عادت ليبيا إلى لعبة النفط، بعد سنوات من البدايات المزيفة والانتكاسات، وعادت مرافق الطاقة التي أُغلقت، أو دُمرت خلال الحرب الأهلية إلى العمل العام الماضي، ونجحت الدولة العضوة في "أوبك" في الحفاظ على مستوى إنتاجها فوق مليون برميل يومياً منذ نوفمبر الماضي.
ويوم الإثنين، أدَّت أوَّل حكومة موحدة في الدولة منذ سبع سنوات اليمين مع تسارع المجهودات للتوصل لسلام رسمي.
ولا يزال هناك الكثير من الانقسامات بين الفصائل المختلفة، التي لن تُحل بسهولة قبل الانتخابات المقررة في ديسمبر، وستعمل الحكومة الجديدة بكل جهدها لاستعادة الخدمات الرئيسية بعد عِقد من الاضطرابات منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي.
ومع ذلك، تعزز حكومة الوحدة، التي تنهي انقسام المؤسسات بين الشرق والغرب الآمال، ومن شأنها أن تبث الاستقرار بقطاع النفط في ليبيا -صاحبة أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا- وأن تقلل احتمالات إشعال الميليشيات للقتال، أو إغلاقها للموانئ، والحقول، والمصافي مجدداً.
وبحسب محللي "ستراتفور" لاستشارات المخاطر الجيوسياسية، التي مقرّها تكساس: "سيظل إنتاج الغاز والنفط الليبي على الأرجح مستقراً، وستظل احتمالات الصراع الأوسع منخفضة".
كميات النفط الإضافية التي يمكن ضخها
ارتفع الإنتاج الليبي من العدم تقريباً بعدما توصَّلت الأطراف المتناحرة لهدنة في منتصف 2020، وتوقَّفت عن القتال. وتضخُّ البلاد حالياً أكثر من 1.3 مليون برميل يومياً، أي أكثر من العديد من نظيراتها في منظمة الدول المصدِّرة للبترول.
وتستهدف المؤسسة الوطنية للنفط، شركة الطاقة الحكومية، رفع الإنتاج إلى 1.45 مليون برميل يومياً بنهاية 2021، ثم إلى 1.6 مليون خلال عامين، و2.1 مليون خلال أربع سنوات، بحسب ما قال رئيس مجلس إدارتها، مصطفى صنع الله لتلفزيون "بلومبرغ" الأسبوع الماضي.
وأضاف صنع الله، أنَّ المؤسسة الوطنية للنفط تخطِّط لتشغيل حقول بترول جديدة في الأشهر المقبلة في حوضي "سرت"، في وسط البلاد، و"غدامس"في الغرب، كما تعمل على إعادة تشغيل الحقول المغلقة نتيجة هجمات الدولة الإسلامية في 2015.
وقال صنع الله، إنَّ هذه الخطط الطموحة ستعتمد على استمرار السلام، وحصول المؤسسة الليبية للنفط على موازنة كافية من الحكومة لإصلاح البنية التحتية للطاقة.
وأدَّت الحرب ونقص الصيانة إلى تآكل خطوط الأنابيب، وانهيار صهاريج التخزين.
وينبغي أن تمكِّن الحكومة المستقرة مؤسسة النفط المتعثرة مالياً على الأقل من تلبية احتياجاتها الأكثر إلحاحاً، ولكنَّها تعوِّل على شركات الطاقة الأجنبية للحصول على تمويل. وتعدُّ شركات مثل "توتال"، و"إيني"، و"ريسبول" من بين الشركات التي لديها حصص في الإنتاج، برغم تقليص الكثير منها للعمليات أثناء القتال.
ماذا سيفعل الوزير الجديد؟
عيَّنت الحكومة الانتقالية وزير بترول وغاز، وهو منصب لم يُشغل من سنوات -مما تركه فعلياً في يد صنع الله- وسيتولى ممثِّل ليبيا السابق في "أوبك"، محمد عون، الحقيبة الوزارية، ومن غير الواضح بعد ما الذي يعنيه ذلك لصنع الله، وأهداف مؤسسة النفط.
وتحت قيادة صنع الله، الذي تولى منصبه في 2014، كانت مؤسسة النفط الليبية واحدة من المؤسسات القليلة القادرة على العمل عبر انقسامات ليبيا السياسية، وتمكَّنت من إحكام سيطرتها على صادرات البترول برغم محاولات المقاتلين السيطرة على الحقول، وخطوط الأنابيب والموانئ في مناطقهم.
وقال صنع الله، إنَّ المؤسسة مستعدة للعمل مع الحكومة الجديدة، وستظل محايدة سياسياً.
ماذا يعني انتعاش الإنتاج الليبي لأسواق البترول؟
أخذت سرعة تعافي الإنتاج الليبي الأسواق على حين غرة، وضغطت على الأسعار، مما تسبَّب في إثارة القلق داخل "أوبك" التي تحاول تقييد الإمدادات، ودعم الأسعار بعد انهيارها العام الماضي مع انتشار فيروس كورونا.
تُعفى ليبيا من تخفيضات الإنتاج بسبب الصراع، وبرغم أنَّ الدول الأعضاء في "أوبك" لم تقم بدعوة أي منها، علناً، لتحديد حصة لليبيا، فإنَّ ذلك سيصبح محتملاً أكثر فأكثر مع ضخِّ الدولة المزيد من الخام.
ومع ذلك، فإنَّ ارتفاع أسعار البترول العام الجاري بنسبة 32% إلى 68 دولاراً للبرميل يأتي في مصلحة ليبيا، لأنَّ صعود الأسعار فوق المستوى الذي يحتاجه أعضاء "أوبك" الرئيسيين، مثل: السعودية والإمارات لموازنة حساباتهم الجارية، يعني أنَّه لن يكون هناك ضغط على الآخرين لكبح الإنتاج.