خفض الإنتاج 1.6 مليون برميل يومياً يقلب توقعات زيادة استهلاك الخام رأساً على عقب ويشير إلى ضعف الثقة بالطلب

ديفيد فيكلينغ: خفض "أوبك" المفاجئ لإنتاج النفط تسليم بتراجع الطلب

مرافق معالجة في قسم معالجة خريص بحقل خريص النفطي في خريص، السعودية - المصدر: بلومبرغ
مرافق معالجة في قسم معالجة خريص بحقل خريص النفطي في خريص، السعودية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كيف يبدو الأمر عندما يستسلم أكبر منتجي النفط في العالم لانخفاض الطلب على منتجهم الرئيسي؟ نرى ذلك بأم أعيننا اليوم.

فإعلان مجموعة "أوبك+" المفاجئ في عطلة نهاية الأسبوع عن تخفيضات في الإنتاج تزيد على 1.1 مليون برميل يومياً، بالإضافة إلى 500 ألف أعلنتها روسيا بالفعل الشهر الماضي، يقلب التوقعات بزيادة استهلاك النفط رأساً على عقب. وكانت التوقعات تشير في معظمها إلى أن الطلب على النفط سيرتفع بشدة في النصف الثاني من العام مع عودة حركة النقل الجوي والبري أخيراً إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بعد تباطئه حالياً، مما هوى بخام برنت إلى أدنى مستوى في 15 شهراً في 19 مارس.

أفادت وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي بأن الطلب في الربع الأخير من 2023 سيرتفع إلى 103.5 مليون برميل يومياً، بزيادة 2.2 مليون عن مستوياته الحالية، وهو مستوى يتجاوز العرض بكثير. هذه الأوضاع كافية من الناحية النظرية لإنعاش الأسعار من تلقاء نفسها دون أي تدخل من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إذ يؤدي انخفاض المخزونات إلى الاندفاع نحو الإمدادات المتبقية. لكن يبدو الآن أن وزراء "أوبك" لا يرون الأمر على هذا النحو.

إشارة على تراجع الطلب

فعلى أحد المستويات، يُعَدّ خفض الإمدادات الجديدة إشارة واضحة على تراجع الطلب على المدى القصير. حتى لو كان التقيد غير المنتظم بالخفض يعني أنه لا يزيد على مليون برميل أو نحو ذلك، فإن العجز المتوقع في إمدادات النفط العالمية في النصف الثاني من العام سيكون على غرار مع ما رأيناه في 2021، عندما تضاعفت أسعار النفط الخام تقريباً إلى مستواها الحالي البالغ نحو 80 دولاراً للبرميل. يصعُب توقع أن توافق "أوبك" على مثل هذا التقييد الصارم للإمدادات باسم "استقرار السوق". على الأرجح، يسير المنتجون وراء المتداولين -الذين دفعوا النفط الخام إلى الانخفاض 4.9% الشهر الماضي- في إجماعهم على عدم ترجيح أن يتحقق بعض الطلب الموعود في النصف الثاني.

ومع ذلك فإنّ الأمر الأكثر دلالة هو ما يقوله الإعلان عن الطلب الطويل الأجل. ستنعم "أوبك+"، خصوصاً أعضاءها الأساسيين في منطقة الخليج، بأقل تكاليف تشغيل في قطاع النفط العالمي إلى الأبد. وفي سوق متنامية أو مستقرة، يجب أن يستخدموا أرباحهم القياسية لزيادة حصتهم من التوسع في الإنتاج، والاستكشاف والحفر والاستخراج أو أنشطة المنبع، مع الحفاظ على الأسعار مريحة بما يكفي لإثناء المستهلكين عن تغيير سلوكهم بطريقة تضر بالسوق، مثل تقليص استخدام النقل الجوي، أو شراء سيارة "تسلا" بدلاً من شاحنة "تبتلع" كثيراً من الوقود.

هذه ليست الطريقة التي يتصرفون بها الآن. وبتبنيها وجهة النظر أن تخفيضات الإنتاج هذه هي أقل العوامل إشارة إلى هبوط الطلب على المدى القصير، فإن "أوبك+" لا تزال تتوقع استهلاكاً قوياً للنفط في النصف الثاني، لكنها ببساطة تحرص بشدة على جني مزيد من عوائد النفط. لن تكون هذه طريقة غير منطقية للتصرف، لأن الزيادة في الأسعار قد تفعل أكثر من تعويض الانخفاض في الإنتاج من الأعضاء الرئيسيين.

كل شيء إلا الاستثمار في النفط

السؤال إذاً هو: لماذا تريد هذه الدول مزيداً من أموال النفط؟ وما الذي تخطط لفعله بها؟

في السعودية، أكبر طرف مؤثر، من الواضح أن الأموال لا تذهب بشكل أساسي إلى بناء طاقة إنتاجية إضافية. خلال إعلان النتائج السنوية الشهر الماضي، كان الرئيس التنفيذي لــــــ"أرامكو السعودية" أمين ناصر ثابتاً في تفنيد اقتراحات المحللين بأن الشركة يجب أن تستخدم صافي دخلها البالغ 159 مليار دولار لتحديث خطط الإنفاق الخاصة بها. وبدلا ًمن ذلك، سيستقر الإنفاق الرأسمالي في منتصف هذا العقد تقريباً، مع تخصيص نصف الإجمالي فقط لتعزيز الإنتاج، ولا توجد خطط لبناء طاقة تتجاوز 13 مليون برميل يومياً. ويمثل ذلك زيادة متواضعة عن المستويات الحالية، خصوصاً عندما يؤخذ التضخم في الاعتبار.

ما رأيناه بدلاً من ذلك هو موجة من الاستثمارات في كل شيء، باستثناء إنتاج النفط الخام الجديد. أُعلن عن استثمار 7 مليارات دولار في مصفاتين في الصين الأسبوع الماضي، ووُقعت عقود قيمتها 8.5 مليار دولار في فبراير لبناء مصنع هيدروجين أخضر بالقرب من مدينة نيوم المخطط إقامتها قرب الحدود الأردنية، و33 مليار ريال (8.8 مليار دولار) لمنشآت سياحية جديدة على البحر الأحمر، و50 مليار دولار أخرى لتطوير آخر في ضواحي العاصمة الرياض. تتوقع الحكومة إجمالاً استثمار 1.3 تريليون دولار بحلول 2030 بهدف تنويع الاقتصاد بعيداً عن إنتاج النفط.

تُعَدّ أرباح منتجي النفط، أصحاب أقل تكاليف تشغيل في العالم، أكثر من رائعة في الوقت الحالي، ولكن على عكس فترات الازدهار السابقة فهم لا يعيدون استثمار تلك الأموال في مستقبلهم، في حين أن أعداد منصات النفط العاملة في الولايات المتحدة عادت إلى حد ما إلى مستويات ما قبل الجائحة، أما في الشرق الأوسط فيكافح المنتجون من أجل تجاوز ثلاثة أرباع الأرقام السابقة.

تريد "أوبك+" مزيداً من السيولة من سوق النفط، لكنها لا تعتقد أن زيادة الإنتاج هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك. وهذه إشارة تدفع الأسعار إلى الصعود، ولكن على جبهة الطلب فهي تنبئ بتراجعه على قدر ما يشطح به خيالك.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة