بدأت روسيا تفعيل ما يُطلق عليه آلية الحد الأدنى للأسعار، للمرة الأولى في تاريخها، لحماية تدفق عائدات النفط الدولارية لميزانية الدولة من العقوبات الغربية على قطاع الطاقة.
تقع التكلفة على عاتق منتجي النفط بالبلاد، ما يبرز مدى ما تمثله حماية تدفق عوائد النفط لخزائن الدولة من أولوية أساسية للكرملين. يولد قطاعا النفط والغاز في روسيا نحو ثلث إجمالي إيرادات الميزانية -أي عدة مليارات من الدولارات شهرياً- وتستخدم موسكو الأموال لتمويل حربها على أوكرانيا وزيادة إنفاق الرعاية الاجتماعية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة مارس الجاري.
ومن أجل احتساب ضرائب النفط لشهر يناير الماضي، ينبغي على شركات الطاقة الروسية استخدام متوسط سعر خام الأورال -مزيج الصادرات الخام الأساسي في البلاد- البالغ 65 دولاراً للبرميل، بحسب رسالة من دائرة الضرائب الفيدرالية نُشرت الشهر الماضي. على أن تستقبل ميزانية الدولة هذه الإيرادات خلال فبراير المنصرم، ومن المقرر نشر الأرقام الأسبوع المقبل.
خصم الأورال
كان سعر الخام في السوق أقل فعلياً، لكن الحكومة طبقت خصما على مزيج برنت قدره 15 دولاراً للبرميل بالنسبة للأورال في المعادلة الضريبية، بحسب حسابات بلومبرغ استناداً لبيانات "أرغوس ميديا" (Argus Media)، والتي أكدها مسؤول روسي تحدث بشرط عدم الإفصاح عن هويته.
كشفت البيانات أن الخصم الفعلي الذي كان منتجو البلاد يبيعون به شحناتهم من خام الأورال بلغ بالمتوسط 18.12 دولار للبرميل في الموانئ الروسية خلال يناير الماضي.
استهدفت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وحلفاؤها عوائد النفط الحكومية الروسية، بينما تهدف لاستمرار تدفق البراميل إلى الأسواق العالمية، عن طريق فرض سقف سعري بلغ 60 دولاراً للبرميل على صادرات البلاد من الخام والمنتجات النفطية. نجحت موسكو في تخفيف تأثير ذلك من خلال بيع نفطها للعملاء الآسيويين ونشر أسطول ظل هائل من الناقلات للتهرب من القيود المفروضة على خدمات الشحن والتأمين.
خلال الشهور الأخيرة، صعّدت مجموعة السبع الضغوط على مالكي السفن والتجار ومشتري النفط لتفعيل الامتثال لسقف السعر، ما أدى إلى خصم أكبر لخام الأورال. جاءت فجوة الأسعار البالغة 18 دولاراً التي سجلتها "أرغوس" خلال يناير الماضي أقل مما كانت عليه في بعض التوقيتات بأوائل 2023، عندما بيع خام الأورال في بعض الموانئ الغربية في روسيا أقل من سعر مزيج برنت بـ40 دولاراً ، لكنه ما يزال أكبر بست مرات من المستوى المعتاد قبل الغزو البالغ نحو 3 دولارات.
أسعار التسليم
هذه الأرقام تعكس سعر خام الأورال في الميناءين الرئيسيين المطلين على بحر البلطيق وهما بريمورسك وأوست لوغا، فضلاً عن ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وتمثل الأسعار ما يُطلق عليه تكلفة تسليم الخام على ظهر السفينة، والتي لا تحتسب تكلفة الشحن والتأمين اللازمين لتسليم النفط إلى المشترين.
مع وصول النفط الروسي إلى العملاء النهائيين في آسيا، يقترب السعر عند نقطة التسليم من كلفة برنت. رغم ذلك، فإن القيمة النهائية تشمل الشحن وتكاليف التأمين والمدفوعات للوسطاء. وفي ظل الطبيعة غير الشفافة للتجارة، يصعب تقدير عائدات منتجي النفط الروس من كل برميل مبيع.
يحسب المسؤولون الروس أيضاً سعر خام الأورال بطريقة ثانية تناسب أغراض الميزانية، عبر استخدام متوسط سعر "أرغوس" لبرميل الأورال في الموانئ الغربية الروسية الرئيسية، مضافاً إليه تكاليف افتراضية لعملية الشحن إلى ميناء روتردام وموانئ البحر الأبيض المتوسط. بالوقت الراهن، تُقدر هذه التكاليف عند دولارين للبرميل، ما يجعل التقييم أقل من الحد الأدنى للسعر لشهر يناير الماضي، لكن هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار بالبلاد قالت إنها ستصمم طريقة حساب أكثر تعقيداً.
من المقرر أن تقارن سلطات الضرائب شهرياً تقييمي سعر خام الأورال وتستخدم الأعلى لاحتساب الضرائب على منتجي النفط.
في ردها على بلومبرغ حول طرق حساب أسعار النفط الروسية، أحالت وزارة المالية بالبلاد الاستفسار إلى وزارة الاقتصاد. لم ترد الأخيرة ولا خدمة الضرائب في البلاد على طلبات للتعليق على الموضوع.
نهج أشد صرامة
طُرح الحد الأدنى للسعر السنة الماضية بخصم أكبر كثيراً قدره 34 دولاراً والذي تقلص بشكل متواصل ليصل إلى 20 دولاراً خلال ديسمبر الماضي. وحتى الآن، كان هذا يعني أن احتساب ضرائب النفط الروسية يتم باستخدام أسعار السوق الفعلية. تعتزم الحكومة تقليص خصم الحد الأدنى للسعر إلى 10 دولارات السنة المقبلة، و6 دولارات في2026.
مع تزايد تشديد المعادلة الضريبية، سيزداد الضغط على منتجي النفط الروس للتفاوض على أسعار أعلى لخام الأورال مع عملائهم الأجانب، أو سيتحملون الضرائب الإضافية من خزائنهم الخاصة.
تتوقع الحكومة أن تتقلص خصومات خام الأورال "بمجرد تحسن سلاسل التوريد وهدوء السوق"، بحسب نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك. رغم ذلك، تعتزم مجموعة الدول السبع تعزيز ضغطها على عوائد قطاع الطاقة الروسي عن طريق تطبيق أشد صرامة لسقف السعر، بحسب بيان صدر 24 فبراير في أعقاب مؤتمر عبر الفيديو بمناسبة مرور سنتين على غزو أوكرانيا.