يبدو أن العالم على أعتاب ما قد يكون أحدث طفرة كبيرة في مجال التكرير، حيث تنطلق الهند نحو تعزيز قدراتها الإنتاجية لاستيعاب الطلب المتزايد على الوقود الأحفوري في البلاد.
بدأت الدولة الواقعة في جنوب آسيا حملة بناء مكثفة لمصافي النفط لزيادة إنتاجها من الوقود التقليدي مثل البنزين والديزل، وهو ما قد يرفع طاقتها الإنتاجية بأكثر من 20% خلال خمسة أعوام مقبلة. وتقدر شركة "ريستاد إنرجي" تكلفة هذه المشروعات الجديدة بنحو 60 مليار دولار.
كما تشكل هذه الخطوات دفعة نادرة لصناعة التكرير العالمية التي تتراجع في الولايات المتحدة وأوروبا، بينما يتكيف القطاع الضخم في الصين مع أهداف بكين البيئية بعد أعوام من التطوير جعلتها عملاقاً في مجال المعالجة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الطلب المتزايد على وسائل النقل في الهند والتبني البطيء للسيارات الكهربائية سيبقي الشهية على البنزين والديزل أعلى لفترة أطول.
قال جيوفاني سيريو، رئيس الأبحاث لدى مجموعة "فيتول"، إن "الغرب ليس لديه توسعات جديدة، لكنها لا تزال قائمة في مناطق تزايد الطلب. والهند هي الدولة التي يتواصل فيها النمو بأكثر من 200 ألف برميل يومياً من الآن وحتى الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة".
الهند تعزز طاقة التكرير
من المتوقع أن ترتفع طاقة التكرير في الهند بمقدار 56 مليون طن بحلول 2028، وفقاً لما قاله وزير الدولة للنفط رامسوار تيلي الشهر الماضي دون الخوض في التفاصيل. وهذا يعادل زيادة إجمالية في القدرة الإنتاجية بنسبة 22%، أو 1.12 مليون برميل يومياً.
لم تقدم الحكومة تفاصيل حول كيفية وصولها إلى تلك المستويات الطموحة. وتشير حسابات "بلومبرغ" إلى أن مصافي النفط الحكومية أعلنت توسعات بنحو 50 مليون طن قد تتناسب مع الجدول الزمني الذي ذكره تيلي. كما أن المشاريع التي تبلغ طاقتها الإنتاجية حوالي 37 مليون طن لها مواعيد تشغيل من 2024 إلى 2026، لكن لم يتضح بعد موعد استكمال القدرة المتبقية، بما في ذلك الإضافات المخطط لها التي لا تزال قيد التنفيذ وفي مرحلة الدراسة.
يظهر التوسع الأكبر في مصفاة بانيبات (Panipat plant) التابعة لشركة النفط الهندية (Indian Oil) بولاية هاريانا، حيث يُضاف 10 ملايين طن هناك، ومن المتوقع بدء عملياتها في نهاية العام المقبل. وفي المرتبة الثانية، تأتي مصفاة بارمر الجديدة التابعة لشركة "هندوستان بتروليوم" (Hindustan Petroleum) في ولاية راجاستان الشمالية الغربية بقدرة إنتاجية تبلغ 9 ملايين طن، ويُتوقع الانتهاء من تطويرها في 2024، على أن تعمل المنشأة بكامل طاقتها بحلول 2025.
كذلك، يجري تنفيذ توسيعات أصغر في مصافي فيشاخاباتنام وغوجارات، ومصفاة باروني في مدينة بغساراي بولاية بيهار.
مع ذلك، يقول سيريو، من مجموعة "فيتول"، إن 56 مليون طن ليس رقماً مبالغاً فيه. وتابع: "أظن من وجهة نظرنا، أنه عندما ننظر إلى احتمالية هذه المشاريع، فإننا نرى أن نصف هذه الكمية هو الأكثر احتمالاً في الوقت الحالي".
من المرجح أن تتحمل مصافي التكرير الحكومية معظم المسؤولية. وتسعى شركة "ريلاينس إندستريز" (Reliance Industries)، وهي أكبر معالج خاص للنفط ومالك مجمع جامناغار العملاق، إلى استبدال البنزين والديزل بوقود نظيف للاستفادة من التحول نحو الطاقة المتجددة.
الاكتفاء الذاتي في الهند
قال سوشانت غوبتا، محلل النفط لدى "وود ماكنزي"، إن "الهند كانت متأخرة في تعزيز طاقتها التكريرية في الماضي، والتي تتطلب عادة اللحاق بالركب إذا أرادت أن تكون أكثر اكتفاء ذاتياً". ويتوقع المستشار ارتفاع الطلب على النفط في البلاد بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً بحلول 2030.
ومن خلال هذه المشروعات لن تلبي الدولة الآسيوية طلبها الخاص بها فحسب، بل ستلعب أيضاً دوراً مهماً في شحن الوقود إلى مناطق أخرى مثل أوروبا بعد أن تعطلت الإمدادات، وخاصة الديزل، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
استثمارات الوقود التقليدي في الهند
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تعزز الهند طاقتها بمقدار مليون برميل يومياً خلال الستة أعوام حتى 2028، مما يرفع قدرة المعالجة إلى 6.2 مليون برميل يومياً، بزيادة قدرها 19% في إجمالي عمليات التكرير. كما تعزز الصين طاقتها اليومية لكن الزيادة الإجمالية في السعة تبلغ 8%، فيما تبلغ حوالي 9% في الشرق الأوسط.
وبالرغم من أن نسبة الزيادة كبيرة، فإن صناعة التكرير في الهند لا تزال تتخلف عن معظم الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، التي تعمل على تقليص طاقتها الإنتاجية. ويُذكر أن القطاع في الصين أكبر بثلاث مرات.
تشمل الإضافات المخطط لها في الهند مجمعات بتروكيماويات، لكن معظم السعة التكريرية ستكون مخصصة لوقود النقل. وبلغت الطاقة التكريرية الإجمالية للهند حوالي 254 مليون طن اعتباراً من 1 أبريل 2023، وفقاً للبيانات الحكومية.
قال ديلان سيم، محلل النفط لدى شركة "إف جي إي" (FGE): "بالنظر إلى أن الهند لا تزال اقتصاداً نامياً، فإنه من المنطق أن تواصل الدولة التركيز بشكل كبير على استثمارات الوقود التقليدي، بينما تحدد بعض الأسس للتحول نحو الطاقة المتجددة".
تخطط الهند أيضاً لتعزيز قدرتها فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال، كما أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية، لكن البلد يسعى لأن يكون جزءاً من تحول الطاقة، وقد حدد لنفسه هدفاً لبلوغ صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2070.