عندما شغلت كاملا هاريس منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، أقامت دعاوى قضائية ضد شركات الوقود الأحفوري، وأحالت للمحاكمة شركة خطوط أنابيب بسبب تسرب النفط، وأجرت تحقيقات مع شركة "إكسون موبيل" بتهمة تضليل الرأي العام بشأن تغير المناخ.
تخوض نائبة الرئيس حالياً بشكل مفاجئ غمار المنافسة كمرشحة رئيسية على الرئاسة، بعد أن تخلى الرئيس جو بايدن عن محاولة إعادة انتخابه أمس الأحد، وبالتالي فإن سجلها يثير اهتماماً عميقاً لدى صناعة الطاقة الأميركية والنشطاء في مجال المناخ على حدٍ سواء.
يُنظر إلى هاريس حال فوزها برئاسة الولايات المتحدة على أن موقفها أشد صرامة من بايدن في مواجهة شركات النفط الأميركية بسبب التلوث وتحقيق العدالة البيئية.
قال النائب جاريد هوفمان، من الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، موطن هاريس، في مقابلة: "إنها نوع من القادة الذين يجعلون صناعة الوقود الأحفوري تخضع للمساءلة، وهذا ما نحتاجه الآن"، وأضاف: "إنها بالتأكيد ستواصل نجاح إدارة بايدن في ما يتعلق بالمناخ والطاقة النظيفة، وتراكم عليه".
في حين أنه من غير المرجح أن تجري هاريس تغييرات كبيرة في المسار الذي رسمه بايدن بشأن تغير المناخ، فإن معارضتها لعمليات التنقيب البحرية والتكسير الهيدروليكي تشير إلى أنها ستكون خصماً شرساً بالنسبة لصناعة النفط حال حصولها على ترشيح الحزب الديمقراطي، وفازت بالبيت الأبيض في الانتخابات المقررة خلال نوفمبر المقبل.
أشد تشدداً من بايدن
يقول المحللون والمدافعون عن البيئة إن نهج هاريس تجاه تطوير الوقود الأحفوري يضعها على الطرف الأكثر تشدداً من بايدن، الذي تحرك لوقف بيع عقود إيجار التنقيب عن النفط البحري بشكل مؤقت في الأسبوع الأول من توليه مهام منصبه، لكنه لم يفِ بوعده أثناء حملته الانتخابية بالحظر التام لمنح التصاريح الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي والمياه الفيدرالية.
على سبيل المثال، دعت هاريس في عام 2019 إلى حظر التكسير أو التكسير الهيدروليكي، وهي ممارسة تستخدمها صناعة النفط لاستخراج النفط والغاز من التكوينات الصخرية الكثيفة، على الرغم من أن بايدن لم يدعم هذه الخطوة.
كما أنها انتقدت على وجه التحديد تطوير حقول النفط البحرية، حيث سعت إلى الحد من عمليات الحفر الجديدة قبالة ساحل كاليفورنيا، وباعتبارها المدعية العامة للولاية، لجأت إلى المحكمة للطعن على قرار الحكومة الفيدرالية بالسماح بعمليات التكسير الهيدروليكي في مياه المحيط الهادئ.
المدافعون عن البيئة
قال المدافعون عن البيئة أمس الأحد إن موقف هاريس لن يتزعزع ضد شركات الوقود الأحفوري. قال جيف أوردور من منظمة "أكشن 350" (350 Action): "نائبة الرئيس هاريس لديها تاريخ في الوقوف في وجه شركات النفط الكبرى".
من المؤكد أن دور هاريس في منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، لمدة ست سنوات، وضعها في موقف المواجهة ضد الشركات المتهمة بانتهاك قوانين الولاية. ليس هناك ما يضمن أنها ستكون صدامية إلى هذا الحد حال فوزها بمقعد البيت الأبيض.
مع ذلك، أكدت هاريس على خوض معركتها في كاليفورنيا ضد شركات النفط إبان حملة الانتخابات الرئاسية في عام 2019. ووفقاً لمنصة المناخ الخاصة بموقع الحملة الرئاسية: "تعلم كامالا أننا بحاجة إلى مواجهة شركات النفط الكبرى من أجل التصدي بفعالية لتغير المناخ، وهذا بالضبط ما فعلته طوال حياتها المهنية".
في ذلك الوقت، حددت هاريس خططاً لتعزيز إنفاذ قانون البيئة الفيدرالي، و"محاسبة المسؤولين عن التلوث"، بما في ذلك عن طريق توجيه وزارة العدل "لمواجهة التلوث التراكمي والموروث". ربما تنطوي مواجهة شركات النفط في مكافحة تغير المناخ على مراقبة انبعاثاتها التاريخية من ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري والمرتبط باحتراق النفط والغاز.
تعهدت حملتها بأن "تعطي كامالا الأولوية للصحة العامة، وستجبر المتسببين في التلوث على تحمّل تكلفة الضرر من خلال زيادة العقوبات على الشركات التي يتبين أنها لا تمتثل للقوانين الفيدرالية".
إبان توليها المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، راقبت هاريس المخالفات البيئية، وانضمت إلى ولايات أخرى في الدفاع عن سياسات المناخ التي تعود إلى عهد الرئيس السابق باراك أوباما. شارك مكتبها في تحقيق لدى عدة ولايات حول ما إذا كانت شركة "إكسون موبيل" قد ضللت الرأي العام بشأن تغير المناخ.
تحريك الدعاوى القضائية
رفعت هاريس العديد من الدعاوى القضائية التي تستهدف مؤسسات المرافق وشركات النفط بسبب التلوث التقليدي، بما في ذلك قضية عام 2016 ضد شركة "ساوثرن كاليفورنيا غاز" (Southern California Gas)، بشأن تسرب غاز الميثان من موقع تخزين "أليسو كانيون".
في عام 2016، توصل مكتبها إلى إبرام تسوية بقيمة 14 مليون دولار مع الشركات التابعة لشركة "بي بي" بسبب مزاعم بأنها أخفقت في منع صهاريج التخزين تحت الأرض من تسريب البنزين لدى نحو 800 محطة وقود في جميع أنحاء كاليفورنيا.
في عهد هاريس، حصلت كاليفورنيا في السابق على تسويات أخرى بملايين الدولارات مع شركات "فيليبس 66" (Phillips 66) و"كونوكو فيليبس"( ConocoPhillips) و"شيفرون يو إس ايه" (Chevron USA) و"شيفرون ستيشنز" (Chevron Stations) لحسم ادعاءات مماثلة تتعلق بتسرب الغاز من الخزانات تحت الأرض، وفقاً لمكتبها. بعد وقوع حادث كسر خط أنابيب وتسرب ما يقرب من 140 ألف غالون من النفط، وجّه مكتب هاريس اتهامات جنائية ضد شركة "بلينز أميركان بايب لاين" (Plains American Pipeline) ومقرها في هيوستن.
قالت آر إل ميلر، مندوبة اللجنة الوطنية الديمقراطية في كاليفورنيا، إن تركيز هاريس بشدة على أن يدفع المتسببون عن التلوث تكاليف الأضرار التي أحدثوها، والعدالة البيئية، شكل خطاً مميزاً عن بايدن خلال سباق 2020.
وأضافت ميلر: "(هاريس) ستواصل إلى حد كبير السير على نهج جو بايدن، ولكن مع التركيز على تلك النقاط". وأضافت: "سوف تعمل على تحديثه إلى مستويات جديدة".
جهود هاريس في سن التشريعات المناخية
على غرار بايدن، أكدت هاريس باستمرار على أزمة المناخ باعتبارها قضية تتطلب التصدي لها بشكل عاجل، ووصفتها في العام الماضي، بأنها "واحدة من أكثر الأمور إلحاحاً في عصرنا".
في مجلس الشيوخ، شاركت في سن تشريع يعزز مبادئ "الصفقة الخضراء الجديدة"، التي دعت إلى حشد وطني لمدة 10 سنوات للقضاء على الانبعاثات، والانتقال إلى طاقة خالية من الانبعاثات، وإصلاح أنظمة النقل في البلاد.
على الرغم من أن قانون خفض التضخم الذي تم سنّه في عهد بايدن، وهو قانون المناخ الأكثر شمولاً في البلاد، إلا أنه لا يزال لا يصل إلى نطاق "الصفقة الخضراء الجديدة" التي دعا إليها بعض التقدميين الديمقراطيين.
ركزت هاريس أيضاً بشدة على العدالة البيئية، سواء في ولاية كاليفورنيا عندما كانت تشغل منصب المدعية العامة، أو عندما مثلت الولاية في مجلس الشيوخ الأميركي.
على سبيل المثال، بصفتها المدعية العامة في الولاية، انضمت هاريس إلى دعوى قضائية لوقف إنشاء المستودع المقترح في مقاطعة ريفرسايد، وسط مخاوف من أنه قد يؤدي إلى زيادة حركة مرور الشاحنات التي تعمل بالديزل والتسبب في تلوث المجتمع المحلي.
خلال فترة عملها كنائبة لمجلس الشيوخ في كابيتول هيل، تعاونت هاريس مع النائبة ألكسندريا أوكازيو كورتيز، وهي نائبة ديمقراطية عن نيويورك، بهدف طرح تشريع من شأنه أن يلزم الحكومة بتقييم تأثير مشاريع القوانين واللوائح على الأشخاص الذين يؤدون وظائف أساسية تتطلب غالباً حضورهم الشخصي، وذوي الدخل المنخفض الذين غالباً ما يتحملون وطأة التلوث.
في حين أن هاريس قد تضفي المزيد من القوة على بعض المعارك بشأن الطاقة والبيئة، فمن غير المرجح أن يختلف برنامجها كثيراً عن برنامج بايدن، الذي جعل مكافحة تغير المناخ أولوية قصوى منذ توليه منصبه في البيت الأبيض.
قال كيفين بوك، العضو المنتدب لشركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز" (ClearView Energy Partners) الاستشارية ومقرها في واشنطن، إن وظيفتها الأولى– ومهمة أي عضو ديمقراطي يسعى للحصول على ترشيح الحزب لخوض انتخابات الرئاسة- ستكون في النهاية استمرار تطبيق سياسات بايدن.
قال بوك إنه بينما يمكن للمرشح الجمهوري دونالد ترمب استخدام مجموعة من الصلاحيات لتغيير سياسات المناخ المطبقة في عهد بايدن، سيكون بمقدور هاريس حماية وتعزيز مبادرات بايدن المناخية، مضيفاً: "نتوقع أن تكون الأولوية الأولى حال صعود هاريس إلى الرئاسة، هي الدفاع عن موروث بايدن".