بينما يستعد تحالف "أوبك+" لاستعراض أوضاع أسواق النفط العالمية، تلوح في الأفق مشاكل لدى أكبر عملائه، حيث تعمل مصافي النفط الصينية على خفض معدلات المعالجة مع ضعف قوة قطاع التصنيع الرائد وانهيار سوق الإسكان، مما قلص الطلب على المواد البلاستيكية والوقود المستخدم في البناء.
وتخفض الدولة الآسيوية العملاقة مشترياتها من النفط الخام القادم من السعودية ودرجة خام رئيسية أخرى تستوردها من روسيا. وتقود الدولتان تحالف "أوبك+" الذي من المقرر أن يجتمع بداية الأسبوع المقبل.
قلصت المجموعة إمدادات النفط لدرء الفائض ودعم الأسعار، ويُتوقع استمرارها في اتخاذ هذه التدابير خلال النصف الثاني من العام. لكن انكماش أكبر مستورد في آسيا يمكن أن يعرقل جهودها.
تراجعت أسعار النفط الخام بنحو 10 دولارات للبرميل في الأسابيع الستة الماضية، بعدما أدت التوقعات المتشائمة للصين إلى تفاقم الضغوط الهبوطية على السوق العالمية التي تعج بالإمدادات الوفيرة من الولايات المتحدة وغيرها.
ورغم أن تراجع الأسعار يصب في صالح المستهلكين والبنوك المركزية التي تعاني من استمرار التضخم، إلا أنه يهدد إيرادات السعوديين وشركائهم في "أوبك+". وتحتاج الرياض إلى أسعار تقارب 100 دولار للبرميل لتمويل الخطط الطموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
اختلال التوازن في الصين
وقال هينينغ غلويستاين، رئيس قسم المناخ والموارد لدى المجموعة الاستشارية "أوراسيا غروب" (Eurasia Group)، إن "الصين تقع في صميم الطلب الضعيف"، و"إذا استمرت هذه المؤشرات المبكرة على اختلال التوازن الناشئ في الصين، فإن (أوبك+) ستشعر بالضغط لتمديد خفض الإمدادات".
تعتزم منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها عقد اجتماع عبر الإنترنت في 2 يونيو، حيث يتوقع المسؤولون الاتفاق على تمديد خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، حيث يوفر التباطؤ الصيني حافزاً أكبر للمثابرة بين المنتجين.
سرعان ما بدأ الزخم القوي للصين خلال 2024 في التلاشي بعد نمو اقتصادي أسرع من المتوقع في الربع الأول، وهو أمر يُبرز التحديات التي يواجهها الرئيس شي جين بينغ مع انتهاء ازدهار بكين الذي دام لعقود.
ظل مؤشر أسعار المنتجين، وهو مقياس لقوة التصنيع، سالباً لمدة 19 شهراً. وأدى انخفاض مبيعات المنازل المتواصل لمدة 11 شهراً إلى تقليص استهلاك المواد البلاستيكية وإضعاف هوامش أرباح المنتجات البتروكيماوية.
كما أن الطلب محدود على الديزل المستخدم في الإنشاءات الخارجية، وكوقود نقل لشحن المواد الصناعية. ويشير أحد المقاييس إلى انخفاض الاستهلاك الظاهري للمنتجات النفطية في الصين على أساس سنوي في أبريل لأول مرة منذ ديسمبر 2022. ونتيجة لذلك، تُقلص المصافي عملياتها.
انخفضت معدلات التكرير إلى 14.36 مليون برميل يومياً في أبريل، وهي أبطأ وتيرة منذ ديسمبر، كما أنها أقل بنسبة 4% عن الوقت ذاته من العام الماضي، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" المستندة إلى بيانات الحكومة.
تراجع معدلات تكرير النفط
ليس هذا وحسب، حيث خفضت مصافي التكرير الصينية الأصغر المتمركزة في مقاطعة شاندونغ، والمعروفة باسم "أباريق الشاي"، معدلات التشغيل إلى نحو 55% من طاقتها الإنتاجية، مقارنة بـ62% قبل عام، وفقاً لشركة "ميستيل أويلكيم" (Mysteel Oilchem). وانخفضت مشترياتهم من الخام الروسي الرئيسي "إسبو" (ESPO) إلى أدنى مستوى في ثلاثة أعوام، وفقاً لتقديرات شركة تحليلات البيانات "كبلر" (Kpler).
في الوقت نفسه، تتردد المصافي الكبرى التي تديرها الدولة في إحياء نشاطها بعد عودتها من الصيانة الموسمية، بحسب شركة الاستشارات "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects). وتتوقع الشركة ازدياد إنتاج المصافي الصينية بمقدار يقل عن 100 ألف برميل يومياً هذا العام، وهي أضعف زيادة منذ عقدين على الأقل.
تأثرت تدفقات النفط إلى العملاق الآسيوي بشكل واضح. فقد أظهرت أحدث بيانات التتبع التي جمعتها "بلومبرغ" انخفاض عدد الناقلات العملاقة المتجهة إلى الصين إلى أدنى مستوى منذ سبعة أسابيع. كما قلصت إحدى المصافي مشترياتها لشهر يونيو بعدما أبرمت عقداً طويل الأجل مع السعودية.
وربما يظل تجار النفط المتفائلون حذرين بشأن السلعة إذا بدا أن محرك النمو الآسيوي متأرجح، خاصة أنهم تضرروا من تراجع الأسعار المفاجئ بنسبة 10% العام الماضي.
قال غاري روس، مستشار النفط المخضرم الذي أصبح مدير صندوق التحوط بشركة "بلاك غولد إنفستورز" (Black Gold Investors LLC)، إن "السوق تضيق أكثر فأكثر، لكني أشك في مدى القوة المالية للسوق وسط الوضع الاقتصادي الضعيف للصين".
ارتفاع استهلاك الصين
مع ذلك، يظل مسؤولو "أوبك+" متفائلين بشكل خاص بشأن الطلب على النفط في الصين وأجزاء أخرى من آسيا. ويتجه استهلاك النفط في الصين للارتفاع بنحو 510 آلاف برميل يومياً هذا العام، وهو ما يعادل نصف الإجمالي العالمي، ليصل إلى 17 مليون برميل يومياً، ثم يشهد زيادة أخرى في 2025، بحسب وكالة الطاقة الدولية في باريس.
علاوة على ذلك، ربما يرتفع استهلاك الصين من النفط نظراً لاستفادتها من الأسعار المنخفضة في تجديد مخزوناتها الاحتياطية. وأضافت الدولة أكثر من 30 مليون برميل من النفط الخام إلى مخزوناتها خلال الشهر الممتد حتى منتصف مايو، وهي أسرع وتيرة خلال عام، وفقاً لشركة "فورتيكس" (Vortexa) الاستشارية. وغالباً ما تتضمن هذه الشحنات شحنات من دول خاضعة للعقوبات مثل إيران، والتي تُتداول بخصم عن المعايير المرجعية الإقليمية.
قال إد مورس، كبير المستشارين في شركة "هارتري بارتنرز" (Hartree Partners)، إن الصين كانت "متسقة بشكل كبير" منذ 2008 في سياستها المتعلقة بتعزيز احتياطياتها عند انخفاض الأسعار، حيث تركز جهودها على دعم مخزونات النفط عندما تستطيع ذلك.
ومع ذلك، يعد تباطؤ الصين نذيراً سيئاً بالنسبة لكل من منتجي النفط والمستثمرين المتفائلين، حيث يشير هذا التباطؤ إلى انتقال السوق العالمية من الشح إلى الفائض في المعروض.
وفي أجزاء أخرى من آسيا، أدى الانخفاض الكبير في عوائد إنتاج الديزل إلى دفع بعض شركات التكرير- مثل الشركة التايوانية "فورموزا بتروكيميكال" (Formosa Petrochemical) وشركات أخرى في كوريا الجنوبية- إلى إجراء تخفيضات طفيفة في معدلات التشغيل.
بينما أدى انتعاش التدفقات من الخليج الأميركي إلى أوروبا إلى الضغط على الأسواق الرئيسية في بحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط.
بيع شحنات مصدري "أوبك+"
كافح العديد من مصدري "أوبك+"، بداية من نيجيريا إلى أذربيجان وكازاخستان، لبيع الشحنات بالسرعة المعتادة وسط منافسة من الصادرات الأميركية، مما تسبب في ضعف الأسعار، وفقاً للمتداولين. وأدى انتعاش التدفقات من ساحل الخليج الأميركي حتى أوروبا إلى الضغط على الأسواق الرئيسية في بحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط.
وفي الولايات المتحدة، التي لا تزال أكبر مستهلك للنفط في العالم، بلغت مخزونات الخام في مركز التخزين في كاشينغ بولاية أوكلاهوما أعلى مستوياتها منذ يوليو. وتُظهر أرقام الاستهلاك الضمنية أن الطلب على البنزين لا يزال أقل مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بالرغم من توقعات ارتفاع الاستهلاك عند تعزيز الأميركيين لاستهلاكهم في موسم القيادة خلال الرحلات هذا الصيف.
وقال بريان ليسن، استراتيجي السلع بشركة "أر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets LLC)، إن "السوق الفعلية لا تزال متقلبة للغاية، ويصعب علينا تبني توقعات أكثر إيجابية حتى نرى أدلة على أن الشحنات بدأت في التفريغ".