دخلت فنزويلا المرحلة النهائية من معركة قانونية طويلة سيتم فيها بيع أصولها الأجنبية الأكثر قيمة، شركة "سيتغو بتروليوم" (Citgo Petroleum)، بالمزاد العلني لتسوية المطالبات المرفوعة ضد الحكومة وشركة النفط التابعة لها.
يبدأ البيع يوم الإثنين مع توزيع المواد التسويقية على المشترين المحتملين، مما يؤدي إلى بدء عملية تقديم العطاءات التي من المتوقع أن تستمر عدة أشهر.
كانت شركة "سيتغو بتروليوم" محمية بموجب العقوبات الأميركية ضد فنزويلا، ما منع الدائنين من الاستيلاء عليها، لكن قاضياً أميركياً أمر ببدء عملية بيع الشركة الأم "بي دي في هولدينغ" (PDV Holding) هذا الشهر، بعد أن أشارت واشنطن إلى أنها لن تقف في الطريق.
يسعى الآن أكثر من 20 مدعياً لتحصيل أموالهم في المزاد المقرر عقده في 6 يونيو، بينما يتغلبون على الحواجز القانونية التي وضعتها فنزويلا. ومن بين هؤلاء حاملو السندات والمقرضون التجاريون والشركات التي استولى الرئيس السابق هوغو تشافيز، الذي توفي عام 2013، على أصولها في فنزويلا.
1- من يسيطر على شركة "سيتغو" ولماذا يتعين على فنزويلا بيعها؟
تسيطر المعارضة الفنزويلية حالياً على المصفاة، فيما تجد "سيتغو" نفسها محاصرة في معركة بين فصيلين سياسيين منذ عام 2019، بعد اعتراف الحكومة الأميركية بخوان غوايدو رئيساً شرعياً للبلاد. لاحقاً، سمحت الولايات المتحدة لمن عينهم غوايدو بالعمل كممثلين للشركة في المحاكم الأميركية.
بحلول ذلك الوقت، بدأ دائنو فنزويلا، وهم مجموعة متنوعة تمتلك مزيجاً من قرارات التحكيم والقروض غير المدفوعة والسندات المتعثرة، في المطالبة بالتعويض في المحاكم، وبرزت "سيتغو" باعتبارها من الأصول الأكثر قيمة.
اقرأ أيضاً: ترينيداد تحصل على إعفاء أميركي لدفع ثمن الغاز لفنزويلا نقداً
تحظر العقوبات أي نقل أو بيع للأصول المملوكة لشركة الطاقة المملوكة للدولة في فنزويلا "بتروليوس دي فنزويلا" (PDVSA)، التي تمتلك شركة "بي دي في هولدينغ"، الشركة الأم لـ"سيتغو". لكن الولايات المتحدة قالت في مايو إنها لن تمنع البيع الذي أمرت به المحكمة لشركة "بي دي في هولدينغ"، أو تتخذ إجراءات ضد الشركات المشاركة في العملية. وقد عزز ذلك تفاؤل الدائنين.
حاولت المعارضة الفنزويلية المنقسمة، والتي تضم غوايدو، تسوية المطالبات الأكثر إلحاحاً، بما في ذلك مطالبات شركة التعدين الكندية "كريستالكس إنترناشيونال" (Crystallex International Corp)، لكن المفاوضات أُجهضت بفعل عملية البيع الوشيكة.
تشمل الخلفية الاقتصادية للمعركة حول "سيتغو" الركود الذي تشهده فنزويلا منذ سبع سنوات وواحدة من أطول نوبات التضخم المفرط في تاريخ العالم، والتي اندلعت بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط والعقوبات الأميركية الصارمة. وانهارت صادرات البلاد النفطية، المسؤولة عن أكثر من 90% من دخلها، وسط سوء إدارة الصناعة والفساد والقيود المفروضة على التجارة الدولية.
وحتى مع انهيار صناعة النفط في فنزويلا، ازدهرت شركة "سيتغو" في ظل هوامش تكرير أفضل، ومع تحسن ظروف السوق.
2- كيف يتحضر الدائنون لعملية البيع؟
يتعين على الدائنين الذين يسعون للحصول على حقوقهم من خلال بيع أسهم الشركة الأم لشركة "سيتغو"، أن يتخذوا عدداً من الخطوات المطلوبة من قبل قاضي الدائرة الأميركية ليونارد ستارك، المسؤول عن عملية البيع، الذي فضّل مبدأ أسبقية الحضور للشركات للمشاركة في المزاد، على أن يتم استيفاء جميع المتطلبات بحلول شهر مايو. وتقدم أكثر من 20 مدعياً بطلبات للحصول على تعويضات، ليصل إجمالي المطالبات إلى نحو 20 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: تراجع أسعار النفط مع احتمال تأجيل غزو قطاع غزة برياً
وحدها شركة "كريستالكس إنترناشيونال" التي فازت بتعويض بقيمة 1.2 مليار دولار ضد فنزويلا، هي التي أكملت جميع المتطلبات، بدءاً من إثبات أن فنزويلا مدينة لها بالمال، وحتى الحصول على أمر حجز من المحكمة ضد أسهم شركة "بي دي في هولدينغ"، فيما لم يكمل باقي الدائنين جميع الخطوات بعد، وقد تباطأت إجراءات بعضهم بسبب لجوء فنزويلا إلى الاستئناف القضائي.
3- كم تبلغ قيمة "سيتغو"؟
ارتفعت قيمة "سيتغو"، الأصل الوحيد للشركة الأم، في السنوات القليلة الماضية مع ارتفاع أسعار النفط الخام خلال الوباء. والآن وسط ارتفاع أسعار الطاقة المدفوعة جزئياً بالحرب في أوكرانيا، تتراوح قيمة الشركة بين 8.1 مليار دولار إلى 23.5 مليار دولار بحسب خبراء. تقدّر "إي إم إف آي سيكيوريتيز" (EMFI Securities) أن قيمة "سيتغو" تتراوح بين 13.3 مليار دولار و14 مليار دولار. قالت "سيتغو" إنها يمكن أن تستغل كتلتها النقدية البالغة 3 مليارات دولار لتسوية المطالبات.
وبموجب هذه التقييمات، سيكون بيع الأسهم كافياً لإرضاء الدائنين المباشرين على الأقل، بما في ذلك "كريستالكس إنترناشيونال"، لكن لدى فنزويلا نحو 160 مليار دولار من الديون المستحقة، بما في ذلك السندات المتعثرة والقروض وقرارات التحكيم.
4- من يمكنه شراء "سيتغو"؟
يمكن أن يكون شراء "سيتغو" عرضاً جذاباً للعديد من المشترين المحتملين.
تمتلك الشركة ثلاث مصافٍ و38 محطة مملوكةٌ بالكامل أو مشتركة، بالإضافة إلى شبكة تضم نحو 4200 محطة وقود. وقال آلان غيلدر، محلل أسواق التكرير في شركة الاستشارات "وود ماكينزي" إن أصولها كانت مربحة للغاية العام الماضي، حيث كسب كل موقع ما بين 1.6 مليار دولار و3 مليارات دولار، كما أنها "ذات قدرة تنافسية عالية" في أميركا الشمالية.
اقرأ أيضاً: فنزويلا قد تضيف 200 ألف برميل يومياً لأسواق النفط مع تخفيف العقوبات الأميركية
يمكن أن تثير عملية البيع اهتمام المشترين الذين يسعون إلى توسيع أعمالهم أو الذين ينظرون إليها على أنها استثمار مالي، وفقاً لخورخي بيدراهيتا، الرئيس التنفيذي لشركة "غير كابيتال بارتنرز" (Gear Capital Partners) في نيويورك.
وقال بيدراهيتا إن شركات مثل "ماراثون بتروليوم" (Marathon Petroleum) و"فاليرو" (Valero) ستكون في المجموعة الأولى، وفي حين قد تكون صناديق الأسهم الخاصة مهتمة بسبب القدرة التنافسية لشركة "سيتغو" وقدرتها على توليد النقد، قد تكون شركات التكرير المستقلة مهتمة أيضاً.
ونظراً للعقوبات، فإن أي نقل للأسهم سيتطلب الحصول على ترخيص من وزارة الخزانة الأميركية، كما سيتعين على المشتري اجتياز التدقيق الحكومي أيضاً.
5- ما هو الجدول الزمني لبيع "سيتغو"؟
تم تعديل الجدول الزمني الأولي الذي وضعه الخبير الخاص روبرت بينكوس في يوليو يوم الإثنين، وهو تاريخ الإطلاق، بعد أسبوع تقريباً من تخفيف العقوبات الأميركية على فنزويلا. قام بينكوس بتغيير إجراءات البيع مما يُسمى بمزايدة مطاردة الحصان (وضع أدنى سعر والتنافس لتقديم أعلى سعر) إلى عملية تقديم العطاءات التقليدية من جولتين، وهي عملية معتادة في مبيعات الاندماج والاستحواذ، وذلك "في محاولة لزيادة المنافسة بين مقدمي العروض المحتملين".
ويجب على الدائنين إكمال بعض الخطوات ليكونوا مؤهلين لتقديم العطاءات بحلول 12 يناير، ومن المقرر أن تُقام الجولة الأولى من العروض في 22 يناير. ولم يتم بعد تحديد الجولة الثانية. ومن المقرر عقد جلسة الاستماع النهائية للموافقة على البيع في 15 يوليو. وتعكس التواريخ الرئيسية الجديدة تقويماً أقل تقييداً مقارنة بالتقويم الذي تمت الموافقة عليه في يوليو من هذا العام.
قد تؤدي الدعاوى القضائية المتبقية إلى إبطاء العملية.
أصدرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي مجموعة من التراخيص لتعليق بعض العقوبات المفروضة على قطاع النفط والغاز والسندات والذهب في فنزويلا. كما قامت وزارة الخزانة الأميركية بتمديد الحماية على "سيتغو" التي تمنع حاملي سندات "PDVSA 2020" من الاستيلاء على أسهم الشركة الأم للمصفاة حتى بعد يناير 2024. ومع ذلك، بما أن الولايات المتحدة لا تزال لا تعترف بالرئيس نيكولاس مادورو كحاكم شرعي لفنزويلا، فإن الشركة تظل خاضعة لسيطرة المعارضة.
المراجع
- يقول مسؤولو وزارة العدل الأميركية إن الحكومة لن تتخذ إجراءات إنفاذ العقوبات ضد الكيانات المشاركة في بيع الشركة الأم لـ"سيتغو".
- سندات "بتروليوس دي فنزويلا" المستحقة في عام 2020، والمدعومة بحصة 50.1% في "سيتغو" ، تقفز مع تحديد موعد للمزاد العلني للشركة الأم لـ"سيتغو".
- يستعد صندوق التحوط "تينور كابيتال مانجمانت" (Tenor Capital Management) في نيويورك لتحقيق فوز كبير بعد الاستثمار في "كريستاليكس".
- القاضي الفيدرالي يحدد موعداً لبدء عملية البيع.
- علقت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على إنتاج النفط والغاز والذهب الفنزويلي ورفعت بعض القيود على تداول السندات.