مع تسجيل عقود النفط الآجلة مستويات مرتفعة جديدة، لم يعد التجار والمحللون يتحدثون عمّا إذا كانت أسعار النفط ستبلغ مستوى 100 دولار للبرميل، بل أصبحوا يتداولون بشكل متزايد في مسألة الفترة الزمنية التي ستستغرقها السوق للعودة إلى هذا المستوى.
يأتي ذلك في وقت تواصل فيه العلاوات السعرية للبراميل ارتفاعها في كل أنحاء العالم. فالإمدادات من الشرق الأوسط وأذربيجان وحتى روسيا، تُفرض عليها علاوات سعرية، فيما تكافح مصافي التكرير لتوفير ما يكفي من إنتاج الديزل قبل الارتفاع الموسمي في الطلب على هذا النوع من الوقود.
يجادل المحللون الذين يتوقعون ارتفاع الأسعار بأنه حتى مع تداول النفط الخام حالياً عند حوالي 95 دولاراً للبرميل، لا يزال هناك العديد من الأموال غير مستثمرة في مجال النفط، مما يفتح الباب أمام ارتفاع الأسعار في المستقبل. خلال مقابلة عبر تلفزيون "بلومبرغ"، توقع مايك ويرث، الرئيس التنفيذي لشركة "شيفرون" أن يبلغ سعر النفط 100 دولار للبرميل.
ارتفع خام برنت القياسي بأكثر من 30% منذ بلوغه القاع في مارس، حيث أدت تخفيضات الإنتاج التي أقرتها المملكة العربية السعودية وروسيا إلى تقليص الإمدادات بشكل مطرد، في وقت ارتفع فيه الاستهلاك إلى مستوى قياسي، وهو ما يؤدي إلى نفاد المخزون، ويجبر المصافي على اقتناص البراميل لإنتاج الكميات الكافية من أنواع الوقود المناسبة.
النفط يحوم حول 95 دولاراً للبرميل مع تراجع الإمدادات عالمياً
قالت أمريتا سين، رئيسة قسم الأبحاث في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) لاستشارات الطاقة، في مقابلة على تلفزيون "بلومبرغ": "الأساسيات قوية جداً في الوقت الحالي. في هذه المرحلة، هذا تطور قصير المدى. أنا لا أقول إن متوسط السعر سوف يتجاوز مستوى 100 دولار، ولكن هل يمكن أن يصل إلى 100 دولار لفترة قصيرة؟ بالتأكيد نعم".
الأسواق الفعلية
قوة الأسعار تقودها الأسواق الفعلية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الخام الأذربيجاني الخفيف الرائد الذي كان يُتداول بالقرب من 100 دولار للبرميل يوم الجمعة، إذ أن تحقيق أرباح قوية من تحويل النفط الخام إلى ديزل، يعني أن المصافي تدفع علاوات كبيرة على درجات النفط التي تنتج المزيد من الوقود.
قال تجار إن هذه الهوامش نفسها تشهد تداول البراميل الروسية، التي كانت يوماً ما محل انتقاد، فوق معيارها القياسي في آسيا مرة أخرى. كانت تُتداول بخصم لفترة طويلة بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
مؤشر القوة على ذلك يظهر في شكل منحنى العقود الآجلة للنفط أيضاً. فقد كان أقرب عقد لخام برنت يُتداول يوم الاثنين بعلاوة تزيد على دولار للبرميل إلى الشهر التالي. هذا الهيكل، المعروف باسم "باكورديشن" (backwardation) والذي يشير إلى ندرة العرض، كان هو الأكبر منذ نوفمبر، باستثناء أيام انتهاء صلاحية العقود.
وفق هذه الخلفية، بدأ بعض المحللين الأكثر تشاؤماً والذين يراهنون على هبوط السوق، الاعتراف بأن الوصول إلى مستوى 100 دولار يبدو أمراً مرجّحاً، لا سيما بالنظر إلى المخاطر السياسية طويلة الأمد لدى بعض الدول المنتجة، مثل ليبيا ونيجيريا.
يمكن أن تدفع الظروف الجيوسياسية، إلى جانب التحليلات الفنية للتداول، بأسعار "النفط فوق مستوى 100 دولار لفترة قصيرة"، بحسب محللي "سيتي غروب"، بمن فيهم "إد مورس"، والذين كتبوا في مذكرة الاثنين: "مع ذلك، مازلنا نرى انخفاضاً في الأفق بشكل تدريجي".
يرى "سيتي غروب" أن جزءاً من هذا الانخفاض سيكون مدفوعاً بزيادة العرض من خارج تحالف "أوبك+"، مستشهداً بدول -مثل الولايات المتحدة وغيانا والبرازيل- التي يمكنها جميعاً إضافة براميل إلى السوق في الأشهر المقبلة، بما يكبح النقص الحالي في المعروض.
وزير الطاقة السعودي: لا نستهدف أسعار النفط بل تقلبات أقل
إيرادات الدول المنتجة
رغم ذلك، فإن الإيرادات في الدول المنتجة آخذة في الارتفاع. فقد تداول خام "مربان" من الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة عند أعلى مستوى له منذ فبراير الماضي، وواصل الارتفاع بشكل أكبر يوم الاثنين.
كذلك، فإن أسعار البراميل من قطر إلى غرب أفريقيا آخذة في الارتفاع، فيما تقترب درجة الخام الرئيسي من المملكة العربية السعودية من مستوى 100 دولار.
تحوّل هذه الارتفاعات التركيز إلى الطلب، وتأثير ذلك على الدول المستهلكة. قال بنك الاحتياطي الهندي يوم الاثنين إن تجاوز أسعار النفط الخام 90 دولاراً للبرميل يشكّل خطراً جديداً على الاستقرار المالي العالمي.
رغم أن سعر خام "برنت" لم يصل بعد إلى رقم من ثلاث خانات هذا العام، فإن الوقود المكرر مثل البنزين والديزل، يُتداول فوق هذا المستوى منذ أشهر عدة.
قال بجارن شيلدروب، كبير محللي السلع لدى "إس إي بي" (SEB AB): "من المرجح بشدة أن نرى عقود برنت الآجلة تتجاوز مستوى 100 دولار للبرميل. لكن يُرجّح أن يتأثر الطلب على المنتجات النفطية بشكل أكبر في حال ارتفع خام برنت إلى ما بين 110-120 دولاراً للبرميل، حيث يبدو هذا المستوى مبالغاً فيه".