عندما يتولى منصبه الجديد كوزير للاقتصاد في تايوان الشهر القادم، سيحتاج جيه دبليو كو إلى أن يتحرك بسرعة إذا أراد أن ينقذ أحد المشروعات التي تتميز بها الحكومة.
ذلك أن التضارب السياسي والأهداف المضللة تهدد بتبديد آمال رئيسة البلاد المنتهية ولايتها تساي إنغ ون في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة. وتنصب مهمة كو إما، على وأد ذلك الحلم أو إعادة صياغة السياسة الحالية بما يعود بالمشروع إلى مساره الصحيح.
مراحل متعددة لمشروعات طاقة الرياح البحرية كشفت عن تصدعات في سياسة الحكومة. وكان من شأن تنفيذ هذه المشروعات بسلاسة أن تحقق تايوان هدف تساي لعام 2016 بتوليد 20% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2025.
إلا أن القواعد البيزنطية وغير المرنة لتنظيم عقود التوريد المحلية، والقيود المفروضة على أحجام المشروعات، أدت إلى زيادة كبيرة في التكاليف وتأخر طرح المشروعات وترك المقاولين المحتملين للسوق تماماً.
تصطدم هذه التحديات مباشرة مع خطط التخلص التدريجي من مولدات الكهرباء النووية، مما يدفع تايوان نحو أزمة نقص في الكهرباء وتكرار انقطاعات التيار التي شهدتها خلال العقد الماضي.
الالتزام بالميزانية وموعد التسليم
لم يكن ضرورياً أن تسير الأمور على هذا النحو. فمحطات طاقة الرياح تاريخياً من أفضل المشروعات كفاءة بين أكثر من عشرين نوعاً من المشاريع الكبرى التي تتبعها بنت فليفبيرغ، الأستاذ الشهير في كلية سعيد للأعمال بجامعة أكسفورد ورائد الدراسة طويلة الأجل للمشاريع العملاقة.
كتب فليفبيرغ ودان غاردنر في كتابهما "كيف تنجز الأعمال الكبيرة" (How Big Things Get Done) أن سجل منشآت تخزين المواد النووية المشعة هو الأسوأ على الإطلاق من حيث التزامها بالميزانية، إذ يبلغ متوسط تجاوز التكلفة فيها 238%، ثم الألعاب الأولمبية بمتوسط تكلفة 157% أعلى من المتوقعة. أما طاقة الرياح، من ناحية أخرى، فهي من أفضل المشروعات من حيث الالتزام بالتكلفة، حيث تتجاوز ميزانياتها بنسبة 13% فقط، ولا يتفوق عليها في ذلك سوى البنية التحتية لنقل الطاقة (8%) والطاقة الشمسية (1%).
هناك سبب وراء تاريخ طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الالتزام بالتسليم في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية، ومن الأفضل لصناع السياسة في تايوان أن يتذكروا ذلك.
كلا النوعين من مشروعات البنية التحتية تقام بطريقة النماذج المعيارية الجاهزة، مما يعني إمكانية الاستفادة من اقتصاديات الحجم والمعرفة المسبقة بكيفية تسليمها.
تستطيع شركات التطوير بناء محطات الطاقة الأصغر حجماً وإتقانها وتكرار هذه العملية، وتحسين أدائها تدريجياً مع اقترابها من الاكتمال. كما أن هذا التحسن التدريجي يمكن الاستفادة منه في تنفيذ العقود التالية.
أما مشاريع التخزين النووي والألعاب الأولمبية فإنها على النقيض من ذلك، إذ إنها بهذا القدر أو ذاك صفقات معدة خصيصاً ولمرة واحدة فقط وتقع بطبيعتها ضحية لمتلازمة المبتدئين الأبدية– إذ يتعلم فريق العمل من الصفر في كل مرة.
شروط المكون المحلي في العقود
كان ينبغي أن تتحقق هذه النتائج في مزارع طاقة الرياح البحرية في تايوان، والتي من المفترض أن تنتشر قبالة الساحل الغربي في مضيق تايوان. فقد استخدمت شركات المقاولات العالمية، ومن بينها "أورستيد" و"نورثلاند باور" و"جيرا"، خبراتها من المشاريع السابقة في تايوان ولكنها واجهت العراقيل.
فبدلاً من شراء المكونات من جهات توريد معروفة وموثوقة، ألزمتها شروط العقد بشراء 60% على الأقل من قطع الغيار من السوق المحلية.
الأكثر من ذلك أن الحكومة تحدد بدقة أياً من تلك القطع يلزم شراؤها من مورد محلي. وتخضع البنود الأخرى من سترات شبكة الأساس إلى سفن المسح لهذه الاشتراطات.
ولكن تايوان لا تملك الخبرة اللازمة لذلك ولا القدرة على توفيره. مما يؤدي إلى خسارة مزايا كل من اقتصاديات الحجم والمعرفة المسبقة.
في بعض الحالات، تمتلك شركة أو شركتان محليتان فقط القدرات الإنتاجية، مما يؤدي إلى احتكار يترتب عليه ارتفاع الأسعار مع استمرار عدم القدرة على التسليم في الوقت المحدد.
ومع ذلك، فإن المقاول الرئيسي هو الذي يلتزم بدفع غرامة التأخير، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف. وقد دفعت هذه التجاوزات في الميزانية والتأخير في طرح المراحل السابقة من المشروع بعض المطورين إلى عدم المشاركة في الجولات اللاحقة.
في جولة من المزادات في عام 2022 –التي يقدم فيها المقاولون عروضهم لتوفير الطاقة الكهربائية إلى الشركة الحكومية المحتكرة للكهرباء بأقل سعر– عرضت سبعة تحالفات على الأقل بيع الكهرباء لشركة "تايوان باور" بتكلفة تقترب من الصفر، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إن إي إف". ومن خلال ذلك، تحصل الشركات الفائزة على تفويض لبناء مزارع رياح بحرية، وتراهن على أنها تستطيع أن تجد مشترياً آخر يدفع سعراً يغطي تكاليفها. وإذا تمكنت من ذلك، فلن تكون ملتزمة بالبيع لشركة "تايوان باور" بسعر العطاء الفائز. وبدلاً من ذلك سيصبح عملاؤها من الشركات التايوانية التي تحتاج إلى الطاقة المتجددة ولديها الاستعداد لتوقيع عقود طويلة الأجل.
المخاطرة الكبرى
مع ذلك، لم تزل شركات توريد الكهرباء مكبلة بقوانين عقود التوريد المحلية، التي ترفع تكلفة الميزانيات ومعها النقطة التي تستطيع عندها أن تتوقع تحقيق عائد على استثماراتها.
وتتمثل المخاطرة الكبرى في أن بعض هذه الشركات التي تفوز بالعطاء لا تعقد اتفاقية مؤسسية لشراء الكهرباء، وتدع تفويضها ينقضي دون أي عقوبة، وتترك تايوان دون طاقة متجددة هي في أمس الحاجة إليها في الوقت الذي تغلق فيه المفاعلات النووية التي كانت ذات يوم هي العمود الفقري لإمداد الاقتصاد بالكهرباء.
لم يفت الأوان بعد، إذ إن كو قادم من عالم الشركات، وهو رئيس مجلس إدارة شركة "توبكو غروب" لصناعة المعدات الصناعية، ومقرها تايبيه، والتي تضم بين عملائها شركة "تايوان سيميكونداكتور مانيفاكتشرينغ" لصناعة أشباه الموصلات.
الأهم من ذلك، وفقاً للتقرير السنوي للشركة، أن كو "لديه خبرة في القيادة والتخطيط الاستراتيجي للتنمية". وهي مهارات سيحتاج إليها عندما ينضم إلى مجلس الوزراء عند تنصيب خليفة تساي المنتخب لاي تشينغ تي في 20 مايو.
وإذا أراد إنقاذ أهداف طاقة الرياح، فسيحتاج إلى تبني سياسة محددة، وبسرعة. والطريق الوحيد للمضي قدماً هو تخفيف قواعد عقود التوريد والسماح للشركات المتعاقدة بشراء قطع الغيار من أي جهة تريدها بأسعار عالمية تنافسية.
وقد تفكر الحكومة أيضاً في دفع الشركات المحلية إلى شراء الطاقة المتجددة، إما باستخدام جزرة الإعانات، أو باستخدام العصا وهي الشروط الملزمة.
من ناحية أخرى، إذا كان الهدف هو استخدام الحمائية لمحاولة زرع بذور صناعة محلية لطاقة الرياح، فيجب أن تكون تايوان على استعداد لإنفاق أكبر كثيراً على الكهرباء وقبول مخاطرة كبيرة بالفشل. وإذا كان هذا هو الخيار، فعلى المواطنين التايوانيين والشركات التايوانية الاستعداد لمزيد من انقطاع التيار الكهربائي في السنوات القادمة.