تتصدر الصين حلبة سباق التحول إلى الطاقة النظيفة في الوقت الذي تسعي فيه "أرامكو السعودية" إلى تعزيز استثماراتها هناك، خاصة مع تصريحات إيجابية لرئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر بشأن استهلاك النفط في البلاد بعد اتخاذ الحكومة إجراءات تحفيزية لإنعاش الاقتصاد، فما هي المحفزات التي تدفع بالشركات كأرامكو للتوسع في الصين؟. برنامج "تقرير آسيا" الذي بثته شاشة "الشرق" هذا الأسبوع ألقى الضوء على هذه القضايا.
روري غرين، كبير خبراء الاقتصاد ورئيس قسم أبحاث آسيا في "تي إس لومبارد" (TS Lombard) أبدى وجهة نظر مماثلة للناصر، إذ يتوقع نمو استهلاك الصين من الطاقة على الأرجح في 2025 مقارنة مع استهلاكها العام الجاري، وذلك بفضل التحفيزات الحكومية، على الرغم من تأثر القطاع بضعف نمو الاقتصاد بوجه عام.
كما يتوقع غرين الآن تعافي قطاع المواصلات الصيني والطلب على الوقود، فيما يقل عنه طلب قطاع التصنيع وكذلك تتسم الاستثمارات في هذا الاتجاه بالضعف.
نمو قطاع الطاقة في آسيا
يؤكد غرين أن آسيا تشكل سوق النمو لالأهم لقطاع الطاقة عالمياً، لأنها تضم أكبر عدد من السكان في العالم وهذا ما يقود النمو. وعلى الرغم من أن آسيا تسعى للتحول إلى الطاقة النظيفة والخضراء في المستقبل، إلا أن البتروكيماويات والوقود التقليدي سيظلان يتسمان بالأهمية الكبيرة بالنسبة للقارة بحسب غرين.
وتهتم معظم منطقة آسيا بالطاقات المتجددة لكنها تظل بحاجة للمزيد من الوقود الأحفوري الذي يمثل محفزاً للنمو في المنطقة ولمصدري النفط كذلك.
لماذا تتجه "أرامكو" إلى آسيا والصين؟
عزم "أرامكو السعودية" لضخ المزيد من الاستثمارات الجديدة في آسيا وبالتحديد في الصين يندرج في سياق تأكيدات عملاق الطاقة السعودي الأخيرة عزمها توسيع الاستثمار في قطاع الكيماويات في الصين خلال العامين المقبلين، بهدف تعزيز طاقتها من تحويل السوائل إلى مواد كيماوية لتبلغ 4 ملايين برميل يومياً مقارنة بمليوني برميل حالياً.
مع وصول الاستهلاك الصيني للجازولين والديزل إلى أعلى مستوى، ومع توقعات تشير بأن الطلب على الوقود الاحفوري سيتوقف عن النمو خلال هذا العقد، أصبحت فرص النمو تكمن في قطاعات أخرى للطاقة. على سبيل المثال في إنتاج وقود الطيران والغاز المسال وإنتاج البلاستيك، ومن هنا تأتي أهمية سعي الشركات للدخول إلى مجالات أخرى للطاقة في الصين بديلة للوقود الأحفوري من جهة، ومن جهة أخرى تمثل فرصة حقيقة لخفض تكاليف الانشاء والعمالة والشحن ومخاطر الشحن التي تأتي من الصراعات في الشرق الأوسط، والتي منها مخاطر الشحن عبر البحر الأحمر و مضيق هرمز .
بالاضافة إلى ذلك، تعتبر الصين أكبر مساهم في العالم للتحول في مجال الطاقة، حيث تمثل حالياً 38% من الاستثمارات العالمية بقيمة 676 مليار دولار.
لذلك تمثل الصين أكبر سوق استهلاكي للطاقة على المستوى العالمي، وإمكانيات هائلة لتوفير التمويلات اللازمة للمشاريع، ومناطق لوجيستية كاملة ومتقدمة تساهم بتقليل خطر اضطرابات سلاسل التوريد والإمداد. يضاف إلى ذلك إنفاق الصين 20 مليار دولار على الأبحاث والتطوير فقط في مجال صناعة الكيماويات.
من هنا تكمن أهمية التواجد في الأسواق الصينية بالنسبة للشركات، وخاصة لـ"أرامكو السعودية"، للإنتاج في أكبر سوق للبتروكيماويات في العالم.
عودة الصين لنموذج النمو القديم
يتوقع غرين أن يشهد الاقتصاد الصيني تغيراً في ظل التحفيزات الجديدة، وبفضلها ستعود الصين إلى ما أسماه "نموذج النمو القديم" بعيدا عن الاستثمارات العقارية.
تحركت الصين لزيادة الدعم الموجه للاقتصاد، ووعدت بتقديم المزيد من المساعدات لقطاع العقارات المتدهور والحكومات المحلية المثقلة بالديون. لكن المسؤولين لم يقنعوا الاقتصاديين بعد بأنهم يبذلون ما يكفي لهزيمة انكماش الأسعار.
امتنع وزير المالية الصيني، لان فوان، في مؤتمر صحفي بتاريخ 12 أكتوبر عن تحديد حجم التحفيز المالي الصيني كما توقع المستثمرون، وأشار إلى أن التفاصيل سيُكشف عنها عندما تجتمع الهيئة التشريعية الصينية في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، فإن الإجراءات الداعمة التي أعلنها لم تعط مؤشراً يُذكر إلى أن السلطات الصينية شعرت بأي حاجة ملحة لزيادة الاستهلاك، وهو ما يرى العديد من الاقتصاديين أنه ضروري لإنعاش الاقتصاد ووضعه على مسار نمو أكثر إيجابية.