفط الخام الإيراني إلى السوق يمكن أن يغيِّر الموازين بشكل كبير. ومع ذلك، حذَّر الأمير من عدم الخلط بين الحذر والتقاعس عن العمل.
أما وزير الطاقة الكازاخستاني نورلان نوغاييف، فقد قال للصحفيين يوم الأربعاء، إنَّ زيادات محتملة في الإمدادات تجري مناقشتها في أغسطس أو سبتمبر، وإنَّه يفضِّل زيادة- كما ترى روسيا، حليفة كازاخستان الوثيقة- بسبب الحاجة إلى زيادة الإنتاج.
تعليقاً على الموضوع، قال بيل فارين برايس، المدير في شركة "إنفيروس" للأبحاث: "ستكون السوق ضيقة للغاية في النصف الثاني ما لم تضف المزيد من النفط من "أوبك+". وأضاف:
الروس يصدرون أصواتاً صعودية، والسعوديون يصدرون أصواتاً حذرة، ومن المحتمل أن يجتمعوا في مكان ما في الوسط.
علاج ضروري
تعكف منظمة البلدان المصدِّرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بالفعل على إحياء إمدادات الخام التي توقَّفت العام الماضي في المراحل الأولى من الوباء. قرر التحالف الذي يضمُّ 23 دولة إضافة حوالي مليوني برميل يومياً إلى السوق من مايو إلى يوليو، والسؤال المطروح على الوزراء الآن؛ هو ما إذا كان سيستمر في العمل الشهر المقبل.
في مقابلة مع بلومبرغ، قالت أمريتا سين، رئيسة الأبحاث في شركة "إنيرجي آسبكتس" الاستشارية في لندن: "نتوقَّع زيادةً طفيفةً اليوم لشهر أغسطس، أي ما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً". لكنَّها قالت، إنَّها "قطرة في محيط"، متوقِّعةً أن ترتفع أسعار النفط الخام فوق 80 دولاراً.
شهدت السوق عجزاً في العرض معظم هذا العام وسط بطء وتيرة زيادات إنتاج "أوبك+". ومن وجهة نظر التحالف، كان هذا علاجاً ضرورياً تماماً -أي الطريقة الوحيدة لاستنفاد الفائض الهائل في مخزونات الوقود التي تراكمت مع دخول الاقتصادات في حالة من الانغلاق.
الآن تظهر بيانات المجموعة أنَّ مخزونات النفط عادت إلى المستويات المتوسطة، مع استمرار الانتعاش القوي في استهلاك الوقود. وقال الأمين العام لمنظمة "أوبك" محمد باركيندو يوم الثلاثاء، إنَّ الطلب في النصف الثاني سيكون خمسة ملايين برميل يومياً أعلى مما كان عليه في الأشهر الستة الأولى من العام. وهذا يفسر سبب تداول خام برنت فوق 75 دولاراً للبرميل، ويتوقَّع المحللون على نطاق واسع أن تستغل المجموعة بعض السعة الهائلة التي أغلقتها العام الماضي. وكان متوسط تقديرهم هو زيادة قدرها 550 ألف برميل يومياً؛ أي ما يقرب من 10% من الحجم الذي
ما يزال معطلاً.
توازن دقيق
مع ذلك، هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى التراجع عن الارتفاع. و
ما تزال الولايات المتحدة تجري محادثات نووية قد ترفع في نهاية المطاف العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية. تستغرق المفاوضات وقتاً أطول من المتوقَّع، لكنَّ الاختراق قد يؤدي إلى تدفُّق النفط الخام إلى السوق.
وقال مندوبون، إنَّ بعض دول "أوبك+" تخشى أن يؤدي ذلك إلى تخمة جديدة، ويعتقدون أنَّ التحالف بحاجة إلى إطالة قيود الإمدادات حتى نهاية العام المقبل.
هناك أيضاً خطر على الطلب من سلالة كوفيد-19 المتحوِّرة "دلتا" شديدة العدوى، الذي يعيد بالفعل بعض البلدان إلى الإغلاق الجزئي، ويؤدي إلى ارتفاع مقلق في الحالات في الدول الأخرى.
اقرأ أيضاً: إيران تُخزن النفط في ناقلات استعداداً للعودة إلى الأسواق
بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر حدوث ردِّ فعل عنيف من كبار المستهلكين -بما في ذلك الولايات المتحدة- إذا استمر النفط في الارتفاع. كما قال دارمندرا برادهان، وزير البترول والغاز الطبيعي في الهند- ثالث أكبر مستورد للخام في العالم- لمسؤولي "أوبك" الأسبوع الماضي، إنَّ الأسعار المرتفعة "تضيف ضغوطاً تضخمية كبيرة".
وقال بوب مكنالي، رئيس "رابيدان إنرجي"، ومسؤول سابق في البيت الأبيض، لتلفزيون بلومبرغ يوم الخميس: "آخر شيء تريده السعودية والإمارات، وحتى روسيا، هو 85 دولاراً للبرميل، فما بالك بـ100 دولار للبرميل". وأضاف: "حتى الآن في واشنطن، كان الوضع هادئاً. ومع اقترابنا من 80 دولاراً للبرميل؛ فإنَّ ذلك سيطلق أجراس الإنذار بشأن المخاطر التي يمثِّلها ذلك على التعافي الاقتصادي".