كفاءة استهلاك الوقود والمبادرات الخضراء لم تخفف من عطش العالم للنفط الخام

خافير بلاس: الطلب على النفط يواصل النمو فلا تهتموا بالمركبات الكهربائية

عامل يمسك بمضخة الوقود في محطة تابعة لشركة "شل" في منطقة ألبيرتون في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، يوم الخميس 9 مايو 2024. - المصدر: بلومبرغ
عامل يمسك بمضخة الوقود في محطة تابعة لشركة "شل" في منطقة ألبيرتون في جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا، يوم الخميس 9 مايو 2024. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كما هي العادة، ينتشر القلق في سوق السلع الأساسية في شهر مايو حول قوة الطلب على النفط مع اقتراب العطلة الصيفية في نصف الكرة الشمالي. فيشتد التوتر تجاه الانتعاش الموسمي في استهلاك النفط.

حدث ذلك في عام 2023، ويحدث مرة أخرى هذا العام. غير أن مخاوف التجار في غير محلها كما في المرات السابقة، فنمو الطلب على النفط يسير على ما يرام.

يظهر ذلك القلق في سعر خام برنت، وهو معيار النفط العالمي، الذي انخفض إلى أقل من 85 دولاراً للبرميل في الأيام الأخيرة، مقارنة مع نحو 90 دولاراً للبرميل في أبريل. ومع اجتماع تحالف البلدان المصدرة للنفط (أوبك+) في الأول من يونيو لاتخاذ قرار بشأن تمديد خفض الإنتاج، تكتسب حالة الطلب العالمي أهمية خاصة، إذ ينبغي على التحالف أن ينظر إلى ما وراء الضوضاء الحالية ويدرك أن مستوى الاستهلاك لا يزال قوياً.

الديزل وزيت التدفئة

في حقيقة الأمر، هناك منتجات نفطية يضعف الطلب عليها. فقد شهدت مجموعة وقود نواتج التقطير المتوسطة، والتي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ضعفاً في الاستهلاك حتى الآن هذا العام. ولكن ذلك يرجع إلى حد كبير إلى فصل الشتاء الدافئ في نصف الكرة الشمالي، مما قلل من احتياجات التدفئة، وليس بسبب الضائقة الاقتصادية.

أما في سوق الديزل، فلا تكمن المشكلة الكبرى في الطلب بل في العرض، حيث يستحوذ الديزل الناتج عن مصادر متجددة والديزل الحيوي على حصة سوقية بسرعة أكبر من المتوقعة، وفي سياق هذه العملية يتضخم المعروض من هذا الوقود.

ففي فبراير الماضي، وهو آخر شهر تتوافر فيه البيانات الشهرية، شكل الديزل الحيوي والديزل المتجدد حوالي 8.5% من إجمالي الاستهلاك في الولايات المتحدة، وقد كانت الحصة السوقية لكليهما في عام 2020 أقل من 1%.

البنزين ووقود الطائرات

ومع ذلك، فإن المنتجات التي تظهر قوة في الطلب يجري تجاهلها، إذ يرتفع استهلاك البنزين بشكل يفوق ما توقعه الكثيرون حتى مع زيادة شعبية وانتشار السيارات الكهربائية. فعلى الرغم من الزيادة في مبيعات السيارات الكهربائية، لدينا الآن سيارات تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي أكثر من أي وقت مضى. كما أن أسعار الوقود في محطات التوزيع عند مستويات لا تثبط الاستهلاك، لاسيما في الأسواق الناشئة.

قبل عام واحد فقط، ذهبت وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على البنزين قد بلغ ذروته في عام 2019، وأن انتشار السيارات الكهربائية يعني أن الاستهلاك لن يعود أبداً إلى مستويات ما قبل الجائحة. أما الآن فقد صارت معلوماتنا أفضل، وفي العام الماضي، تجاوز الطلب على البنزين تلك الذروة بالفعل، بل ويحقق نمواً إلى مستوى أعلى في عام 2024.

كذلك فإن وقود الطائرات هو منتج آخر من منتجات التكرير التي تسجل أداءً أفضل من المتوقع على الرغم من الاعتماد واسع النطاق للطائرات الأعلى كفاءة في استهلاك الوقود.

خلال 18 شهراً مضت أو نحو ذلك، أدت هذه الزيادة في كفاءة الاستهلاك إلى كبح الطلب على وقود الطائرات، غير أن عدد الرحلات الجوية، والأهم منها عدد الأميال المقطوعة جواً، ارتفع في الوقت الحالي عن مستويات عام 2019، وذلك مع عودة الزيادة في حركة السفر بين القارات حتى إن استهلاك وقود الطائرات أصبح لأول مرة يضاهي المستويات الموسمية التي كانت سائدة قبل جائحة كوفيد-19.

وفي أوائل شهر مايو، ارتفع عدد الرحلات الجوية بنسبة 5% عن الفترة نفسها من عام 2019، في حين ارتفع عدد أميال الطيران بنسبة 10% تقريباً، وفقاً لشركة "إيربورتيا" (Airportia) للبيانات.

نمو الطلب لا يزال قوياً

بالنظر إلى جميع ما سبق، يبدو أن نمو الطلب على النفط لا يزال جيداً في عام 2024. وبديهي أن هذا النمو لن يتقدم بالوتيرة التي كان يأملها المتفائلون الذين يبالغون في توقعاتهم. وعلى وجه الخصوص، تبدو توقعات منظمة "أوبك" بزيادة قدرها 2.2 مليون برميل يومياً بعيدة المنال إن لم تكن عبثية. ومع ذلك، فهي في سبيلها إلى تحقيق الزيادة الأكثر منطقية بكثير التي توقعتها وكالة الطاقة الدولية والبالغة 1.2 مليون برميل، مسجلة بذلك رقماً قياسياً يزيد عن 103 ملايين برميل يومياً.

على أي حال، يميل ميزان المخاطر نحو نمو الطلب هذا العام بأكثر مما تتوقعه وكالة الطاقة الدولية حالياً.

هل أكثر بكثير؟ لا..ليس كثيراً، ولكن يبدو أن زيادة تتراوح بين 1.3 مليون و1.5 مليون برميل يومياً في متناول اليد. وعلى الرغم من الطلب القوي، يبدو أن السوق تعاني من مشكلتين.

الأرقام طويلة المدى

المشكلة الأولى تتعلق بطريقة النظر إلى الأرقام، ففي حين أن معدل نمو الطلب قوي، إلا أنه أبطأ بكثير مما كان عليه في أعوام 2021 و2022 و2023، وهي سنوات التعافي من الانهيار الناجم عن جائحة 2020. وقد وضعت وكالة الطاقة الدولية، التي بالغت في تضخيم التباطؤ على مدى عدة أشهر، هذا التباطؤ في سياقه الصحيح في أبريل الماضي عندما قالت: "على الرغم من التباطؤ المتوقع، لم يزل هذا المستوى من نمو الطلب على النفط متماشياً إلى حد كبير مع اتجاه ما قبل كوفيد-19، حتى في ظل التوقعات الخافتة للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام وزيادة استخدام تقنيات الطاقة النظيفة".

من عام 1991 إلى عام 2023، سجل الطلب العالمي على الخام متوسط نمو بمعدل 1.05 مليون برميل يومياً. وباستثناء تأثير كوفيد-19 والتعافي منه، بلغ متوسط نمو الطلب على النفط 1.18 مليون برميل يومياً على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، بما يتماشى مع توقعات وكالة الطاقة الدولية البالغة 1.2 مليون برميل يومياً لعام 2024، وهو ما يشير من الناحية الفنية إلى رقم أعلى من المتوسط.

الأرقام الأسبوعية الأميركية

المشكلة الثانية تكمن في الاعتماد المفرط على بيانات النفط الأسبوعية الأميركية، والتي تكون بطبيعتها مشوشة؛ بسبب المقايضة الإحصائية بين سرعة إصدار البيانات واكتمالها. وتعاني إدارة معلومات الطاقة، المسؤولة عن جمع إحصاءات النفط للحكومة الفيدرالية، منذ عدة سنوات في تحديد المستوى الحقيقي للاستهلاك. ورغم أن البيانات الأسبوعية تؤثر على السوق بشكل كبير، فإن الكثيرين يتجاهلون مراجعات الأرقام التي تُنشر لاحقاً في الإحصاءات الشهرية، والتي غالباً تتضمن تعديلات تزيد من الأرقام الأصلية بشكل أو بآخر.

عند النظر إلى شهر فبراير مثلاً، وهو آخر شهر تمت مراجعة أرقامه بشكل كامل، نجد أن إدارة معلومات الطاقة، بناءً على الإحصاءات الأسبوعية، قدّرت الطلب الأميركي على النفط في البداية بنحو 19.52 مليون برميل يومياً لذلك الشهر، وهو رقم أقل من العام السابق، مما أثار قلق السوق. لكن البيانات النهائية، التي صدرت قبل أيام قليلة فقط أظهرت واقعاً مختلفاً تماماً، فقد ارتفع الطلب على أساس سنوي ليصل إلى مستوى قوي للغاية بلغ 19.95 مليون برميل يومياً.

ومع ذلك، لا يزال لدى المتفائلين بارتفاع أسعار النفط ما يبرر قلقهم. ففي ظل محاولة تحالف "أوبك+" إبقاء الأسعار قريبة من 100 دولار للبرميل، يستمر ارتفاع المعروض من خارج "أوبك"، بما في ذلك إمدادات الوقود الحيوي. ومع ذلك، فإن التركيز على ضعف الطلب في غير محله.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas
الآراء الأكثر قراءة