عائدات النفط الروسي تنخفض إلى النصف وإنتاج إيران عند أعلى مستوياته في 5 سنوات وفنزويلا ترفع إنتاجها

عقوبات الدول الغربية على النفط مجرد تمويه وتضليل

ناقلة النفط الروسية "لانا" في عرض البحر - المصدر: أ.ف.ب
ناقلة النفط الروسية "لانا" في عرض البحر - المصدر: أ.ف.ب
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يُعدُّ فرض عقوبات اقتصادية وإدارتها لعبة تمويه وتضليل. فالمظاهر خادعة، وغالباً ما تتلاعب السياسة بالأسواق بطريقة ضارة لتحقيق أهدافها السياسية. وسوق النفط العالمية في 2023 هي خير مثال.

يسعى صانعو السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحقيق هدفين متناقضين ظاهرياً: خفض عائدات روسيا وفنزويلا وإيران من النفط، مع منع أسعار النفط من الارتفاع.

حتى الآن في العام الجاري، حقق نظام العقوبات هدفه بالإضرار بالكرملين، فخفّض إيرادات روسيا من النفط بمقدار النصف عن العام الماضي، في مقابل ثمن لم يُعترف به، يتمثل في زيادة عائدات إيران وفنزويلا النفطية. لكن الأرجح أن الطريق إلى الأمام سيصبح أكثر تقلباً، إذ تزداد صعوبة توقع النتيجة بشكل أكبر.

سقف النفط إحساس زائف بالنصر

لشهور، أعلنت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون النصر بفضل فصل جديد من فن الحكم والإدارة الاقتصادية؛ المسمى "سقف سعر النفط". ففي أواخر 2022، طرحت سياسة لا تسمح لروسيا باستخدام سفن الشحن والتأمين البحري والتمويل الغربي، إلا إذا باعت نفطها الخام بأدنى من 60 دولاراً للبرميل. حينها، كانت الدول الغربية تقدم معظم تلك الخدمات، بالأخص التأمين على الشحن. وأشار صانعو السياسات إلى أن ذلك سيجبر روسيا على بيع نفطها الخام بسعر مُخفّض.

الواقع كان-وما يزال- أكثر تعقيداً. فتلاشى الإحساس بالنصر الأسبوع الماضي، عندما قفز سعر نفط الأورال المرجعي الروسي متجاوزاً عتبة 60 دولاراً للبرميل.

أما الفاجعة الحقيقية فقد خفت عن أعين المهتمين بالسعر فحسب. فكر فيما يلي:

1) منذ منتصف العام الماضي، كان احتواء أسعار الطاقة هدفاً سياسياً رئيسياً في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. فلم يكن لذلك الهدف ضرورة محلية فحسب بل ودولية أيضاً، تتمثل في منع دول الاقتصادات الناشئة، مثل الهند وجنوب أفريقيا، من الانحياز الكامل إلى جانب روسيا.

فتصميم العقوبات، والجانب الأهم، تنفيذها كان موجهاً بالحاجة إلى الحفاظ على انخفاض أسعار النفط.

واشنطن تغض البصر عن إيران

2) أعطى الإضرار بروسيا الأولوية عن المساس بإيران وفنزويلا، عملاقتي إنتاج النفط المفروض عليهما العقوبات أيضاً. إنها نسخة غريبة من مقولة "عدو عدوي هو صديقي"، وفي تلك الحالة تصرفت دولة الغرب كما لو كانت المقولة: "صديق عدوي هو صديقي". أمر غريب. كنتيجة طبيعية لذلك، استنتجت واشنطن أن تحقيق هدفها للإضرار بروسيا نتيجة لغزوها أوكرانيا في 2022 يستدعي تقبلها مساعدة إيران وفنزويلا.

نتيجة لذلك، ارتفع إنتاج النفط الإيراني إلى أعلى مستوياته في 5 سنوات، ليجعلها ثاني أكبر مصدر للإمدادات الإضافية في 2023، بعد قطاع النفط الصخري الأميركي فقط. أجل، قرأت العبارة بشكل صحيح؛ طهران ستصبح ثاني أكبر مصدر للنفط الجديد العام الجاري، بينما تخضع للعقوبات شكلياً. من الناحية الرسمية، تقول واشنطن إنها تطبق سياستها الخاصة بإيران، أما من الناحية الواقعية، فهي تغض البصر عن زيادة الشحنات المنقولة من إيران، والتي يتجه معظمها إلى الصين.

3) كان للارتفاع الكبير في تدفقات النفط الإيراني نتيجتين مهمتين؛ الأولى، إنه خفف الضغوط الواقعة على أسواق الطاقة العالمية ودفع الأسعار إلى الانخفاض، وبالتالي، جعل سقف السعر التي فرضته مجموعة السبع دول على النفط الروسي ممكناً. الثانية، إنه حرر عدداً كبيراً من ناقلات النفط التي كانت تعمل حتى ذلك الحين باعتبارها منشآت تخزين عائمة لطهران، وساعدت تلك السفن روسيا على نقل النفط الذي تجاوز سعره 60 دولاراً للبرميل.

الثالثة، شحنت إيران جزءاً من نفطها إلى فنزويلا، حيث يستخدم بمثابة مخفف للنفط الثقيل التي تنتجه الدولة الأميركية اللاتينية، وبالتبعية، ساعد ذلك فنزويلا على زيادة إنتاجها.

من المستفيد الحقيقي من فرق السعر؟

4) ما يزال تنفيذ العقوبات أمراً وهمياً. فسقف سعر النفط، كمثال، يعتمد على الإقرار الذاتي. اسأل أي شخص في قطاع النفط ما إذا كان يثق بصحة تلك الإقرارات أم لا، وستظهر على محياه ابتسامة خبيثة للغاية. لا تسأل، ولا تقل، وواصل شحن النفط الروسي والتأمين عليه وتمويله.

5) يعلم الجميع أن الوسطاء المشاركين في تجارة النفط الروسي يجنون ثروة من الاستيلاء على فرق السعر بين تكلفة البرميل في الموانئ الروسية وميناء في الهند أو الصين. يتقاسم التجار وشركات الشحن فارق السعر الذي بلغ 20 دولاراً في بعض الأحيان. فمن المستفيد من تلك الجائزة؟ يزعم صانعو السياسات الغربيون جهلهم بذلك. لكن كل قطع اللغز تشير إلى روسيا، سواء كان المستفيد شكلياً هو الكرملين أو الأوليغارشية.

مع الاتجاه إلى شتاء 2024، ستزداد صعوبة الحفاظ على انخفاض أسعار النفط. فتبيع روسيا حالياً نفطها مقابل سعر يتراوح ما بين 60 إلى 75 دولاراً للبرميل، حسب الدرجة. لن يتمكن الغرب من أن يعول على زيادة إنتاج النفط الإيراني والفنزويلي لتهدئة السوق. مع خفض روسيا والسعودية إنتاجهما، سترتفع الأسعار بدرجة أكبر.

على مدى العام الماضي، حاولت واشنطن وحلفاؤها تطبيق صورة مستحيلة من سياسة الطاقة، وسرعان ما سيدركون أنه مهما حاولوا، فالمستحيل محال، والعقوبات المفروضة على النفط ستضر بكلا الجانبين، المنتجين والمستهلكين.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas