خط "باور أوف سيبريا-2" بإمكانه توريد 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى شمال بكين عبر منغوليا لكن "شي" لا يريده

لماذا تواصل الصين رفض خط أنابيب "بوتين" للغاز؟

منشأة غاز روسية - المصدر: بلومبرغ
منشأة غاز روسية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

عادةً ما تكون متابعة الاجتماعات بين قادة استبداديين يتفاخرون خلالها بقوتهم ونفوذهم المتنامي عملاً مقيتاً. لكنَّ مشاهدة فلاديمير بوتين وشي جين بينغ يتفاوضان بشأن أكبر مشروع لتصدير الغاز في روسيا كان له طابع كوميدي على نحو مفاجئ.

في كل مرة يلتقي فيها الرئيسان الروسي والصيني، يُلمّح "بوتين" بأنَّ الموافقة على خط أنابيب "باور أوف سيبريا-2" (Power of Siberia 2) - الذي سيرسل 55 مليار متر مكعب من الغاز من "نورد ستريم" إلى شمال الصين عبر منغوليا – باتت وشيكة. وفي كل مرة، تمتنع بكين عن التوقيع.

تركت نهاية القمة التي استمرت ثلاثة أيام في موسكو، الأسبوع الماضي، بين الزعيمين المشروع مرة أخرى في حالة مبهمة. "بوتين"، الذي كان يقدم الوعود شاملة بشأن إعلان وشيك، لدرجة دفعت بعض وسائل الإعلام لذكر أنَّ الصفقة تمت؛ انتهى به الأمر دون أي شيء سوى تأكيد الصين على أنَّها ستستمر في دراسة المشروع.

سلّط البيان الرسمي الصادر عن وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" الضوء على الاتفاقات الخاصة بالتبادل الرياضي واستغلال الغابات، لكنَّه لم يأت على ذكر أي شيء يتعلق ببناء المشروع الذي تبلغ تكلفته 95 مليار دولار، الذي تسعى روسيا بشدة للحصول عليه كبديل لأسواقها الأوروبية المتلاشية.

يعتبر هذا الصمت غريباً بعض الشيء. فالصين هي أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، وأكبر مستهلك للغاز بعد الولايات المتحدة وروسيا. مع التزام الرئيس "شي" بالوصول إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل تاريخ بدء عمل المشروع في 2030؛ يمكن أن يساعد الغاز المزوّد من "باور أوف سيبريا-2" بشكل ما في تقليل اعتماد الصين على المخزونات المحلية من الفحم المُلوث.

عدم تكرار الصين لخطأ أوروبا

مع ذلك؛ كان أحد الدروس الصعبة خلال السنوات القليلة الماضية هو أنَّ أهمية أمن الطاقة المتصور أصبحت أعلى مما كانت عليه منذ عقود. هذه ليست أخباراً جيدة لخط أنابيب "باور أوف سيبريا-2"، الذي سيضاعف حجم صادرات خطوط أنابيب الغاز الروسية إلى الصين تقريباً، ويعطيها أكثر من نصف سوق واردات البلاد من الغاز ، وهو مستوى مماثل لتلك الهيمنة التي تمتعت بها روسيا في أوروبا في عام 2021.

هناك طرق أفضل لحل هذه المشكلة، وهي طرق تتبناها الصين بحماس. على النقيض من تحفظ بكين بشأن خط الأنابيب الروسي المقترح، فقد أعلنت في سبتمبر عن بدء بناء خط أنابيب ينقل 30 مليار متر مكعب من تركمانستان، وهي مورد غير موثوق في كثير من الأحيان، لكن يسهل التأثير عليه مقارنةً بموسكو.

يعتبر الغاز الذي يتم شحنه أكثر جاذبية لأنَّه - كما اكتشفت أوروبا خلال العام الماضي - يتيح لمستوردي الغاز أن يكونوا مرنين للغاية في علاقات التوريد الخاصة بهم، على عكس التوصيلات الثابتة التي يتطلبها خط الأنابيب. منذ عام 2021، تُوقِّع الصين عقوداً للغاز الطبيعي المسال بوتيرة سريعة جداً. وتعتقد "وكالة الطاقة الدولية" أنَّ الاتفاقيات الحالية ستترك للصين فائضاً في المعروض حتى عام 2030، حيث يُتوقَّع أن ينتهي الأمر بتحويل نحو 45 مليار متر مكعب من عقود الاستيراد الخاصة بها إلى أسواق أخرى.

تحول مشهد الطاقة الصيني

في الوقت نفسه، زاد إنتاج الغاز المحلي بأكثر من الضعف منذ وصول "شي" إلى السلطة في عام 2012، وتحوّلت شركة "بتروتشاينا" العملاقة للنفط المملوكة للدولة نفسها إلى منتج للغاز، حيث يشكل الميثان أكثر من نصف براميل النفط المكافئ لديها منذ عام 2020.

وراء كل ذلك تحول في مشهد الطلب الصيني، فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، نما استهلاك الغاز بنحو 12% سنوياً في 2010، لكنَّه سيرتفع 2% فقط سنوياً في 2020.

يتمثل الجانب الآخر للتوسع الصيني المقلق في قدرة توليد الفحم في أنَّ هذا النوع من التحول واسع النطاق من الفحم إلى توليد الغاز الذي شوهد في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لن يحدث هناك. وبدلاً من ذلك، سيكون الفحم وقوداً صلباً يعمل كأداة مساندة لمصادر الطاقة المتجددة التي ستصبح بشكل متزايد العمود الفقري للشبكة المحلية.

وفقاً لشركة "بي بي"؛ فإنَّه بالكاد سيزداد توليد الطاقة من الغاز حتى عام 2030. وسيؤدي الاستخدام المتزايد للمضخات الحرارية - تمتلك الصين 40% من التصنيع العالمي - إلى إضعاف التحول من استخدام الفحم إلى غلايات الغاز المنزلية الذي شهدناه خلال العقد الماضي، إذ تتحول الأسر مباشرة إلى استخدام الكهرباء بدلاً من ذلك. أما بالنسبة إلى الصناعة فقط؛ يُرجح أن يرتفع الاستهلاك بوتيرة سريعة، لكن سيتم تغطية ذلك بشكل كافٍ من خلال العقود الحالية.

خيارات موسكو ليست مثل بكين

قد يكون تأثير ذلك من حيث المناخ أفضل مما قد يعتقده المرء في البداية. إذ تبلغ انبعاثات الكربون من محطات توليد الكهرباء بالغاز حوالي نصف تلك التي تُتنج عن طريق حرق الفحم، لكن هذه الميزة تنخفض بشكل حاد عندما تضع في الاعتبار تسرب الميثان، وحرق فائض الغاز في الحقول وخطوط الأنابيب. تحرق روسيا الغاز أكثر من أي دولة أخرى، وتشير مراقبة الأقمار الصناعية إلى أنَّ شبكة الغاز الروسية تعاني من تسرب غير عادي.

وكما أظهرت تجربة أوروبا؛ فقد يكون من الصعب على قطاع صناعي مدمن على الغاز الإقلاع عن هذه العادة، لكنَّ الصين لم تصل فعلياً إلى هذه النقطة بعد، وربما لن تصل إليها أبداً. بدلاً من ذلك؛ سيكون مستقبلها عبارة عن كهربة على نطاق واسع، مع استمرار توسع مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة متسارعة، مما يعني أنَّ مستقبل الفحم محدود أيضاً.

لدى موسكو بدائل قليلة لمستقبلها كمستعمرة صينية للموارد. بينما لدى بكين الكثير من الخيارات، وهو أمر يثير استياء بوتين.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك