تعرَّضت أجزاء رئيسية من البنية التحتية الأمريكية للأعطال ثلاث مرات هذا العام، الأولى، في شبكة كهرباء تكساس. والثانية، في خط أنابيب البنزين الرئيسي في الساحل الشرقي. والثالثة، واكتشاف صدع بجسر الطريق السريع فوق "نهر المسيسيبي ".
تسبَّبت الأزمات في أضرار على صعيد الأعمال التجارية وأرواح الناس، فقد أسفرت عن خسائر تُقدَّر بالمليارات، وخلَّفت أكثر من 150 قتيلاً في تكساس.
لن تمنع حزمة البنية التحتية التي طرحها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والبالغة 1.7 تريليون دولار بالضرورة أيَّاً من هذه الأعطال.
لم يكن لهذه الحزمة أن تعرقل تسلل القراصنة الذين تسببوا في إغلاق خط أنابيب شركة " كولونيال بايبلاين " لأيام، حيث توقَّفت محطات الوقود عبر الجنوب الشرقي عن العمل. في حين أنَّ عملية الاختراق ربما تدفع الحكومة الفيدرالية لفرض الأمن السيبراني على شركة خطوط الأنابيب، وذلك لأنَّ مشروع قانون خطة تمويل إصلاحات البنية التحتية المقترح من قبل الإدارة الأمريكية لا يتعرَّض لهذه المشكلة.
عمليات التفتيش فشلت في رصد الضرر
كان بإمكان مسؤولي ولاية "تينيسي" التقدُّم بطلب بموجب خطة بايدن للحصول على تمويل لإصلاح "جسر هيرناندو دي سوتو" في مدينة "ممفيس"، فقد أدى اكتشاف صدع في "كمرة" من الصلب، شبه مقطوعة الأسبوع الماضي إلى إغلاق نهر المسيسيبي أمام حركة مرور سفن النقل النهرية المعروفة بالصنادل. لكنَّ عمليات التفتيش فشلت في رصد الضرر، رغم ظهوره في لقطات طائرة بدون طيار من عام 2019.
بالنسبة لولاية تكساس، يقول البيت الأبيض، إنَّ جزءاً من خطة إدارة البيت الأبيض يمكن أن تساعد في دعم كفاءة الشبكة الكهربائية في مقاومة العوامل الجوية. لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التمويل سيمتد إلى محطات توليد الكهرباء، وخطوط أنابيب الغاز التي تعطَّلت خلال موجة البرد القارس في شهر فبراير الماضي، مما أدى إلى إغراق الملايين في الظلام مع انقطاع الكهرباء عنهم.
تجاهلت الشركات التي تمتلك تلك المحطات والأنابيب التحذيرات السابقة للأحوال الجوية، واعتبرت أنَّ العمل على إجراءات وقائية مكلف للغاية.
توضِّح الأعطال الأخيرة عدد الطرق التي يمكن أن تنكسر بها أنظمة قائمة على الحلول الجزئية المؤقتة، إذ يقول الخبراء، إنَّها توضِّح أيضاً عيباً طويل الأمد في الطريقة التي تفكر بها الولايات المتحدة بشأن البنية التحتية، وتدفع الثمن في مقابلها، إذ تركِّز الدولة بشكل أكبر على بناء أشياء جديدة بدلاً من صيانة ما لديها للحفاظ عليها.
تجنب عواقب تدهور البنية التحتية
لقد تمحور الكثير من الجدل الدائر حالياً في واشنطن حول ما يعدُّ فعلياً بنية تحتية في خطة بايدن، فهل من بينها مراكز رعاية الأطفال؟ أو هل يأتي من بينها الإنترنت عالي السرعة؟ لكنَّ النقاش يتجاهل حقيقة أنَّ لا المسؤولين العموميين، ولا الأفراد والقطاع الخاص لعبوا دورهم بالحفاظ على البنية التحتية والفولاذ والخرسانة الموجودة بحالة سليمة.
يعتقد آدي تومر، الزميل في معهد "بروكينغز "، أنَّ الولايات المتحدة لا تفتقر إلى الموارد المالية، على أقل تقدير للوفاء بالاستثمارات التي تحتاجها البلاد لتجنُّب العديد من عواقب تدهور البنية التحتية، إن لم يكن معظمها. مؤكداً أن هذه الأمثلة الثلاثة من بين تلك الحالات التي كانت لدى الولايات المتحدة فيها الموارد لتجنُّب الأعطال، لكنَّها مسألة تحتاج إلى تحديد الأولويات.
من يتحكم في الإنفاق؟
هناك أيضاً مسألة تعود إلى من يتحكَّم في الإنفاق، سواء كانت الحكومة، أو القطاع الخاص، أو مزيج من الطرفين. جميع المقاربات الثلاث (الحكومة – القطاع الخاص – الطرفان معاً) لها سجلات معيبة، إذ يتخلى المسؤولون العموميون والمديرون التنفيذيون في الشركات على حدٍّ سواء عن العمل لأسبابهم الخاصة. حيث عارض الجمهوريون نطاق خطة بايدن المقترحة، ومن المتوقَّع أن يقدِّموا بديلاً أضيق من شأنه أن يعزز الشراكات مع شركات القطاع الخاص. وقد تؤدي المصلحة على جانبي الطريق ( الحزبان الجمهوري والديمقراطي) إلى التوصل لاتفاق على الرغم من مناخ الاستقطاب الحزبي الشديد.
وبحسب غريغ ريغان، رئيس قسم النقل المهني في الاتحاد الأمريكي للعمل، ومؤتمر المنظمات الصناعية (AFL-CIO )، وهو أكبر اتحاد للنقابات في الولايات المتحدة: "هناك الكثير من الإلحاح كما كان لدينا من قبل، على الأقل في السنوات الأخيرة، لأنَّ بايدن ركَّز عليها، فمن النادر جداً أن ترى رئيساً يضع هدفاً في ولايته الأولى، ولن يفعل كل ما في وسعه لتحقيق ذلك".
ثمن باهظ لخطة بايدن
يعدُّ تعويض الإنفاق العام المؤجَّل أحد الأسباب التي تجعل خطة بايدن تحمل مثل هذا الثمن الباهظ. من المعروف أنَّ المسؤولين الحكوميين يحبون أن يظهروا في مناسبات وهم يفتتحون جسراً أو طريقاً جديداً، لكن غالباً لا يقدِّمون التمويل السنوي المناسب الذي تحتاجه الصيانة، مما يفسر أنَّ إعادة رصف الشوارع، أو استبدال أنابيب المياه الملوثة، هي أمور لا تبدو دائماً من ضمن الأولويات عندهم.
وبحسب أر ريتشارد غيدس، المدير المؤسس لبرنامج جامعة كورنيل لسياسة البنية التحتية (Cornell University Program in Infrastructure Policy)؛ فإنَّه "من أسهل الأشياء التي يمكن تأجيلها، إذا كانت ولايتك أو منطقتك تعاني من سنة سيئة هلى صعيد الميزانية، هي صيانة البنية التحتية الخاصة بك، قائلاً: سيحدث ذلك العام المقبل".
يعدُّ سجل القطاع الخاص أفضل قليلاً، لأنَّ محطات توليد الكهرباء، وخطوط أنابيب الغاز في تكساس التي دمَّرتها عاصفة شهر فبراير الماضي، مثل معظم البنية التحتية للطاقة في أمريكا، مملوكة للقطاع الخاص. عندما تسبَّبت موجة برد مماثلة قبل 10 سنوات في انقطاع التيار الكهربائي، جرى تنبيه المالكين من أجل تجهيز محطاتهم وأنابيبهم في فصل الشتاء، ولم يجبرهم أحد في حكومة الولاية على القيام بهذا العمل.
تعود ملكية شركة "كولونيال بايبلاين" أيضاً للقطاع الخاص، على الرغم من أنَّها تؤدي دوراً حيوياً للاقتصاد الأمريكي، من خلال نظام التشغيل الذي يبلغ طوله 5500 ميل، ويوفِّر ما يقرب من نصف الوقود المستهلك على الساحل الشرقي. وهي مملوكة لذراع شركة "كوتش إنداستاريز" (Koch Industries) ووحدة "رويال دويتش شل بي إل سي" ومجموعة من مديري صناديق الاستثمار. ويتحمَّل المالكون مسؤولية حماية خط الأنابيب من الجرائم الإلكترونية، مثل هجوم برمجيات الفدية الخبيثة الذي دفع لإغلاقه الأسبوع الماضي، وأقفل محطات الوقود، واضطر الشركة إلى تخزينه. حتى دفع أصحاب الشركة 4.4 مليون دولار لإنهاء الهجوم.
مع أن خطة بايدن تدعو إلى تعزيز الأمن السيبراني على شبكة الكهرباء من خلال منح 20 مليار دولار لتحديث الشبكة، لكنَّ الحكومة الفيدرالية لا تشرف على الأمن السيبراني لخطوط أنابيب الغاز. و دعت مجموعة تجارية صناعية هذا الأسبوع الكونغرس الأمريكي لإصلاح ذلك من خلال منح الهيئة الفيدرالية لتنظيم الطاقة سلطة على الأمن السيبراني لخطوط الأنابيب، وتحديد المتطلبات الإلزامية للمشغِّلين.
وأشارت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم الأربعاء إلى أنَّ الحكومة الفيدرالية قد تحتاج إلى فرض مثل هذه المعايير، مضيفةً أمام لجنة بالكونغرس: "يتساءل المرء عما إذا كان الوقت قد حان لمطابقة ما نقوم به على الجانب الكهربائي مع ما نفعله في جانب خط الأنابيب".
الجسور المتصدعة
تركِّز خطة بايدن الكثير من الإنفاق على إصلاح البنية التحتية المملوكة للحكومة التي انزلقت إلى حالة سيئة.. جسر "دي سوتو" سيئ السمعة مثال واضح على ذلك.
في 11 مايو الجاري، اكتشف أحد المفتشين صدعاً في كمرة تحت جسر أي -40 فوق نهر المسيسيبي بالقرب من ممفيس بولاية تينيسي. فتوقَّفت حركة السيارات، وأغلق خفر السواحل النهر . واصطفت أكثر من 1000 سفينة، تحمل الحبوب وفول الصويا المتجهة إلى مدينة " نيو أورليانز " للتصدير على طول ضفاف النهر.
سمح خفر السواحل باستئناف حركة مرور السفن صباح يوم الجمعة، لكنَّ الجدول الزمني لاستئناف حركة مرور المركبات فوق الجسر، حيث تعبر آلاف الشاحنات عادة كل يوم، مايزال غير محدد.
حاكم ولاية تينيسي بيل لي، وهو ينتمي للحزب الجمهوري، انتقد خطة بايدن لتخصيص 5.6% فقط من الأموال للجسور والطرق. وكتب في بيان: "في حين يفكِّر الكونغرس في تعريف البنية التحتية، فإنَّنا ندعو الحكومة الفيدرالية إلى إعطاء الأولوية لسلامة الطرق والجسور الفعلية ".
وردَّت إميلي سيمونز، المتحدِّثة باسم البيت الأبيض، بأنَّ خطة الإدارة الأمريكية ستساعد في الإصلاحات، وقالت في رسالة بالبريد الإلكتروني: "هذا الجسر هو نوع من الجسور الإقليمية المهمة التي يمكن النظر فيها للتمويل في إطار برنامج الجسر الكبير الذي اقترحته خطة الوظائف الأمريكية ".
مضيفةً: "هذا مجرد مثال واحد على احتياجات البنية التحتية الكبيرة والمتنامية لأمتنا الناتجة عن عقود من تراجع الاستثمار الفيدرالي".
ويرى تومر من معهد "بروكينغز" أنَّ علاماتٍ توجد على أنَّ المسؤولين في كلا الحزبين بدأوا في فهم الحاجة إلى نهج مختلف، وهو نهج يركِّز أكثر على النتائج بدلاً من مجرد بناء شيء جديد.
معتبراً أنَّ هذه تغييرات ثقافية على مستوى الأجيال تحتاجها الولايات المتحدة، إذ هناك الكثير من عقلية "المصير الواضح" المسيطرة في مجال البنية التحتية الأمريكية، وهذه الفكرة تعني أنَّ المشاريع ستنمو بطبيعتها وتتوسَّع من تلقاء ذاتها.. وهذا التفكير غير منطقي من كافة النواحي الاقتصادية أو الديموغرافية أو البيئية.