تواجه دول تحالف "أوبك+" خلال أيام قليلة قراراً محورياً بشأن ما إذا كانت ستواصل تطبيق التخفيضات "الطوعية" في إنتاج النفط خلال الربع الثاني. تتوقع السوق أن يتم تمديد هذه التخفيضات. ومع ذلك، أرى أن التحالف أمامه الفرصة لزيادة الإمدادات بشكل محدود، مع قبول بعض التحديات قصيرة الأجل لتحقيق فوائد طويلة الأمد.
في نوفمبر الماضي، أعلنت العديد من دول "أوبك+" الذي تقوده السعودية وروسيا، خطوة لفرض قيود على الإنتاج بإجمالي 2.2 مليون برميل يومياً في الربع الأول من عام 2024. كان التفسير الرسمي لهذه الخطوة هو أن التخفيض هدفه دعم "استقرار وتوازن أسواق النفط". حتى وإن لم يُعلن ذلك، فإن الهدف الفعلي كان واضحاً، وهو: تحديد أرضية ثابتة لأسعار النفط الخام عند نحو 80 دولاراً للبرميل. وظلت الخطوات التالية غير واضحة في ذلك الوقت.
في 30 نوفمبر، قال التحالف إنه "لدعم استقرار السوق، ستُستعاد التخفيضات الطوعية تدريجياً بناءً على ظروف السوق".
وبما أن "أوبك+" يحتاج لتخطيط إنتاجه قبل أسابيع، فإن هذا يعني أن قراراً بشأن الربع الثاني يتعين اتخاذه في الفترة القصيرة المقبلة.
تخفيضات فردية ومتزامنة
من المستبعد أن تعقد "أوبك+" اجتماعاً رسمياً. بدلاً من ذلك، تخطط الدول الثماني التي أعلنت تخفيضات الإنتاج للربع الأول لإطلاق مجموعة من الإعلانات المنفردة والمتزامنة، قريباً. ومع ذلك، يجري وزراء "أوبك+" مفاوضات خلف الكواليس. وقد أخبرني مسؤولون أن المناقشات الرسمية لم تبدأ بعد، لكن التشاور غير الرسمي حول المواقف يتواصل.
وعلمت أن هناك وجهة نظر قوية داخل التحالف ترى أن "ظروف السوق" الحالية لا تبرر زيادة الإنتاج. بعض الأصوات تعتبر أن أسعار النفط، رغم كونها أعلى مما كانت عليه نهاية عام 2023، ما تزال غير كافية لدعم قرار بزيادة الضخ.
يُنظر إلى جزء من قوة السوق الراهنة على أنه قد يكون مؤقتاً. فقد أسهمت عدة عوامل، في يناير، بما في ذلك الطقس البارد في الولايات المتحدة، في تقليص الإمدادات العالمية، ما تسبب بسحب نفط من المخزونات أكبر من المتوقع. ولكن، يُتوقع الآن عودة هذه الإمدادات إلى طبيعتها. علاوة على ذلك، فإن موسم صيانة المصافي على الأبواب، مما يقلل الحاجة إلى النفط، خاصة خلال أبريل.
أقلية داخل "أوبك+" تؤيد زيادة الإنتاج
مسؤولو "أوبك+" الذين يفضلون استمرار التخفيض الكامل بمقدار 2.2 مليون برميل يشعرون بالقلق أيضاً بشأن اتخاذ قرار غير مدروس تقريباً. فالتحالف ليست لديه المعلومات الكافية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بيانات احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة القمرية الجديدة لشهري يناير وفبراير تجعل من الصعب تفسيرها. فهم يرون أنه من الأفضل التريث.
مع ذلك، هناك أيضاً وجهة نظر أقلية داخل "أوبك+" تدعو إلى تخفيف تخفيضات الإنتاج تدريجياً خلال الربع الثاني. فوجهة النظر التي تدعم ضخ المزيد ترى أن هناك خطراً محدوداً بشأن التسبب في انهيار للأسعار، وأن ذلك أمر منطقي من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى التحالف.
النظرة المتفائلة لسوق النفط تؤيد زيادة الإنتاج. يحوم سعر خام برنت، وهو المعيار العالمي، عند أقل بقليل من 85 دولاراً للبرميل. وتحظى سوق النفط المادية، التي ساعدتها الاضطرابات خلال شهر يناير، بوضعية جيدة، مع قوة بعض الأسواق الفرعية بالفعل. تُتداول تكلفة النفط الخام للتسليم الفوري بعلاوة كبيرة مقابل العقود الآجلة، وهذا مؤشر على الندرة. كما انتعشت
هوامش مصافي التكرير بشكل كبير، وهي مقياس جيد للاستهلاك الأساسي للبنزين والمنتجات البترولية الأخرى.
مقياس هوامش التكرير
تعتبر مصافي النفط آلات معقدة، قادرة على معالجة أصناف متعددة من النفط الخام، وتحويلها إلى عشرات من المنتجات البترولية المختلفة. تقيس الصناعة هوامش التكرير باستخدام عملية حسابية تقريبية تسمى هامش عملية التكسير أو "3-2-1 crack spread" (الفارق ما بين سعر شراء النفط الخام، وسعر بيع المنتجات النهائية، مثل البنزين والمشتقات)، أي أنه مقابل كل ثلاثة براميل من خام "غرب تكساس الوسيط" الذي تعالجه المصفاة، تنتج برميلين من البنزين وبرميلاً واحداً من نواتج وقود التقطير، مثل الديزل أو وقود الطائرات. قياساً على هذا المؤشر، فإن هوامش التكرير عند أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من ستة أشهر، بعد أن قفزت إلى أكثر من 30 دولاراً للبرميل من 17 دولاراً للبرميل في أكتوبر.
على الرغم من أن بيانات استهلاك المواد البترولية لشهر يناير بدأت في الظهور الآن، إلا أن المؤشرات الأولية إيجابية. ويبدو أن الطلب من الهند قوي، والاستهلاك في الصين قوي. وحتى في أوروبا، تشير الأرقام المبكرة إلى بداية قوية للغاية لهذا العام. والأهم من ذلك، تبدو آفاق الاقتصاد العالمي أكثر إشراقاً اليوم مما كانت عليه في نوفمبر، عندما خفض "أوبك+" الإنتاج. بحلول أوائل شهر مايو، من المرجح أن تحتاج سوق النفط إلى إنتاج إضافي، حسبما تزعم وجهة النظر المتفائلة.
من الناحية الاستراتيجية، فإن ضخ المزيد من النفط له ميزة أخرى: فمن خلال وضع سقف لأسعار النفط، يمكن للتحالف إبطاء معدل التوسع في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. ومع تداول خام برنت بشكل مريح فوق 80 دولاراً للبرميل، فإن التحالف يخاطر بتأجيج الزيادة من جانب منافسيه اللدودين في تكساس ونيو مكسيكو. من الأفضل أن نتقبل بعض الألم على المدى القصير الآن، من خلال أسعار أقل بعض الشيء، من أجل الفوز بحصة أكبر في السوق في وقت لاحق.
كلما طال انتظار "أوبك+" لتقليص تخفيضات الإنتاج، زاد دعمها لإنتاج النفط الصخري في أميركا. مجال الفرصة متاح حالياً؛ ولا ينبغي للتحالف أن ينتظر الاجتماع المقرر التالي في يونيو للاستعداد لضخ النفط.