وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصماته في بيلاروسيا بشأن حدود التعدي أو التجاوز الغربي على بلاده، قبل عقد قمة تاريخية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
واستضاف بوتين الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لإجراء محادثات أمس الجمعة في منتجع سوتشي الروسي، اعتبرت احتضانا علنيا لحليف يتهمه الاتحاد الأوروبي بالقرصنة التي ترعاها الدولة عقب الهبوط القسري لطائرة تابعة لشركة "رايان إير" (Ryanair Holdings Plc) واعتقال صحفي معارض على متنها.
في الوقت الذي يدرس فيه الاتحاد الأوروبي زيادة العقوبات على نظام لوكاشينكو ويوجه أصابع الاتهام إلى روسيا لدعمها لرئيس المقاطعة السوفيتية السابق، يرى الكرملين فرصة لإلزام بيلاروسيا بشكل أكثر إحكاما لتدور في فلكه.
قالت أوكسانا أنتونينكو، مديرة شركة "كونترول ريسكس" الاستشارية في لندن: "هناك افتراض متزايد في كل من أوروبا والولايات المتحدة بأن ما حدث لا يمكن أن تقوم به بيلاروسيا وحدها، وأن روسيا قامت بدور ما"، مضيفة: "قد يلقي ما حدث بظلاله على الموقف الإيجابي الحذر الذي رأيناه يصدر مؤخرا من واشنطن وموسكو".
وانطلقت المواجهة قبل القمة الرئاسية الأولى بين بوتين وبايدن في جنيف في 16 يونيو المقبل، حيث من المتوقع أن يناقشا التوترات بشأن الصراع في أوكرانيا، والأسلحة الاستراتيجية والهجمات الإلكترونية.
دعم الثورات الملونة
تتهم روسيا الغرب بالسعي لتقويض أمنها من خلال التحريض على اندلاع ثورة "ملونة" مؤيدة للديمقراطية في بيلاروسيا لتوسيع نفوذ الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ( الناتو)، ومحاكاة الاضطرابات التي شهدتها جورجيا وأوكرانيا.
وأيد بوتين الحملة القمعية الوحشية التي شنها لوكاشينكو على الاحتجاجات المناوئة للانتخابات الرئاسية المتنازع بشأنها في 2020، والتي أدت إلى فرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة عقوبات على بيلاروسيا.
وافقت روسيا أيضا على تقديم قروض بقيمة 1.5 مليار دولار وأبرمت صفقات لإمدادها بالنفط والغاز خلال 2021، ورغم ذلك حاول الكرملين تخفيف العبء المالي المتمثل في الحفاظ على اقتصاد بيلاروسيا غير الكفء والخاضع لهيمنة الدولة.
انخفض دعم الطاقة الذي وصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي لـ بيلاروسيا في عام 2006 إلى أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020.
ورغم أن روسيا تعد أكبر دولة مستثمرة بمفردها في بيلاروسيا وأكبر شريك تجاري لها، فقد قاوم لوكاشينكو ضغوطًا من موسكو خلال السنوات الأخيرة من أجل تكامل أعمق بموجب اتفاقية "دولة الاتحاد"، خوفا من استيلاء جارتها الأكبر عليها.
غضب أوروبا
وصل لوكاشينكو السلطة منذ عام 1994، وبرع في التلاعب بتحريك الاتحاد الأوروبي وروسيا ضد بعضهما بعضا للاحتفاظ باستقلاله، لكن تدخله في 23 مايو الحالي ضد رحلة "ريان إير" من اليونان إلى ليتوانيا أثار غضب الاتحاد الأوروبي ولم يترك له مجالا كبيرا للمناورة بعد أن نقلت أجهزة الأمن البيلاروسية الصحفي رامان براتاسيفيتش وصديقته الروسية من الطائرة إلى مقر الاحتجاز، حيث يواجهان السجن لمدة 15 عاما بتهمة التحريض على الاضطرابات الجماعية.
قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الخميس الماضي إن الاتحاد الأوروبي مستعد لـ"دورة واسعة وطويلة من العقوبات" بعد أن حظر على شركة الطيران الحكومية البيلاروسية مجاله الجوي، وحث شركات الطيران الأوروبية على تجنب التحليق فوق بيلاروسيا.
قد يكون أحد الأهداف هو صناعة البوتاس البيلاروسية، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية
دعم موسكو
تعول بيلاروسيا على دعم روسيا في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة، حسبما قال رئيس الوزراء رومان غولوفتشينكو لنظيره الروسي ميخائيل ميشوستين خلال محادثات بمينسك يوم الخميس الماضي.
وقال أندري كورتونوف، مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية الذي أسسه الكرملين: "لقد تم إنهاء قدرة لوكاشينكو على إحداث توجيه روسيا ضد دول أخرى"، وهو أمر إيجابي لموسكو. "لكنه سيأتي في كثير من الأحيان إلى روسيا لطلب الدعم المالي".
قال ريهور أستابينيا، مدير مبادرة بيلاروس في "تشاتام هاوس"، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن العقوبات المفروضة على بيلاروسيا "سيكون لها بعض التأثير" على روسيا أيضا بسبب العلاقات بين الشركات في البلدين.
يتشبث بوتين بـلوكاشينكو لأن "الكرملين ليس لديه بدائل موثوقة"، وفقا لـ أرتيوم شريبمان، الباحث غير المقيم بمركز كارنيجي موسكوـ ومقره مينسك. وقال شريبمان: "قد تكون روسيا مهتمة برؤية لوكاشينكو يتخلى تدريجيا عن سلطته.. لكن ليس من الواضح ما يمكن أن تفعله للمساعدة في حدوث ذلك".