فيما يستعد تجار النفط لافتتاح السوق بعد الاندلاع المفاجئ للحرب في إسرائيل، يتبادر سؤال واحد رئيسي: هل سيمتد الصراع ليعمّ بقية المنطقة؟
يستبعد تجار النفط الخام ارتفاعاً هائلاً في الأسعار، حيث لا يوجد تهديد آني بالنسبة للإمدادات. لكن كل الأنظار تتجه نحو إيران، وهي منتج رئيسي للنفط وداعم محوري لحركة حماس التي شنّت الهجوم على إسرائيل في نهاية الأسبوع الجاري.
توجيه ضربة انتقامية لإيران من شأنه أن يؤجج مخاوف بشأن مضيق هرمز، وهو الشريان البحري الحيوي الذي كانت طهران هددت في السابق بإغلاقه. هناك أيضاً احتمال إقدام الولايات المتحدة على عرقلة تدفق صادرات النفط الإيرانية مجدداً.
وفقاً لبوب ماكنالي، رئيس مجموعة "رابيدان إنرجي" (Rapidan Energy Group) والمسؤول السابق في البيت الأبيض، فإن سيناريو تعطل النفط سيحدث إذا امتد الصراع إلى إيران"، قائلاً: "في الوقت الحالي، يبدو هذا غير مرجح".
إلا أن التهديد تصاعد في الوقت الذي استُنفِدت فيه إمدادات الخام العالمية بسبب التخفيضات الحادة في الإنتاج على مدار أشهر من قبل المملكة العربية السعودية وروسيا، والتي دفعت العقود الآجلة لخام "برنت" الشهر الماضي إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل لفترة وجيزة.
تأثير على الأسعار والمعروض
استبعد بيير أندوراند، مؤسس شركة "أندوراند كابيتال مانجمنت" (Andurand Capital Management LLP)، أن يؤثر ذلك على إمدادات النفط على المدى القصير. ولكن يمكن أن يكون له تأثير في نهاية المطاف على المعروض والأسعار.
يأتي الهجوم بعد 50 عاماً تقريباً من حظر النفط العربي، عندما أقدمت السعودية ومنتجون آخرون في منظمة "أوبك" على تجميد التدفقات إلى الغرب في أعقاب حرب "يوم الغفران" في عام 1973.
لا أحد يتوقع أن تبادر الرياض -التي تتفاوض مع واشنطن حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل- بإيقاف ضخ النفط تضامناً مع الفلسطينيين حالياً. وفي أسوأ الأحوال، قد يعرقل الصراع محادثات التطبيع، ويحول دون أي تدفقات نفط سعودية إضافية قد تكون نتجت عن ذلك.
كان وزير الطاقة في الإمارات، وهي عضو رئيسي في منظمة "أوبك"، واضحاً في تصريحاته يوم الأحد بأن الصراع لن يؤثر على عملية صنع القرار في المنظمة.
قال وزير الطاقة سهيل المزروعي للصحفيين في الرياض: "نحن لا ننخرط في السياسة؛ ونقيّم الوضع وفق العرض والطلب، ولا نأخذ في الاعتبار ما فعلته كل دولة".
من جانبها، أعربت إيران، وهي أيضاً عضو في "أوبك"، عن دعمها للهجوم الفلسطيني.
قال ماكنالي إنه إذا ردّت إسرائيل بضرب أي بنية تحتية إيرانية، فإن أسعار النفط الخام سترتفع على الفور بسبب خطر حدوث اضطراب.
تزايد أهمية النفط الإيراني
أصبح النفط الإيراني ذا أهمية متزايدة بالنسبة إلى السوق حيث انتعشت الشحنات إلى أعلى مستوى لها في 5 سنوات. جاء ذلك بمباركة واشنطن الضمنية، حيث انخرط الجانبان في جهود دبلوماسية مبدئية لإعادة ترتيب فرض القيود على برنامج طهران النووي.
ربما تدفع الأعمال العدائية التي اندلعت في نهاية هذا الأسبوع إدارة الرئيس جو بايدن إلى التعامل بشكل أكثر قسوة مع هذه التدفقات، والتي تذهب في الغالب إلى الصين.
قال أندوراند: "أعتقد أن هذا التطور سيعني إنفاذاً أشد للعقوبات الإيرانية، وبالتالي تقليص النفط الإيراني في المستقبل. ومن ثم، مَن يدري ما سيكون تداعيات ذلك على المنطقة".
وفقاً لسيناريو أكثر تطرفاً، يمكن لإيران الرد على أي استفزاز مباشر من خلال إغلاق مضيق هرمز، وهو نقطة بحرية ضيقة في شمال بحر العرب.
تحمل الناقلات نحو 17 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات كل يوم عبر هذا الممر المائي، والذي يبلغ عرضه في أضيق نقطة له 21 ميلاً فقط. كانت طهران هددت بإغلاق المضيق عندما فُرِضت عقوبات عليها في عام 2011، لكنها تراجعت في نهاية المطاف.
أسهمت الإمدادات المتزايدة من النفط الإيراني في خفض أسعار الوقود العام الجاري، بينما يضغط السعوديون وروسيا بقيادة فلاديمير بوتين على الإمدادات. هذا الإجراء المشترك بين الرياض وموسكو يستنزف مخزونات النفط بأسرع وتيرة منذ سنوات، مما يضع علاوة سعرية مكلفة على الإمدادات السريعة المعروفة في الصناعة بارتفاع قيمة العقود ذات الآجال الأقرب عن أسعار العقود المستقبلية في الشهور القادمة (باكورديشن).
ارتفاع تكلفة العقود القصيرة
قال غاري روس، مستشار النفط المخضرم الذي تحول إلى مدير صندوق تحوط في شركة "بلاك غولد إنفستورز" (Black Gold Investors LLC)، إن سوق النفط الخام ضيقة للغاية، فيما تستغيث الأسواق المادية بسبب تزايد تكلفة العقود ذات الآجال الأقرب، مما يؤدي إلى زيادة السعر الثابت.
ظهرت في الأسبوع الماضي إشارات على أن اتجاه أسعار النفط نحو مستوى 100 دولار قد ابتعد كثيراً، حيث انخفض خام برنت بنسبة 11% إلى أقل بقليل من 85 دولاراً في بورصة "إنتركونتيننتال" للعقود المستقبلية بأوروبا.
قد تؤدي تخفيضات الإنتاج من قبل السعوديين وروسيا إلى ارتفاع الأسعار بشكل مفرط، مما يفاقم التوتر بشأن الاقتصاد ويفاقم مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة.
من ناحية أخرى، أفسح خفض الإنتاج إلى نحو 9 ملايين برميل يومياً للرياض مجالاً هائلاً من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية التي يمكن نشرها إذا أدت الأزمة الحالية إلى اضطراب في الإمدادات. تمتلك المملكة احتياطياً بنحو 3 ملايين برميل يومياً، فيما تمتلك جارتها الإمارات مليون برميل أخرى، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ".
تشكّل المخزونات المذهلة هذه نطاقاً آمناً للقدرة الخاملة، ما يُعد سبباً آخر لعدم توقع التجار ارتفاعاً فورياً في الأسعار عند إعادة فتح الأسواق. ومع ذلك، قد تعيد الأحداث بعض علاوة المخاطر الجيوسياسية التي اختفت في السنوات الأخيرة.
قال ريتشارد برونز، رئيس الدراسات الجيوسياسية في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects Ltd) للاستشارات: "الضربة التي قامت بها حماس والرد الإسرائيلي يرفعان حدة التوتر الجيوسياسي".