تراهن المملكة العربية السعودية حالياً بشكل كبير على أنَّ فترة ازدهار النفط الصخري الأمريكي، التي أحدثت تغييرات في خريطة الطاقة عالمياً إبان العقد الماضي، لن تعود أبداً.
ومن خلال الحفاظ على إحكام قبضته على الإمدادات في اجتماع يوم الخميس لتحالف "أوبك+"، أظهر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أنَّه يركِّز على رفع الأسعار، ويرى بثقة أنَّ الظروف الحالية لن تشجِّع الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري على العودة مرة أخرى لكي تستحوذ على حصة سوقية.
ويضمُّ تحالف " أوبك+" الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدِّرة للنفط "أوبك" بالإضافة إلى منتجين آخرين بقيادة روسيا.
وقال وزير الطاقة السعودي، الذي أدار إنعاش أسعار النفط بعد انهيارها الكارثي في 2020، لقد ولى عهد تسارع وتيرة التنقيب التي مارستها الشركات الأمريكية لزيادة إنتاجها من النفط الصخري.
ويتحدَّث الوزير السعودي بتفاخر ممزوجاً بجرعة لا بأس بها من التوتر الدبلوماسي، إذ حاولت روسيا، الشريك الأكثر أهمية للسعودية في "أوبك+" إقناع الرياض بزيادة الإنتاج لعدَّة أشهر، خوفاً من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تنبيه أو إنعاش الشركات المنتجة للنفط الصخري المنافسة "للعمل بقوة" مجدداً في نهاية المطاف. والسعوديون على يقين من أنَّ الصناعة الأمريكية أصلحت نفسها.
وإذا كان موقف وزير الطاقة السعودي صائباً، فسيكون تحالف "أوبك+" قادراً على دفع الأسعار للأعلى حالياً، واستعادة حصته السوقية لاحقاً، دون القلق من أنَّ الشركات المنافسة في تكساس، وأوكلاهوما، ونورث داكوتا ستغرق السوق بالخام.
ولكن إذا أخطأت الرياض في تقدير الموقف –وقد أخفقت في حسابها لأهمية النفط الصخري من قبل- فسيكون الخطر هو انخفاض الأسعار، وتراجع الإنتاج في ذات الوقت. وأقنع السعوديون الحلفاء في "أوبك+" حتى الآن بأنَّ الاستراتيجية ستؤتي ثمارها.
وبعد اجتماع افتراضي سريع يوم الخميس، وافق تحالف" أوبك+" على تمديد خفض الإنتاج، بخلاف توقُّعات لزيادة الإنتاج. ومع ذلك، حصلت روسيا على إعفاء لنفسها ولكازاخستان، بزيادة الإنتاج هامشياً في أبريل.
وقفزت أسعار خام برنت 5% إلى أعلى مستوى في عام لتبلغ 68 دولاراً للبرميل بعد قرار "أوبك+" إبقاء إنتاج النفط عند المستويات الحالية.
وواصلت العقود الآجلة لأسعار النفط تسليم مايو مكاسبها يوم الجمعة، وقامت مجموعة كبيرة من البنوك بتحديث توقُّعاتها للأسعار، بما في ذلك "غولدمان ساكس"، الذي رفع تقديراته لأسعار النفط بمقدار 5 دولارات إلى 75 دولاراً للبرميل في الربع الثاني، و80 دولاراً للبرميل في الربع الثالث.
وقالت ريجينا مايور، رئيس قطاع الطاقة العالمية في "كي بي إم جي" (KPMG) : "هذه خطوة جريئة غير قابلة للتصديق من جانب "أوبك+"-الإبقاء على مستويات إنتاج النفط- مما دفع أسعار النفط لمواصلة الصعود".
وإذا كان يمكن الاستفادة من دروس التاريخ، فإنَّ المشاكل ربما في مرحلة التخمير.
في الماضي قلَّل تحالف "أوبك+" من قدرة الشركات الأمريكية المنافسة المنتجة للنفط الصخري، التي أنتجت أكثر من المتوقَّع عاماً بعد عام. وفي عام 2007، كان الإنتاج الأمريكي من النفط أقل من 7 ملايين برميل يومياً، وزاد بأكثر من الضعف ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 18 مليون برميل يومياً مطلع 2020، مما أجبر "أوبك+" للتنازل عن جزء من حصته في السوق.
حركة محفوفة بالمخاطر
وقالت "أمريتا سين"، كبيرة محللي النفط في شركة "إنرجي أسبكتس" الاستشارية، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ يوم الجمعة: "هذا قرار محفوف بالمخاطر"، في إشارة إلى إبقاء التحالف النفطي على مستويات الإنتاج خلال أبريل بخلاف التوقُّعات بزيادة الإنتاج.
وفي حين أنَّ شركات النفط الأمريكية لن ترفع الإنتاج على الأرجح خلال العام الجاري، ولكن في عام 2022، ترى "سين" أنَّه "لا يوجد ما يوقفها حقاً، لا سيَّما الشركات المنتجة الصغيرة، ومتوسطة رأس المال".
وتتوقَّع "سين" أن ترتفع أسعار النفط إلى 70 دولاراً للبرميل في أقرب وقت الأسبوع المقبل، و80 دولاراً بحلول نهاية 2021، واحتمال ارتفاعها إلى 100 دولار في عام 2022.
وفي الوقت الحالي، لا يزال إجمالي إنتاج النفط الأمريكي يواجه قيوداً، إذ يحوم عند 16 مليون برميل يومياً بسبب تأثير الركود في 2020، الذي شهد لفترة وجيزة تداول عقود خام غرب تكساس الوسيط، الخام القياسي للنفط الأمريكي، دون الصفر.
وتحت ضغط من المساهمين، وعدت الشركات المنتجة للنفط الصخري، بضبط النفس، ووضعت الأرباح قبل النمو الذي سعت إليه بلا هوادة خلال سنوات الازدهار.
وعلى الرغم من ارتفاع عمليات الحفر من أدنى مستوياتها في عام 2020، إلا أنَّها أقل بكثير من المستويات السابقة.
وبالإضافة إلى ذلك، يحاول الرئيس الأمريكي جو بايدن التخفيف من أسوأ التجاوزات في صناعة النفط، بما في ذلك حرق الغاز الطبيعي العشوائي الذي يعدُّ نتيجة ثانوية لنجاح النفط الصخري.
في مرحلة سابقة، هاجمت المملكة العربية السعودية الشركات المنتجة للنفط الصخري في عامي 2014 و2015، بسبب إغراقها السوق ودفع الأسعار للانخفاض، وهي استراتيجية ثبت إخفاقها في نهاية المطاف.
وينتهج وزير الطاقة السعودي الحالي الأمير عبد العزيز بن سلمان أسلوباً مغايراً، لأنَّ أسعار النفط المرتفعة ستفيد الشركات المنتجة للنفط الصخري. ومع ذلك، فالوزير السعودي مقتنع أنَّ صناعة النفط لن تكرر تجاوزاتها السابقة.
وقال الوزير السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لـ "بلومبرغ نيوز" في مقابلة بعد اجتماع "أوبك+" إنَّ "شركات النفط الصخري تركِّز الآن بشكل أكبر على توزيعات الأرباح"، مضيفاً أنَّ المملكة تتمنى الخير لصناعة النفط الأمريكية.
وتابع الوزير السعودي "لم يكن لدينا أيّ مشكلة مع النفط الصخري. إنَّ شركات النفط الصخري هي نفسها التي تقوم بالتغيير، لقد حصلت على نصيبها العادل من المغامرة، وهي حالياً تصغي لنداءات المساهمين".
ويتفق المسؤولون التنفيذيون في شركات النفط الصخري مع وزير الطاقة السعودي، على الأقل في الوقت الحالي.
وقال جون هيس، رئيس شركة "هيس كورب" (Hess Corp) في هيوستن خلال وقت سابق من الأسبوع الجاري، قبل عامين كان الأمر ينصبُّ على مزيد من الحفر والتنقيب عن النفط الصخري، ثم تحوَّل الأمر إلى توزيعات الأرباح حالياً.
وكرر "ريان لانس" الرئيس التنفيذي لشركة "كونوكو فيليبس" موقف " جون هيس" قائلاً:
آمل أن يكون هناك انضباط في الصناعة النفطية. أسوأ شيء يمكن أن يحدث حالياً أن يتزايد عدد الشركات الأمريكية المنتجة مرة أخرى
وفي ضوء قيام الشركات النفطية بخفض الإنفاق لدفع توزيعات أرباح أكبر للمساهمين، لم يتبقَ الكثير من المخصصات لتمويل زيادة الإنتاج، وبدأت كبرى الشركات النفطية تقلِّص طموحاتها في مجال النفط الصخري أيضاً.
وكانت شركة "إكسون موبيل" تدير 55 منصة تنقيب عن النفط في "حوض بيرميان" الذي يمتد غرب تكساس، وجنوب شرق نيو مكسيكو، في إطار جهودها لزيادة الإنتاج إلى مليون برميل يومياً بحلول عام 2025. وبعدما خفَّضت الشركة الأمريكية العملاقة الإنفاق، شغلت "إكسون" 10 منصات تنقيب عن النفط فقط، وخفَّضت هدف الإنتاج لعام 2025 بحوالي الثلث إلى 700 ألف برميل يومياً.
ومع ذلك، هناك أيضاً دلائل تشير إلى أنَّ ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي في النهاية إلى إعادة تنشيط صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ومع ارتفاع سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي فوق 60 دولاراً للبرميل، تعتقد بعض الشركات أنَّها قد تكون قادرة على النمو، وإرضاء المساهمين بتوزيعات الأرباح.
وأعلنت " إي أو جي ريستوريسز" (EOG Resources Inc) أكبر شركة إنتاج للنفط الصخري في حوض بيرميان، عن زيادة كبيرة في الإنفاق خلال 2022. ويتكرر الأمر نفسه لدى شركات أخرى، لكنَّ ردَّ فعل سوق الأسهم بَرهن على نجاح موقف وزير الطاقة السعودي، فقد عاقب المستثمرون شركة "إي أو جي" لاعتزامها زيادة الإنفاق الرأسمالي على عمليات الحفر والتنقيب، مما أدى إلى انخفاض أسهمها مقارنة بالشركات المنافسة الأكثر انضباطاً.