تحدّت إيران العقوبات الأميركية المستمرة منذ سنوات، واستعادت إنتاجها النفطي إلى ما يقارب طاقته القصوى، إلا أن تدفق هذه الإمدادات بات يواجه مخاطر متزايدة مع تصاعد التوترات مع إسرائيل.
ارتفع إنتاج إيران بمقدار الثلث في العامين الماضيين، ليصل إلى 3.4 مليون برميل يومياً، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، إذ وجدت الإمدادات المخفضة شهية متزايدة من المشترين الصينيين. ويقل هذا المعدل بمئات الآلاف فقط من البراميل عن مستويات الإنتاج قبل إعادة فرض العقوبات في 2018 من قبل الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب.
تمكن هذا الخام الإيراني الإضافي من دخول السوق، مما ساهم في تهدئة أسعار النفط العالمية، بموافقة ضمنية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وعلى الرغم من أن التوترات بين طهران وتل أبيب بلغت مستويات غير مسبوقة، إلا أن البيت الأبيض، في سنة انتخابية، فضل السيطرة على أسعار البنزين بدلاً من تشديد تطبيق العقوبات.
ولكن، التصعيد العسكري الحالي يهدد هذه الإمدادات.
قال المحللان هينينغ غلويستاين وغريغ برو من "أوراسيا غروب" (Eurasia Group): "إيران تحقق نجاحاً في التصدير بفضل عدة عوامل، منها الصين التي تعد زبوناً مستعداً لشراء النفط الإيراني، وزيادة تعقيد قنوات النقل غير الشرعية، وقلة الاهتمام الأميركي حيال اتخاذ إجراء"، محذرين من "خطر استهداف إسرائيل للمنشآت النفطية الإيرانية".
قلق بأسواق النفط
"أوراسيا غروب" لا ترى أن البنية التحتية النفطية الإيرانية ستكون الهدف الرئيسي لإسرائيل، لكن مجرد وجود هذا الاحتمال أحدث قلقاً بالأسواق، حيث قفزت أسعار النفط بنسبة 5% يوم الخميس بعد أن قال بايدن إن الولايات المتحدة تناقش ما إذا كانت ستدعم مثل هذا الهجوم من قبل إسرائيل. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.5% إضافية لتصل إلى 74.81 دولار للبرميل.
لطالما كانت إيران وإسرائيل خصمين لدودين، لكنهما دخلا في صراع مباشر بشكل متزايد خلال الأشهر الأخيرة. ففي لبنان، شنت القوات الإسرائيلية ضربات قوية ضد "حزب الله"، الحليف الرئيسي لإيران، واغتالت قائده حسن نصر الله. وانتقاماً لذلك، شنت طهران هذا الأسبوع ضربة صاروخية كبيرة على إسرائيل.
لا تزال إدارة بايدن تجري محادثات مع إسرائيل حول ردها المحتمل على هذه الهجمات، حسبما قال مسؤول أميركي يوم الخميس، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أنه لم يتم اتخاذ قرار بعد. قالت المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تركز "أكثر على محاولة فهم الرد الإسرائيلي المحتمل".
ضرب صناعة النفط سيُلحق أضراراً اقتصادية كبيرة بإيران، سواء باستهداف المصافي التي تعالج الوقود المحلي أو منشآت التصدير التي توفر إيرادات حيوية. مع ذلك، قد تتردد إسرائيل في القيام بذلك، لأن مثل هذه الخطوة قد تزعج دول عدة من بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول خليجية، وفقاً لتقرير من دانيال هاينز وسوني كوماري، المحللين في مجموعة "إيه إن زد" (ANZ Group Holdings).
حتى وإن لم يحدث هجوم مباشر من إسرائيل، فقد يظل انتعاش النفط الإيراني في خطر.
نهج إدارة بايدن
يمكن أن تتغير سياسة إدارة بايدن المتساهلة تجاه العقوبات، حيث حذر الرئيس بالفعل من إجراءات جديدة مع تصاعد التوترات. كما أنه في حال فوز ترمب مجدداً، قد يعيد تفعيل حملة "الضغط الأقصى" التي خنقت صادرات النفط الإيرانية خلال فترة رئاسته السابقة.
قال فرناندو فيريرا، مدير خدمات المخاطر الجيوسياسية في "رابيدان إنرجي غروب" (Rapidan Energy Group): "لا نعتقد أن العقوبات الأميركية فقدت فعاليتها"، موضحاً أن "تراخي تطبيقها هو خيار سياسي يمكن تغييره"، بناءً على نتائج الانتخابات الرئاسية.
أسطول الظل
مع ذلك، فإن أي حملة جديدة لتشديد العقوبات ستواجه عراقيل.
الصين تجاهلت إلى حد كبير العقوبات الغربية، حيث استوردت كميات قياسية من النفط الإيراني، وقامت المصافي الصغيرة في مقاطعة شاندونغ بشراء براميل النفط مخفضة السعر. هؤلاء المشترون غالباً ما يكونون غير متصلين بالنظام المالي العالمي، وتتم عملياتهم عبر وسطاء ذوي اتصالات جيدة.
أثبتت الشبكة اللوجستية التي تطورت لنقل الشحنات الإيرانية -والشحنات الروسية أيضاً منذ غزو موسكو لأوكرانيا في 2022- فاعليتها. عادةً ما تُنقل الشحنات باستخدام ما يسمى بـ"أسطول الظل" من ناقلات قديمة، حيث تُنقل البضائع من سفينة إلى أخرى في عملية تُعرف باسم "التناقل بين السفن"، أو تُعاد تسميتها على أنها واردات غير خاضعة للعقوبات -رغم أن هذا غير مرجح- من دول مثل ماليزيا.
صعوبة تتبع تدفقات النفط الإيراني
غالباً ما تقوم السفن بإيقاف أجهزة الإرسال التعريفية، مما يجعل من الصعب تتبع تدفقات النفط الإيراني. ونتيجة لذلك، تقدر بعض المؤسسات -مثل وكالة الطاقة الدولية و"إف جي إي" (FGE) للاستشارات- أرقاماً أعلى من تلك التي جمعتها "بلومبرغ"، بينما تعد تقديرات أخرى مثل "كيبلر" (Kpler) أقل.
إذا استهدفت إسرائيل منشآت إنتاج النفط الإيرانية، فإن منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاءها لديهم القدرة الاحتياطية لتغطية أي نقص، وفقاً لـ"إيه إن زد".
حاول التحالف بقيادة السعودية -أحد المنافسين الإقليميين الرئيسيين لإيران- استعادة بعض الإنتاج الذي أوقفه منذ أواخر 2022. لكن مع تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط، وارتفاع الإنتاج في أماكن أخرى، أرجأ تحالف "أوبك+ زيادات الإنتاج المخطط لها لمدة شهرين.
إيران عضو في "أوبك"، لكنها مُعفاة من قيود الإنتاج التي يفرضها التحالف بسبب العقوبات الأميركية. وبالتالي، فإن انتعاش إنتاج إيران قوض جهود المجموعة لدعم أسعار النفط من خلال تقليص الإنتاج.
قال جمال قريشي، المدير الإداري للاستراتيجية والتحليل في شركة "بترو-لوجيستيكس إس إيه" (Petro-Logistics SA) لتتبع ناقلات النفط: "إلى جانب الإفراط في الإنتاج من دول أخرى في أوبك+، فإن الزيادات المستمرة في الإنتاج الإيراني لها تأثير كبير، وهذا بلا شك أثر على النتائج التي ترغب أوبك في تحقيقها وعلى هدفها النهائي".