لا يبدو الأمر فائق الخطورة، لكنَّ معظم التصدُّعات الضارة لا تبدو كذلك، إذ تعاني منظمة الدول المصدِّرة للنفط "أوبك" من صدع صغير، يمكن أن يتحول إلى تشقق كبير بما يكفي لإغراق السفينة.
بخلاف ما يظنه بعضهم، فالحديث ليس عن الخلاف بين السعودية وإيران، ولا حول الجدل المتعلِّق بفشل العراق المتكرر في الالتزام بهدف تخفيض الإنتاج بموجب اتفاق "أوبك+" الحالي. بل الأمر مرتبط بقرار دولة الإمارات العربية المتحدة، ثالث أكبر منتج في منظمة "أوبك"، السماح بتداول نفطها الخام بحرّية في السوق المفتوحة من قِبل مشتريه الأساسي. وبحسب المحلل بقطاع النفط فيليب ك. فيرليجر، فإنَّ المحصِّلة النهائية لهذه الخطوة يُمكن أن تضعف "أوبك"، وتحالف "أوبك+".
حتى الآن، يبيع كبار مُنتجي "أوبك" من دول الخليج العربي، كالمملكة العربية السعودية، والعراق، وإيران، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، خامهم بشروط صارمة تحدد مكان تسليمه، وتمنع إعادة بيعه بواسطة المشتري الأساسي. وقد منحهم ذلك القدرة على تعديل الأسعار التي يتعاملون بها في أجزاء مختلفة من العالم، اعتماداً على الظروف المحلية لتلك الأسواق، مما ينعكس زيادةً بعائداتهم. ويؤدي فشل المشتري بالالتزام بهذه البنود إلى استبعاده من عمليات الشراء المستقبلية.
من خلال استبعاد هذا الشرط الجوهري، تتخلى الإمارات عن ورقة مسيطرة، مما يجعل المشتري قادراً على تحويل وجهة خامها من منطقة إلى أخرى، إذا رأى أنَّ القيام بذلك أكثر ربحية بالنسبة إليه. وقد يفتح أيضاً سوق خام الخليج العربي أمام شركات تجارة النفط الكبرى مثل: "فيتول"، و"غلينكور"، و"ترافيغورا". لكن بالمقابل، ستؤدي المرونة المتزايدة من قِبل الإمارات، وتوسيع شريحة المشترين المحتملين إلى تحسين جاذبية نفطها مُقارنةً بجيرانها الأقل مرونة.
وهذه الميزة الإماراتية يُمكن مضاعفتها أيضاً، من خلال قدرتها على زيادة مستوى شحن صادرات خام "مربان" الرئيسي للبلاد من ميناء إمارة الفجيرة، الواقع خارج الممر المائي الحساس لمضيق هرمز، الذي يمثِّل نقطة بيع يفتقر إليها منافسوها في الخليج العربي.
خط مختلف
إنَّها المرة الأولى التي يتمُّ فيها "الخروج عن الخط" بهذا الشكل الواضح. فقد عرض العراق صادرات نفطية مستثناة من قيود تحديد وجهة الشحنة لكمية محدودة من خامه بموجب عقد دفع مسبق مع الشركة الصينية "تشاينا تشنخوا أويل" (China ZhenHua Oil Co) في شهر ديسمبر 2020. لكن هذا الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ أبداً، وألغى العراقيون الصفقة الشهر الماضي، بعد أن خفَّف ارتفاع أسعار النفط من بعض احتياجاتهم الفورية من الإيرادات النقدية.
لقد كان إسقاط قيود عدم تغيير وجهة الشحنة، وإعادة البيع الخطوة الأحدث من قبل الإمارات العربية المتحدة، مما يشير إلى أنَّها بدأت في اتخاذ خطٍّ مختلف عن زملائها في منظمة "أوبك".
سبق ذلك عدَّة دلالات على التمايز، فقد تصادم البلد الخليجي مع شركائه في المنظمة حول تخفيف قيود الإنتاج، عندما اجتمعوا بنهاية شهر نوفمبر الماضي، مما دفع المناقشات للاستمرار إلى اليوم الثاني، وبالتالي تأخير الاجتماع الذي كان مقرَّراً مع حلفائهم من خارج "أوبك" للاتفاق على زيادة صغيرة في الإنتاج لشهر يناير . وأصرَّت الإمارات على أنَّ أيَّ قرار لرفع حجم الإنتاج المستهدف، يجب أن يصاحبه تعهدات صارمة من أعضاء في "أوبك+" الذين فشلوا في الامتثال لأهداف خفض الإنتاج السابقة، بأن يعوضوا أي فائض إنتاج أقدموا عليه خلال تلك الفترة، عبر تخفيض إنتاجهم في الأشهر التالية.
يبدو أنَّ هذا الإصرار من الإمارات مدفوع بالإحباط من الطريقة التي جرى التعامل بها معها، عندما زادت إنتاجها لفترة وجيزة خلال الصيف الماضي. إذ أوردت تقارير أنَّه تمَّت دعوة وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إلى الرياض لتوضيح الموقف بهذا الخصوص، في حين أنَّ روسيا، التي تتجاوز باستمرار هدفها للإنتاج، لم تواجه أي انتقادات على الإطلاق.
كما ترى الإمارات أنَّ القيود المفروضة على إنتاجها أشد صرامة من تلك المفروضة على الآخرين. فعند مستوى تصدير 2.63 مليون برميل يومياً، فإنَّ هدفها يُعادل 63% فقط من قدرتها الاستخراجية. ويُقارن ذلك بنسبة 79% في السعودية. وحتى التخفيض الإضافي الأحادي من قبل المملكة، بمعدَّل مليون برميل يومياً، لا يجعل حجم إنتاجها المعطَّل بمستوى الإنتاج المعطَّل لدى الإمارات.
ترسيخ المكانة
يُعدُّ الاختلاف بين الإمارات والسعودية بشأن السياسة النفطية ثغرة إضافية في شبكة العلاقة بين البلدين، إلى جانب موقف الإمارات بتقليص حضورها في الحرب الدائرة في اليمن. بينما في المقابل، تمَّ الحديث عن وقف السعودية الحظر المفروض على قطر بشكل أحادي، مما دفع الإماراتيين لأن يحذوا حذوها.
إلى ذلك، تندرج التعديلات على عقود الإمارات النفطية، لناحية إتاحة تداول خامها بحرّية في السوق المفتوحة، ضمن إطار حملة البلاد لاعتماد خام "مربان" في أبوظبي كمؤشر قياسي إقليمي لمبيعات نفط الشرق الأوسط إلى آسيا، وهي السوق الأكثر أهمية لنفط الخليج العربي. ومن شأن ذلك أن يعطي دفعة للجهود التي تبذلها أبوظبي لترسيخ مكانتها كمركز لتجارة النفط، وليس مُجرَّد إنتاجه وتصديره. وهي حريصة على الإفادة القصوى من طاقتها الإنتاجية، التي تعتزم زيادتها بنسبة 20% تقريباً لتصل إلى 5 ملايين برميل يومياً مع حلول عام 2030، قبل أن يبدأ الطلب على النفط بالتراجع مع ابتعاد العالم على نحو متزايد عن الوقود الأحفوري، الأمر الذي قد يؤدي ذلك لوضعها في مسار تصادمي مع بقية أعضاء منظمة "أوبك".