يعتزم الرئيس جو بايدن منع عمليات تطوير النفط والغاز لأجل غير مسمى في أكثر من 625 مليون فدان من المياه الساحلية الأميركية، محذراً من أن التنقيب هناك "لا يستحق المخاطرة" و"غير ضروري" لتلبية احتياجات البلاد من الطاقة.
تأتي الخطوة ضمن مذكرتين رئاسيتين يجري إصدارهما اليوم الاثنين، بهدف تعزيز إرثه في مجال الحفاظ على البيئة ومكافحة تغير المناخ قبل أسبوعين فحسب من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
لكن على عكس إجراءات أخرى اتخذها بايدن لتقييد تطوير الوقود الأحفوري، ربما يواجه ترمب صعوبة أكبر في التراجع عن هذه الخطوة لاستنادها إلى مادة بالقانون الفيدرالي عمرها 72 عاماً تمنح الرؤساء سلطة سحب المياه الإقليمية الأميركية من ترتيبات التأجير لاستخراج النفط والغاز، دون الحصول على تفويض صريح بالإلغاء.
قرار بايدن سيمنع إبرام عقود تأجير للتنقيب عن النفط والغاز مستقبلاً على طول السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة، والجزء الشرقي من خليج المكسيك وقطاع من بحر بيرينغ الشمالي، وهي منطقة غنية بالطيور البحرية والثدييات المائية والأسماك وأشكال الحياة البرية الأخرى التي اعتمدت عليها الشعوب الأصلية لآلاف السنين.
هذا الإجراء لا يؤثر على تطوير الطاقة وفق اتفاقات التأجير البحرية القائمة، ولن يمنع بيع المزيد من حقوق التنقيب في خليج كوك الغني بالغاز في ألاسكا أو في وسط وغرب خليج المكسيك، اللذين يشكلان معاً 14% من إنتاج النفط والغاز الأميركي.
توازن دقيق
ووصف الرئيس الخطوة بأنها تهدف لتحقيق التوازن الدقيق بين الحفاظ على البيئة وأمن الطاقة.
وقال بايدن: "واضح بالنسبة لي أن فرص وجود الوقود الأحفوري الضئيلة نسبياً في المناطق التي أقوم بسحبها لا تبرر المخاطر على البيئة والصحة العامة والاقتصاد التي ستأتي من اتفاقيات التأجير والتنقيب الجديدة".
"لسنا مضطرين للاختيار بين حماية البيئة ونمو اقتصادنا أو بين الحفاظ على سلامة المحيط ومرونة سواحلنا والأغذية التي تنتجها وتؤمنها لنا وبين الإبقاء على أسعار الطاقة منخفضة"، بحسب الرئيس الأميركي.
بعض المناطق التي يسعى بايدن لحمايتها كان ترمب قد سحبها بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الرئاسية لعام 2020. لكن الإجراءات التي اتخذها ترمب لحماية المياه المحيطة بالساحل الغربي لولاية فلوريدا وجنوب شرق الولايات المتحدة كان من المقرر أن تنتهي في 2030، لكن بايدن سيجعلها إجراءات دائمة.
فريق ترمب ينتقد الخطوة
فريق ترمب الانتقالي انتقد الخطة. ووصفت المتحدثة كارولين ليفيت الإجراء بأنه "قرار مشين يهدف لإنزال انتقام سياسي بالشعب الأميركي الذي منح الرئيس ترمب تفويضاً بزيادة عمليات الحفر وخفض أسعار الغاز".
"من الواضح أن جو بايدن يريد أن يترك إرثاً من أسعار الغاز المرتفعة... اطمئنوا، جو بايدن سيفشل" بحسب رسالة أرسلتها بالبريد الإلكتروني وكررت فيها دعوة ترمب لمزيد من التنقيب.
ترمب بمقدوره إصدار أمر بإلغاء القرار بمجرد تنصيبه كما فعل في 2017 بخصوص مناطق سحبها الرئيس الأسبق باراك أوباما. لكن محكمة جزئية فيدرالية في ألاسكا أبطلت أمر ترمب ولم يصدر حكم من محكمة استئناف على الإطلاق في ذلك الشأن.
يسعى الساسة الجمهوريون والديمقراطيون من الولايات الساحلية إلى منع التنقيب في أجزاء من المياه المعنية، خصوصاً بالقرب من فلوريدا وبطول الساحل الغربي للولايات المتحدة. كارثة انفجار منصة "ديب ووتر هورايزون" في 2010 التي أسفرت عن مقتل 10 أشخاص وتسرب ملايين البراميل من الخام، أبرزت المخاطر الملازمة لعمليات الحفر البحرية، لا سيما على المجتمعات الساحلية التي تعتمد اقتصاداتها على النشاط السياحي.
"نشعر بالحماس والامتنان لأن إدارة بايدن تدرك القيمة الكبيرة للخليج الغربي لولاية فلوريدا" بحسب ما قالته مارثا كولينز، المديرة التنفيذية لمنظمة "هيلثي غلف" غير الربحية، مضيفةً أن "الخليج الغربي لفلوريدا، بشواطئه الرملية البيضاء وحياته البحرية العامرة، يمثل أسلوب حياة بالنسبة للملايين... قرار اليوم يساعد في حماية هذه المنطقة المتميزة من عمليات النفط والغاز الصناعية".
رد فعل القطاع النفطي
انتقد قادة قطاع النفط الخطوة قائلين إن القيود المتفشية -حتى على منطقة ليست محط اهتمام من شركات التنقيب في الوقت الحالي- تقوض آفاق قطاع الطاقة المحلي.
وقال إيريك ميليتو، رئيس الرابطة الوطنية لصناعات المحيط (National Ocean Industries Association) إن مثل هذا الحظر الشامل "يهدد أمننا الاقتصادي والقومي من خلال إنشاء حواجز سياسية أمام مواردنا... حتى لو لم يكن هناك اهتمام حالي ببعض المناطق، من المهم أن تحافظ الحكومة الفيدرالية على مرونة تكييف سياستها للطاقة، لا سيما في حالات الطوارئ العالمية مثل الغزو الروسي لأوكرانيا".
لطالما ضغطت صناعة النفط الأميركية من أجل المزيد من الفرص البحرية، حيث يمكن لاستغلال الاحتياطيات التقليدية أن ينتج الخام على مدى عقود – على عكس العوائد الأقل من تطوير النفط الصخري البري. لكن هناك سلسلة طويلة من الأنشطة بين البيع الأولي لعقود تأجير المناطق البحرية والإنتاج منها في نهاية المطاف.
لا توجد اتفاقات تأجير قائمة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الفيدرالية ببحر بيرنغ أو بطول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهي المناطق التي يحمي فيها بايدن حوالي 334 مليون فدان تمتد من كندا حتى الطرف الجنوبي لفلوريدا. وجرى حفر حوالي 40 بئراً قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لكن آخر اتفاقية تأجير بالمنطقة أبرمت في 1983، دون أن تنتج المنطقة أي نفط على الإطلاق.
وتحوز شركات نفطية حوالي عشر اتفاقات تأجير في شرق خليج المكسيك ونحو 30 في المياه الفيدرالية قرب جنوب كاليفورنيا، حيث جرى إبرام آخر اتفاقية تأجير في 1984. وهذه المناطق لا يسري عليها قرار السحب.
تتجه الحكومة الأميركية في الوقت الحالي لعقد 3 عطاءات لحقوق التنقيب في خليج المكسيك على مدى السنوات الخمس المقبلة، بموجب خطة هزيلة وضعتها إدارة بايدن. ويدرس أعضاء جمهوريون بالكونغرس السماح بمزيد من الصفقات كوسيلة لجمع إيرادات يمكنها تعويض تكلفة تمديد التخفيضات الضريبية.